أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: إسرائيل وإيران: مغامرات عسكرية مباشرة هنا وعبر الوكلاء هناك!

د. عمرو حمزاوي 17-6-2025: إسرائيل وإيران: مغامرات عسكرية مباشرة هنا وعبر الوكلاء هناك!

قبل ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران وفي حلقة نقاشية نظمتها مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي، ذكرت أن الخطر الأكبر على الأمن في الشرق الأوسط يتمثل في المغامرات العسكرية التي تمارسها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل وقناعتها بقدرتها على فرض إرادتها على أعدائها من خلال شن الحروب ورفضها الفعلي للتفاوض والحلول السلمية. وبينما ذهب المتحدثون الآخرون إلى أن مصادر الخطر في منطقتنا تتمثل إما في التداعيات العسكرية غير المسيطر عليها للذكاء الاصطناعي أو في الانعكاسات السلبية للأوضاع الفلسطينية على استقرار الأردن وجواره المباشر في سوريا والعراق، كررت أن السهولة التي صارت الحروب والصراعات المسلحة تندلع بها في الشرق الأوسط، إن على نحو مباشر أو بالوكالة، والغياب شبه الكامل للأطر الدبلوماسية الجماعية، والفوارق الشاسعة في القدرات العسكرية والاستخباراتية بين القوى الإقليمية هم العوامل الأكثر إثارة للقلق.

لم يكن مفاجئا أن تنشب الحرب الإسرائيلية-الإيرانية وأن تهاجم إسرائيل منشآت البرنامج النووي الإيراني والمنشآت العسكرية على امتداد جغرافيا واسعة وأن تستهدف علماء البرنامج النووي والقيادات العسكرية. لم يكن مفاجئا أن يكون الرد الإيراني بإطلاق الصواريخ على إسرائيل وتوجيهها نحو منشآت عسكرية وحيوية وسقوطها أحيانا في مناطق سكنية. لم يكن مفاجئا أن تصر إسرائيل على أن طول أمد حربها على إيران التي تعتبر برنامجها النووي تهديدا وجوديا لها، ولا أن تعرض إيران العودة إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن برنامجها النووي ما أن تتوقف الهجمات الإسرائيلية وتكون بذلك كمن يطلب على نحو غير مباشر وقف إطلاق النار. ففوارق القوة العسكرية والقدرات الاستخباراتية بين إسرائيل وإيران ترجح بشدة كافة الدولة العبرية في مواجهة الجمهورية الإسلامية التي كانت أنظمة دفاعها الجوي الأكثر تقدما (S 300 الروسية) قد دمرت بالكامل في هجمات إسرائيلية سابقة ووكلائها في الشرق الأوسط إما قد استنزفوا عسكريا وسياسيا بالكامل في صراعات ما بعد 7 أكتوبر 2023 كحزب الله اللبناني أو تراجعوا إلى حد بعيد وزال عمليا تهديدهم لإسرائيل كجماعة الحوثيين.

والشاهد أن إيران تحت قيادة مرشدها الأعلى والحرس الثوري كانت قد اعتمدت في سياستها الإقليمية على مغامرات عسكرية من نوع آخر، هو مغامرات الوكلاء في لبنان والعراق واليمن وإلى حد ما في فلسطين والتي أريد منها تحقيق درجة عالية من النفوذ في الشرق الأوسط، وإبعاد إسرائيل والولايات المتحدة عن مهاجمة إيران من خلال تكليف الوكلاء بالتهديد المستمر لمصالحهما، وتدعيم أوراق الجمهورية الإسلامية في صراعات المنطقة وفي مساومة كبرى قد تحدث مع الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن أدوات هذه المغامرات العسكرية الإيرانية تعرضت لضربات عنيفة ومتتالية خلال العام ونصف الماضيين بسبب الدمار الذي أنزلته إسرائيل بحزب الله اللبناني وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا والتصفية التدريجية للقدرات الصاروخية للحوثيين بفعل الغارات الإسرائيلية والأمريكية.

ولذلك كان على القيادات الإيرانية وهي تطالع مشاهد ما بعد 7 أكتوبر 2023 أن تدرك أن مغامرات الوكلاء واستراتيجيات النفوذ الإقليمي التي طبقتها الجمهورية الإسلامية خلال العقود الماضية، وتحديدا منذ ما بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003 وسقوط نظام صدام حسين، لم تعد كافية لحماية أمنهم وإبعاد إسرائيل تحديدا عن مهاجمتها.

وربما يكون الإيرانيون قد أدركوا شيئا من هذا التغيير وسعوا في سياقه إلى الانفتاح التفاوضي على الولايات المتحدة فيما خص برنامجهم النووي، وحاولوا أيضا تحسين علاقاتهم الدبلوماسية مع الجوار العربي في الشرق الأوسط لكي يكون رفض عربي لهجمات إسرائيلية محتملة عليهم بمثابة حائط صد إقليمي ولكي يتوسط بعض العرب بينهم وبين الأمريكيين. والشاهد هنا أيضا، ووفقا لبيانات ومواقف الدول العربية في الخليج وكذلك مصر والعراق والأردن خلال الأيام القليلة الماضية، أن العرب سجلوا رفضا قاطعا للهجمات الإسرائيلية على إيران وواصلت سلطنة عمان ودولة قطر التوسط مع الولايات المتحدة بغية الضغط على إسرائيل لإيقاف عجلة الحرب.

غير أن التعديلات التي طرأت على السلوك الإقليمي لإيران وتقاربها مع العرب وجولات المفاوضات مع الأمريكيين لم تكن مجتمعة كافية لإبعاد إسرائيل عن مهاجمتها بعد أن حققت حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب نصرا استراتيجيا شاملا إزاء وكلاء إيران في الشرق الأوسط وبات الطريق إلى طهران بالفعل مفتوحا كما كررت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية أكثر من مرة.

ما لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية على نحو صريح وقاطع لإيقاف عجلة الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران، فإن الأرجح هو أن تتواصل العمليات العسكرية لفترة زمنية قادمة. والحقيقة أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تبدو غير راغبة في الضغط الفعال على إسرائيل لوقف إطلاق النار لكونها ربما ترى في النتائج المحتملة للحرب فرصة استراتيجية للتخلص من البرنامج النووي الإيراني وتفكيكه الشامل. هذا على المدى القصير.

أما على المدى المتوسط والطويل، فإن أوضاع الشرق الأوسط لن تنصلح وأمنه لن يستعاد ما لم تتبلور آليات إقليمية للأمن الجماعي على نحو يؤدي إلى حل الصراعات سلميا وإنهاء الحروب والنزاعات العسكرية. والإشارة هنا إلى آليات إقليمية تقودها الدول الفاعلة في المنطقة، وتستطيع أن تبادر إليها الدول العربية غير المتورطة في مغامرات عسكرية إن مباشرة أو غير مباشرة، وتدعمها الأطراف الدولية.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى