أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: ألمانيا: وضعية سياسية صعبة وآمال تعافٍ خافتة

د. عمرو حمزاوي 20-4-2025: ألمانيا: وضعية سياسية صعبة وآمال تعافٍ خافتة

قبل أيام قليلة، أعلنت أحزاب المسيحي الديمقراطي والاشتراكي الديمقراطي والمسيحي الاجتماعي اتفاقها على تشكيل الحكومة الائتلافية الجديدة في ألمانيا.

كانت الانتخابات البرلمانية المبكرة التي أجريت في شباط ٢٠٢٥ بعد انهيار ائتلاف الاشتراكيين الديمقراطيين وحزبي الخضر والليبراليين الأحرار قد أسفرت عن حصول المسيحيين الديمقراطيين، ومعهم حليفهم البافاري المسيحي الاجتماعي على ما يقرب من ٢٩ بالمائة من أصوات الناخبات والناخبين، وهو ما ترجم إلى كتلة مكونة من ٢٠٨ مقاعد في البرلمان الاتحادي الجديد المكون من ٦٣٠ مقعداً (وفقاً لتعديلات أدخلتها مؤخراً المحكمة الدستورية الاتحادية على قوانين الانتخابات ورتبت تقليص عدد المقاعد من ٧٣٣ في برلمان ٢٠٢١ – ٢٠٢٥ إلى ٦٣٠ في البرلمان الجديد).

أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فلم يتمكن من الحصول سوى على ١٦ بالمائة من الأصوات وتراجع عدد مقاعده البرلمانية إلى ١٢٠ فقط بعد أن كان الحزب الأكبر في البرلمان الماضي.

وبمجموع مقاعد الأحزاب الثلاثة، ٣٢٨، ضمنت الحكومة الائتلافية الجديدة، والتي سيترأسها كمستشار فريدريش ميرتس (رئيس الحزب المسيحي الديمقراطي) الاستحواذ على أغلبية برلمانية مريحة (عدد المقاعد المطلوب للأغلبية البسيطة أي خمسين بالمائة زائد واحد هو ٣١٦) في ظل ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية صعبة تمر بها ألمانيا.

انتخابات شباط الماضي المبكرة لم تضف فقط إلى المسيحيين الديمقراطيين والاجتماعيين أو تخصم من نصيب الاشتراكي الديمقراطي وحسب، بل مكنت حزب اليمين المتطرف، حزب البديل لألمانيا، من أن يصبح صاحب ثاني أكبر كتلة برلمانية بعدد مقاعد يتجاوز ١٥٠ بمقعدين (١٥٢).

فقد فاز الحزب الذي تقوده السيدة أليس فايدل، وهي لا تختلف في أولوياتها السياسية المستندة إلى معاداة الأشخاص المهاجرين والحد من الهجرة واللجوء، وأجندتها الاقتصادية غير الواضحة، ونظرتها السلبية إلى الاتحاد الأوروبي، ورفضها تسليح أوكرانيا ومواصلة الصراع مع روسيا، كثيراً عن مارين لوبان زعيمة حزب التجمع الوطني في فرنسا، فاز بما يقرب من ٢١ بالمائة من الأصوات الانتخابية مضاعفاً نسبته مقارنة بانتخابات ٢٠٢١ ومضاعفاً من ثم عدد مقاعده في البرلمان.

•••

بالصعود غير المسبوق منذ نهاية الحكم النازي في ١٩٤٥ لليمين المتطرف في البرلمان الاتحادي الألماني، لم يعد حزب البديل لألمانيا قوة سياسية هامشية تستطيع أحزاب يمين الوسط كالمسيحي الديمقراطي والاجتماعي وأحزاب يسار الوسط كالاشتراكي الديمقراطي والأحزاب الليبرالية واليسارية الأخرى حصارها برلمانياً بالامتناع عن التعامل معها وتجاهلها فيما خص يوميات العمل التشريعي والرقابي، بل تحول اليمين المتطرف في البرلمان الجديد ٢٠٢٥ إلى «زعيم المعارضة» في مواجهة ائتلاف المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين الحاكم والطرف الذي سيحضر من الآن وصاعداً في كافة اللجان البرلمانية وسيحصل على ثاني أكبر مخصصات مؤسسية ومالية تضمنها القوانين الألمانية لأحزاب البرلمان (متقدماً عليه فقط حزب فريدريش ميرتس المسيحي الديمقراطي).

دون زعيم المعارضة البرلمانية، حزب البديل لألمانيا

يأتي في خانات المعارضة حزب الخضر الذي كان شريكاً في الحكومة الائتلافية السابقة، وأفقدته مساوماته المتكررة على قضايا السياسات البيئية والاقتصاد الأخضر ومواقفه المؤيدة لتسليح أوكرانيا ومواصلة الصراع العسكري مع روسيا الكثير من المصداقية والتأييد بين الناخبات والناخبين، الذين دوماً ما ربطوا بين الخضر وبين التعامل الجاد مع التغير المناخي وبينهم وبين رفض التورط في الحروب والنزاعات المسلحة، وهو كحزب خرج من عباءة حركة السلام الألمانية في ثمانينيات القرن العشرين.

في انتخابات ٢٠٢٥، لم يحصل حزب الخضر سوى على دعم ما يقرب من ١٢ بالمائة من الناخبات والناخبين المشاركين، وتناقص عدد مقاعده في البرلمان الجديد إلى ٨٥ مقعداً.

أما مفاجأة المعارضة، فجسدها حزب اليسار الذي شهد انشقاقاً حاداً في برلمان ٢٠٢١ – ٢٠٢٥ (انشقاق مجموعة السياسية سارا فاجنكنشت) وراجت بشأنه قبل الانتخابات بورصة توقعات سلبية استبعدته من تشكيل البرلمان الجديد.

غير أن اليسار، وبحضوره المؤثر تقليدياً في ولايات شرق ألمانيا أكثر من نظيراتها الغربية وبرموزه المعروفة إعلامياً (كجريجور جيزي وديتمار بارتش وبودو راملو)، تمكن من إقناع ما يقرب من ٩ بالمائة من الناخبات والناخبين من التصويت لقوائمه وحصد من ثم ٦٤ من مقاعد البرلمان الجديد.

•••

على الرغم من أن مقاعد حزب الخضر وحزب اليسار ستعطي للمعارضة في برلمان ٢٠٢٥ شيئاً من المحتوى السياسي المتجاوز لليمين المتطرف وشيئاً من التنوع في القيادات يحول دون اقتصار المعارضة على أعضاء حزب البديل لألمانيا، الذين لا دراية للكثير منهم بأدوات وأساليب العمل التشريعي والرقابي وتورط بعضهم في أنشطة سياسية أثارت جدلاً واسعاً ودفعت جهاز الاستخبارات الداخلي (اسمه الحرفي هو جهاز حماية الدستور) لمراقبتهم، على الرغم من ذلك ينبغي توقع أن تسفر زعامة البديل لألمانيا للمعارضة البرلمانية عن حصده للمزيد من التأييد الشعبي عبر بوابة المحتجين المحتملين على سياسات الائتلاف الحاكم الجديد من المسيحيين والاشتراكيين الديمقراطيين.

بل إن استطلاعات الرأي العام التي أجريت في ألمانيا خلال الأسابيع القليلة التي تلت انتخابات شباط الماضي أظهرت مواصلة اليمين المتطرف تقدمه واقترابه الحثيث من أرقام الحزب المسيحي الديمقراطي، حزب المستشار ميرتس الذي سيقود الحكومة الائتلافية الجديدة ما إن يلتئم البرلمان في ٦ أيار ٢٠٢٥.

•••

ليست هذه بالوضعية السياسية السهلة لألمانيا التي لا يخلو يوم في فضائها العام من إشارة ما إلى الماضي النازي وجرائمه (في فيلم سينمائي أو مسرحية درامية أو قراءة أدبية أو معرض فني أو مقالة صحافية أو مداخلة في قناة إعلامية تقليدية أو حديثة)، ولا يمر بها تصريح لمسؤول سياسي ما دون اختبار لعلاقته المحتملة للتنازع مع اليمين المتطرف الذي يراه البعض قوة نازية جديدة تهدد النظام الديمقراطي ويصنفه البعض الآخر كحزب شعبوي لا يختلف عن كثير من الأحزاب الأوروبية في أقصى اليمين التي لا شأن لها سوى معاداة الأشخاص المهاجرين والهجوم على الحدود المفتوحة (أو التي كانت مفتوحة) وحريات السفر والعمل والدراسة والحياة بين دول القارة.

ليست هذه بالوضعية السياسية السهلة، والمجتمع الألماني يعاني من تراجعات اقتصادية بفعل ركود وانكماش الاقتصاد الأوروبي الأكبر خلال العامين الماضيين، ويواجه أزمات اجتماعية حادة تعبر عنها المؤشرات المتصاعدة للعنف الممارس من قبل مجموعات نازية وحركات يسارية راديكالية وكذلك من قبل عناصر متطرفة وإجرامية تحضر كأقلية محدودة للغاية بين صفوف المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء.

وفي ظل أحوال أوروبا الراهنة (والحرب الروسية – الأوكرانية لم تتوقف بعد) والتوترات العالمية في مجالات التجارة والاقتصاد والسياسة (حروب الرسوم الجمركية وحروب التكنولوجيا)، سيكون استقرار ألمانيا بفعل أداء متماسك لحكومتها الائتلافية الجديدة، وانتقال اقتصادها من الركود والانكماش إلى نمو ولو محدوداً، ومع تجديدها لجهود الوساطة الدبلوماسية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، حافزاً على إبعاد أوروبا عن الصراعات وعلى تقليل مناسيب التوتر في العالم.

والعكس بالعكس.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى