أقلام وأراء

د. عصام نعمان يكتب –  من شرعنة المستوطنات إلى شرعنة التوطين

د. عصام نعمان 23/11/2019 

دونالد ترامب مندفع في مسار سيطرة «إسرائيل» على فلسطين والبلدان المجاورة. سيثابر على هذا المنحى مادام في سدة السلطة. يفعل ذلك بدافع من هوى ومصلحة. الهوى هو انتماؤه إلى جماعة دينية متصهينة تعتقد بعودة المسيح إلى فلسطين بعد تجميع كل اليهود فيها. المصلحة هي استمالة ملايين الناخبين اليهود الأمريكيين للتصويت له في سعيه الدؤوب للفوز بولاية رئاسية ثانية في خريف العام القادم.

فعلة ترامب الجديدة تتمثل بشرعنة المستوطنات الصهيونية القائمة في ضفة فلسطين الغربية. هو يعتبرها غير متعارضة مع أحكام القانون الدولي ولا مع قرارات الأمم المتحدة. فعلته هذه هي الثالثة في هذا المجال. فقد سبق له أن شرعن ضمّ «إسرائيل» للقدس الشريف ثم للجولان السوري المحتل. يريد بذلك تكريس الولايات المتحدة قوةً عظمى فوق القانون الدولي وفوق الأمم المتحدة، وكذلك «إسرائيل».

إلى أين من هنا؟

إلى مزيد من الاستيطان في كل أرجاء فلسطين المحتلة، ولاسيما في المنطقة «ج» التي وضعتها اتفاقية أوسلو في عهدة قوى الأمن «الإسرائيلية». ثمة عدة مستوطنات أخرى قائمة حالياً في المنطقة المذكورة. وإذْ أصبحت «شرعية»، في مفهوم أمريكا و«إسرائيل»، فإن إقامة المزيد منها ستتسارع بوتيرة عالية من الآن فصاعداً.

لعل أخطر من استباحة الاستيطان بهذا الشكل الجامح هو تعزيز عمليتين أخريين لا تقلان خطورة: التهجير والتوطين. ذلك أن السكان الفلسطينيين في محيط المستوطنات القائمة، وتلك التي سيصار إلى إقامتها في المستقبل، سيكونون عرضة إلى إرهاب منهجي لإكراههم على هجرة بيوتهم وممتلكاتهم بحثاً عن الأمان في أمكنة أخرى. فوق ذلك، فإن «إسرائيل» منهمكة منذ عقود وسنوات في محاولات لتوطين الفلسطينيين في البلدان التي لجأوا إليها. في هذا السبيل، حاربت دائماً وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين بدعوى أن عدد اللاجئين قد تقلّص بمرور الزمن بعد اندماجهم في الأمكنة والمجتمعات التي انتقلوا إلى السكن والعمل فيها.

الولايات المتحدة دعمت دائماً سياسة «إسرائيل» في هذا المجال. آخر تدابيرها غير الإنسانية توقفها عن تسديد ما يتوجب عليها من مستحقات لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين. أكثر من ذلك، تحاول أمريكا دعم مشروع توطين الفلسطينيين في شتاتهم بإغراء الدول المضيفة، وفي مقدّمها لبنان، باستيعاب اللاجئين الفلسطينيين لقاء مساعدات وهبات مالية ومشروعات اقتصادية تتولاها هي وبعض دول الاتحاد الأوروبي.

ما تداعيات شرعنة المستوطنات على الفلسطينيين والدول العربية المضيفة؟

لن تحبط شرعنة المستوطنات ومشروعات التوطين إيمان الفلسطينيين بوطنهم وتمسكهم به، وبعودة اللاجئين إليه، وبعزمهم على إقامة دولة مستقلة في ربوعه المحررة. لكن آثاراً جانبية متعددة ستترتب على ذلك كله، أبرزها ثلاثة:

*أولها سقوط اتفاقيات أوسلو نهائياً وبالتالي الصلح الملغوم الذي نجم عنها بين منظمة التحرير الفلسطينية و«إسرائيل».

*ثانيها صعود شعبية ونفوذ الفصائل الفلسطينية الداعية إلى أن المقاومة هي الخيار والنهج الأفعل لتحرير فلسطين وبالتالي تسريع مساعي الوحدة والتنسيق فيما بينها.

*ثالثها، سقوط مشروع الدولتين كما الدعوة إلى الدولة الواحدة، وذلك لاستحالة تطبيق مواثيق حقوق الإنسان على الفلسطينيين في ظل نظام سياسي عنصري وشديد التمييز ضد العرب والمسلمين.

ماذا يمكن أن يفعله العرب وحلفاؤهم على الصعيد الدولي؟ 

لعلهم يستطيعون القيام بالآتي:

دعم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين مالياً للحؤول دون تصفيتها على يديّ الولايات المتحدة و«إسرائيل».

وقف مشروعات التطبيع مع «إسرائيل» تفادياً لتطويق نضال الفلسطينيين الهادف إلى استعادة وطنهم والعودة إليه.

دعوة المؤتمر الإسلامي للتضامن إلى عقد اجتماع طارئ لدراسة التدابير الأمريكية المنافية للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة واتخاذ قرار بإدانتها وإجراء اللازم لدعم قضية فلسطين والفلسطينيين سياسياً ومالياً.

استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة يقضي بإدانة خرق أحكام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة من طرف الولايات المتحدة و«إسرائيل» بشأن حقوق الفلسطينيين، ولا سيما لجهة الاستيطان والتوطين.

إصدار حكم أممي على «إسرائيل» بالتعويض على الشعب الفلسطيني، ممثلاً بدولته المعترف بها أممياً، بما لا يقل عن سبعين مليار دولار أمريكي مقابل أعمال الاستيطان غير الشرعية والمنافية للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة منذ احتلال الضفة الغربية العام 1967.. هذا أقل المتوجّب أخلاقياً وقانونياً وسياسياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى