أقلام وأراء

د. عزة رضوان صدقي: الوسيط الاستثنائي: مصر ومعضلات التفاوض بين إسرائيل وحماس

د. عزة رضوان صدقي 11-5-2024: الوسيط الاستثنائي: مصر ومعضلات التفاوض بين إسرائيل وحماس

لقد أصبح الغزو البري الشامل لرفح وشيكاً، حيث طلبت إسرائيل من سكان غزة النزوح مرة أخرى من رفح وإخلاء الجزء الشرقي من المدينة الذي يؤوي ما يقرب من مئة ألف من أهل غزة النازحين. وقد آوت رفح أكثر من مليون من سكان غزة لشهور طوال لتصبح الملاذ الوحيد شبه الآمن للفارين الذين مُنعوا من العودة إلى منازلهم في شمال أو وسط غزة. واليوم، ينزح أهالي غزة مرة أخرى من شرقي مدينة رفح إلى المناطق الجنوبية الغربية من القطاع وإلى وسط غزة حيث نصبت الخيام لهم حديثًا هناك، أما شمال القطاع فقد تفشت به المجاعة كما أجمعت جماعات الإغاثة وليس بالإمكان اللجوء إليه كمكان امن للعيش في الوقت الحالي.

ولشهور طوال ظلت مصر والولايات المتحدة ودول أخرى عديدة تؤكد أن أي هجوم كبير على رفح من شأنه أن يؤدي إلى عواقب كارثية، إلا أن إسرائيل تصر في تعنتها والمخاطرة بالهجوم على رفح. إن كلا الجانبين، إسرائيل وحماس، أخطأوا في تقدير العواقب المترتبة على تصرفاتهما فيما يتعلق برفح. وعلى الرغم من أن إسرائيل تعتقد أن الآلاف من مقاتلي حماس يتواجدون في رفح ويتنقلون بين المدنيين، إلا أنه ما لم يتم التعرف على هؤلاء المقاتلين بالاسم والملامح، فمن المرجح أن يتم إجلاؤهم مع المدنيين الذين سيقتادون إلى أماكن أخرى.

كان المجتمعون للتفاوض في القاهرة على حافة الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وأعلنت حماس أنها قبلت اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التفاوض عليه في مصر، لكن مع ضرب منطقة كرم أبو سالم تعثرت الأمور، حيث تسبب في تعثر مفاوضات وقف النار وتبادل الأسرى وهو عامل رئيسي في السرعة الحالية التي قررت بها الحكومة الإسرائيلية، أولاً، إغلاق المعبر أمام المساعدات، وثانياً، مهاجمة رفح. على تويتر، قال باراك رافيد، وهو صحفي إسرائيلي، إن مسؤولاً في حماس أخبره أن الحركة ستعلق المفاوضات بشأن الرهائن رداً على أمر إخلاء رفح. وزعمت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أن المسؤولين الإسرائيليين أكدوا أن “إسرائيل لن توافق، تحت أي ظرف من الظروف، على إنهاء الحرب ضمن أي صفقة، وهي عازمة على دخول رفح” حتى لو كان الهجوم علي رفح تكتيك يريد استغلاله في المفاوضات وحتي ولو صراخ أهل الرهائن طال. ومن ثم عادت الأمور إلى المربع الأول: عدم وجود اتفاق لوقف إطلاق النار حتى الأن وغزو كامل لرفح بات وشيكاً.

أين مصر من كل هذا؟ تحد مصر قطاع غزة من الجنوب وهذا القرب يعني أن مصر تلعب دوراً حيوياً للقطاع في وقت السلم وفي وقت الحرب. كما أن عزم مصر على التوصل إلى نهاية للحرب، ورفضها تهجير سكان غزة، ومساعداتها الإنسانية المستمرة لسكان غزة، يجعل منها لاعباً رئيسياً. مما لا شك فيه أن مصر معنية بالاضطرابات والقتال في غزة ومتأثرة تماما بكل ما يستجد من أمور ولولا موقف مصر المتوازن والعقلاني لتفاقمت الأمور في المنطقة بأكملها. والأهم من ذلك أن مصر نجحت في عدم الانجرار إلى الحرب. وفي الواقع، فقد لعبت دوراً وساطياً محورياً ويجب أن تظل وسيطًا قويًا ومستقرًا في الصراع بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية والدعم الطبي. وعليها أن تستمر في الدعوة إلى السلام والوقف الدائم لإطلاق النار والضغط على العالم الحكيم للمطالبة بفض النزاع والحرب. على مدى عقود من الزمن، لعبت مصر دورا قياديا كوسيط في المحادثات وصفقات تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وسوف تستمر في القيام بذلك.

وكان واضحاً منذ بداية الحرب أن نتنياهو وحكومته يريدان تخليص أنفسهم من الصداع الفلسطيني بإلقاء المسؤولية على مصر بشكل خاص. وضغط نتنياهو على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للضغط على مصر لقبول اللاجئين من غزة. وذلك في حين استمرت العمليات العسكرية دفع سكان غزة الفارين نحو الحدود المصرية في رفح. بالإضافة إلى ذلك، روج اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة لنفس المبدأ. وعندما سُئلت المرشحة الرئاسية السابقة نيكي هيلي عن المكان الذي يمكن أن يذهب إليه سكان غزة، أجابت بشكل أجوف: “كان ينبغي عليهم أن يذهبوا إلى معبر رفح، وكانت مصر ستعتني بهم”. وقد حافظت مصر على اعتراضاتها على مثل هذه الخطوة منذ البداية؛ ولا تزال علي مبادئها.

لم تواجه مصر أي مشكلة في الترحيب باللاجئين من أكثر من ٦٢ دولة، بما في ذلك العراقيين والسوريين والسودانيين. واليوم، يوجد ٩ ملايين لاجئ وطالب لجوء في مصر. لم تقم مصر مطلقًا بإنشاء مخيمات للاجئين، ويعيش هؤلاء اللاجئون في مصر حياة طبيعية آمنة بين المصريين. لكن الأمر أكثر تعقيدا مع سكان غزة. إن رفض مصر السماح للملايين من سكان غزة بدخول مصر يرجع إلى الخوف من أن إسرائيل تعتزم طردهم طرداً أبدياً، وعدم السماح لهم أبدا بالعودة إلى وطنهم مثل الجيل السابق من اللاجئين الفلسطينيين، وهو أمر غير مقبول من قبل المصريين. هذا وقد وتتمكن إسرائيل من استخدام الهجوم على رفح لطرد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين إلى مصر. وفي الوقت نفسه فإن مصر تعتقد أن إلحاق الهزيمة بحماس عسكرياً أمر غير قابل للتحقيق في ظل توغل حماس في جميع أنحاء القطاع.

ومن المؤكد أن إسرائيل لا تتفاوض مباشرة مع حماس، لكنها تتفاوض، عبر وسطاء، مع الجماعة التي تريد القضاء عليها. على مدى عقود من الزمن، لعبت مصر دورا قياديا كوسيط في المحادثات وصفقات تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل، وسوف تستمر في القيام بذلك. ويتعين على العالم أن يدرك أن الصراع الأوسع لا يفيد أحداً، ولا حتى الإسرائيليين. فقط بنيامين نتنياهو هو المستفيد ولو مؤقتاً؛ وبمجرد أن يهدأ الصراع، لن يعود نتنياهو من جديد.

لقد تمكنت مصر وإسرائيل من العيش جنباً إلى جنب في سلام منذ توقيعهما على اتفاق كامب ديفيد في عام ١٩٧٩. ولكن الوضع اليوم محفوف بالمخاطر، وبمجرد تجاوز او تحطيم الحدود، تُنسى المعاهدات والاتفاقات والوعود. إذا تسبب الهجوم الإسرائيلي في حدوث ثغرة في الحدود، فمن الممكن أن يحدث أي شيء، بما في ذلك عبور مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى سيناء. ولن تسمح مصر بحدوث ذلك أبدًا لأن الانتقام ممن انتهك الحدود سيؤثر أيضًا على المدنيين الأبرياء. ولهذا السبب رفعت مصر مستوى استعدادها العسكري في شمال سيناء تحسبًا لامتداد الأحداث الظرفية أو المتعمدة التي قد تحدث.

د. عزة رضوان صدقي أستاذة الإعلام في الجامعات الكندية

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى