أقلام وأراء

د. عبد العليم محمد: اجتياح رفح في التصور الإسرائيلي

د. عبد العليم محمد اجتياح رفح في التصور الإسرائيلي

 

يحظي الموقف الإسرائيلي من اجتياح رفح بالآجماع، علی صعيد النخبة السياسية والعسكرية الحاكمة، أى نتنياهو و جالانت وزير دفاعه وبيني جانتس وايزنكوت أعضاء مجلس الحرب، وذلك رغم الاختلاف بين هذين الجناحين للنخبة الحاكمة حول الحرب في غزة، وطبيعتها وكيفية تحقيق الأهداف، ففي حين يرى جناح نتنياهو أن الحرب مستمرة حتى تحقيق النصر على حماس  وذلك لن يتم إلا باجتياح رفح، بحجة وجود (4) كتائب لحماس فيها، يرى الجناح الآخر أن أهداف الحرب قد تتحقق بطرق وأساليب عسكرية مختلفة والأولوية لصفقة التبادل، الفارق بين هذين الجناحين يكمن في الأسلوب والدرجة وتقدير الظروف الدولية وخاصة الولايات المتحدة وموقفها من هذه العملية وطبيعة الحرب وتكلفتها المدنية، في الأونة الأخيرة أكدت حكومة نتنياهو على فك الارتباط بين اجتياح رفح وإنهاء الحرب وبين صفقة التبادل، وهو ما أدى إلى تعثر المفاوضات ووصولها رغم الجهود المصرية التي ترتكز على نزع فتيل تطور الموقف ووقف عمليات تصفية القضية الفلسطينية.

اجتياح رفح من وجهة نظر جناح نتنياهو هو بمثابة مصباح علاء الدين السحري والذى يمكن الإمساك به لتحقيق الأهداف الاسرائيلية، غير أن العديد من المحللين يرون ذلك مرحلة فى تفاقم استنزاف اسرائيل في رمال غزة، وأن تحرير الرهائن ليس مضمونا لان أجهزة الاستخبارات لا تعرف على وجه اليقين اين هم، ومن ثم فان الاجتياح لا يضمن تحرير الرهائن بل قد يتضمن موتهم ضمن المدنيين الفلسطينين الذين سيقعون ضحية الاجتياح.

الحكومة الإسرائيلية وجناح نتنياهو اليمني المتطرف ترى في صفقة التبادل وتلبية شروط حماس اى وقف الحرب ووقف اجتياح رفح بمثابة نصر وانتصار حماس في المعركة، وهي لن تسمح بذلك بل تريد تحرير الرهائن واستئناف الحرب لتحقيق بقية الأهداف الإسرائيلية.

هذا في حين أن مطالب حماس في وقف الحرب ووقف اجتياح رفح لا تخص فقط حماس بل هى مطالب المجتمع الدولى والشعب الفلسطيني بل والسلطة الفلسطينية والأمن العام الدولي، والحال أن الحكومة الإسرائيلية مع قرارها مع هذا الموقف  تقف في وجه المجتمع الدولي كله وقد أعتادت إسرائيل هذا الموقف؛ هى تدير ظهرها إلى العالم وتصر على تحقيق أهدافها رغم الضغط الظاهر في موقفها أى حاجتها إلى الدعم الدولي من جانب الحلفاء القريبين وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية وتآكل قدرة إسرائيل على الردع، ووصول محاولة استعادة قوة الردع إلى طريق غير مأمون النتائج، تستخدم اسرائيل ورقة اجتياح رفح لابتزاز حماس والضغط على مصر وعقد صفقة التبادل التي تمثل أولوية لدى الرأى العام الإسرائيلي وتطالب بها المظاهرات المستمرة ضد الحكومة.

الجهود المصرية المبذولة كانت مقدرة من جانب المجتمع الدولى وحتى النخبة الإسرائيلية كانت ترحب بها وكان يفهم فيها ضمنا تفكيك الأزمة الراهنة علی مراحل مختلفة، ثلاث أو أربع مراحل، يمكن خلالها تبرير المواقف والوصول المتدرج إلى وقف إطلاق النار مستدام، بشرط البدء فى التنفيذ، كما يفهم من هذه الجهود الحصول على ضمانات تدريجية مضمون من خلالها الواقع الميداني ووقف نزيف غزة، غير أن الإصرار الإسرائيلي على فك الارتباط بين الصفقة وبين وقف الحرب ووقف اجتياح رفح بطريقة واضحة وعلنية واستفزازية قد أطاح  بهذه الإمكانية ووضع المفاوض الحمساوي في موقف الرفض والتمسك بالشروط التي وضعها وهى ليست جديدة على كل حال، بل هى قائمة منذ البداية، فقط أبدت حماس بعض المرونة فى قبول تجزئة قضية المحتجزين وهو الأمر الذي كانت ترفضه، وكذلك ربط التبادل بانهاء الحرب، ولكنها قبلت بعد ذلك تجزئة التبادل والحصول على وعود وضمانات بإنهاء الحرب أثناء تنفيذ مراحل التبادل.

السلوك الإسرائيلي لا يحترم مبادئ حسن الجوار، ولا التعهدات المتبادلة في الاتفاقيات الموقعة والتى وضعت فى الأمم المتحدة وثمة ضامنون لهذه الاتفاقيات هذا من الناحية القانونية والسياسية وقد يؤدي ذلك السلوك الإسرائيلي الى تعليق معاهدة السلام إلى حين إشعار آخر أو إنهاء هذه الحرب الدائرة على حدودها الشرقية وتمس القضية الفلسطينية، أما على الصعيد الميدانى فيجب أن تقوم مصر بتحريك قواتها في المنطقة المحاذية لهذه الأحداث بطريقة تسمح بالرد فى حال التعدى عليها بقصد او بدون قصد. وعلى صعيد آخر فإن من الأهمية استمرار الجهود المبذولة فى اتجاه اتمام صفقة التبادل بين اسرائيل وحماس وقف المراحل الأربعة أو الثلاثة المتفق عليها من خلال الضغط الجماعي لمصر وقطر على حماس وضغوط الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل وإقناع الجانب الأمريكي بأن الموقف يخرج عن السيطرة في الإقليم في  حالة اكتمال اجتياح رفح على الطريقة الاسرائيلية، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية هى الوحيدة القادرة على التأثير على إسرائيل تأمينا للمصالح الاستراتيجية لها وللغرب عموما في المنطقة والإقليم.

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى