د. عبد الحي زلوم يكتب – هل البقاء ضمن المنظومة الامريكية هو قضاء وقدر؟ ماذا عن روسيا وايران وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية بل تركيا والصين؟
رأي اليوم – بقلم د. عبد الحي زلوم * – 29/1/2018
إن الانعتاق من الهيمنة الامريكية يجب أن يخضع لحسابات ربح وخسارة مادية ومعنوية ووطنية آخذين بخصوصية البلد المعني. لكن هناك قواسم مشتركة بين كل تلك الدول وهي أن كلفة متطلبات أحادية الهيمنة الامريكية وعولمتها قد فاقت المقدرة على التحمل فوجدت تلك الدول أن مقدار المعاناة والخسارة نتيجة بقائها ضمن تلك الهيمنة يفوق بكثير خسارتها ومعاناتها كثمنٍ للخروج من طوق تلك الهيمنة. وسنأخذ بعض تلك الدول التي خرجت من طوق النظام الامريكي كحالات دراسة.
فلنبدأ بروسيا :
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بطريقة مآساوية وبروز يلتسن كقائد للاتحاد الروسي في انقلاب دبرته واشرفت عليه الاجهزة الامنية الغربية تمّ سلب الممتلكات والشركات العامة ايام الاتحاد السوفياتي بواسطة المافيا المحلية والمؤسسات البنكية الغربية مكنت عشرة من رؤساء عصابات المافيا تلك وأغلبهم من اليهود الصهاينة امتلاك ما يزيد عن 50% من اقتصاد الاتحاد السوفياتي السابق. واصبحت روسيا عاجزة حتى عن دفع رواتب جنودها وانهار جيشها وخسر حربه الاولى في الشيشان . وعندما اظهرت استطلاعات الرأي بأن يلتسن سيخسر اعادة انتخابه ارسلت واشنطن مجموعة عمل من خبراء اعادة تكوين الرأي العام وبعد ان كان مرشح الحزب الشيوعي في المرتبة الاولى نجح يلتسن بفارق 1 أو 2 %.
عندما طلبت روسيا من الولايات المتحدة مساعدة مالية قالت كوندا ليزا رايس وكانت عندئذٍ مسؤولة عن ملف الاتحاد السوفياتي في مجلس الامن القومي الامريكي أن على روسيا ان تصطف في طوابير صندوق النقد الدولي كأي دولة افريقية !
كان يلتسن يؤمن بأنه ما عاش من يمشي على الأرض صاحياً . في كتاب The Clinton Tapes يذكر الكاتب انه اثناء زيارة يلتسن الى واشنطن وضيافته في (بلير هاوتس) في البيت الابيض سمع الحراس اجراس الانذار عند الفجر فوجدوا يلتسن سكراناً في ملابسه الداخلية في الشارع العام وعندما سألوه ماذا يفعل قال انه ذاهب لشراء البيتزا . هكذا كان حال روسيا في عهد يلتسن عندما جاء بوتين .
من المؤكد أن يهود بطرسبورغ هم من رشحوا بوتين وتبنوه لخلافة يلتسن . وقد وصفه رئيسان امريكيان بعد مقابلته في سنوات حكمه الاولى بأنه صديق للغرب وللنظام الرأسمالي فماذا حدث؟
توصلت الولايات المتحدة مع روسيا الى اتفاقات عديدة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ولم تلتزم بأي منها خصوصاً تعهدها بعدم ضم دول حلف وارسو السوفياتي السابق الى حلف الناتو . الا أن الولايات المتحدة نكتت بعهودها وضمت أكثر جمهوريات حلف وارسو لحلف الناتو وتم تطويق روسيا بشبكة من الصواريخ المحملة بالرؤوس النووية . وكانت المواجهة الاخيرة في أوكرانيا. تبين لبوتين أن سياسة الولايات المتحدة ترمي الى تهميش دور روسيا بل وتحويلها الى دولة تابعة ضمن سياسة الاحادية الامريكية ، فلم يجد بدا من الصمود وأخذ مواقف لحماية استقلال روسيا السياسي والاقتصادي والعسكري . وقصة المواجهة مع السياسات الامريكية في أوكرانيا وسوريا وغيرها اصبحت معروفة. ولجأت الولايات المتحدة الى اساليبها في المقاطعة الاقتصادية والحرب النفسية والاعلامية . وبالرغم من ذلك اصبحت روسيا ندا في كثير من المواقف واستعادت تأثيرها كقوة عالمية كبرى .
وماذا عن الجمهورية الاسلامية الايرانية؟
بعد نجاح ثورة الخميمي في ايران بدأت الولايات المتحدة بأعمالها العدائية ضد الجمهورية الاسلامية الوليدة.
فبعد شهور من نجاح الثورة اقامت الولايات المتحدة إذاعة سرية باللغة الفارسية في مصر تحرض ضد النظام الجديد . وكذلك شجعت الولايات المتحدة صدام حسين عبر حلفائها في الخليج على شن حرب على ايران دامت 8 سنوات وقامت دول النفط في الخليج بتمويلها بما يزيد عن 100 مليار دولار .
كان الانقلاب الامريكي البريطاني سنة 1953 على حكومة مصدق الوطنية التي أممت النفط ما زال ماثلا في ذاكرة الايرانيين فقام شبابهم بإحتلال السفارة الامريكية وحجز موظفيها كرهائن لضمان عدم اعتداء الولايات المتحدة على ثورتهم.
في 19/1/ 1981 توصلت الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية الايرانية الى ما تمّ تسميته ( اتفاق الجزائر ) والذي جاء فيه نصاً : ” تتعهد الولايات المتحدة أنها لا تقوم اليوم ولن تقوم في المستقبل بالتدخل بشكل مباشر أو غير مباشر عسكرياً أو سياسياً في الامور الداخلية لايران “. وبناء عليه تم الافراج عن الرهائن في السفارة . الا ان الاعمال العدائية استمرت منذ يوم الثورة الاول وحتى يومنا هذا. وعلى سبيل المثال لا الحصر:
•موّلت المخابرات المركزية الامريكية فئةً منشقة في باريس تحت اسم (جبهة تحرير ايران) بقيادة علي اميني والذي كان بطل اعادة النفط المؤمم بعد الانقلاب الامريكي عام 1953 الى الشركات البريطانية والامريكية . وفي الوقت ذاته قامت بتمويل العديد من الحركات شبه العسكرية المتواجدة على الارا ضي التركية وإحداها كانت بقيادة Bahram Aryana رئيس اركان الجيش الايراني في عهد الشاه.
•في سنة 1986 قامت CIA بالقرصنة على تلفزيون ايران الرسمي لبث خطاب ابن الشاه رضا بهلوي والذي حث فيه على الثورة ضد النظام وقال فيه “أنني عائد اليكم”. وقامت CIA بتمويله ثم اوعزت لحلفائها في الخليج للقيام بذلك .
•في سنة 2000 حث اعضاء الكونغرس على مساعدة جماعة مجاهدي خلق المصنفة ارهابياً وافصحت مجلة The New Yorker بأن اسرائيل كانت تدعم هذه المجموعة منذ امد طويل.
•عندما جاء المحافظون الجدد في عهد جورج دبليو بوش وحددوا ايران كأول دول محور الشر الذي يجب ازالته شكلت مجموعة من المحافظين الجدد واغلبهم من الصهاينة اليهود وبقيادة نائب رئيس المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي ما اسموه” التحالف من اجل الديمقراطية في ايران” والهدف هو تغيير النظام.
•بعد غزو العراق في 2003 اصدرت وزارة الدفاع امراً يقضي بأن التنسيق مع اقطاب المعارضة الايرانية يجب ان يتم عبر Douglas Feith. وكيل الوزارة المسؤول عن السياسات وهو من الصهاينة المتعصبين والمعروفين .
•ومع أن اتفاق الجزائر نصَّ: “أن الولايات المتحدة سوف تلغي كافة العقوبات الاقتصادية والتي تمّ سنها بعد 4/11/1979 ” الا أنّ الولايات المتحدة بدأت بتكثيف عقوباتها الاقتصادية كما هو معلوم اليوم .
•اما بقية القصة مع ايران واتفاقها النووي و محاولة الولايات المتحدة الغائها فهي قضية معلومة للجميع هذه الايام .
ولكن ماذا كانت نتيجة هذا التآمر ضد ايران لحوالي 40 سنة ؟اصبح نفوذ ايران من حدود افغانستان وحتى البحر الابيض المتوسط واصبحت قوة اقليمية لها شأنها .
وماذا عن تركيا ؟
لا شك أنها حالة تستحق الدراسة. جاء نظام حزب اردوغان بقبول ضمني من الولايات المتحدة. أنقذ اردوغان وحزبه تركيا من دولة شبه فاشلة إلى دولة اقتصادها تم تصنيفه الــ17 عالمياً. لم تقم تركيا بسداد كافة ديونها فقط في عهده بل اقرضت صندوق النقد الدولي. وعندما استعادت تركيا سيادتها الاقتصادية وبدات بممارسة سيادتها السياسية وقطعت علاقاتها مع الكيان الصهيوني بعد حادثة سفينة مرمرة تجاوزت بذلك الخطوط الحمر للنظام الصهيو امريكي . فلتت الولايات المتحدة على اردوغان دبابير عميلهم فتح الله غولن ثم حاولوا الإنقلاب عليه بل وإغتياله.
بالرغم من كون تركيا عضو في يقوم الغرب بزرع كيانات كردية على حدوده متآمرة مع من تمّ تصنيفهم كأرهابيين أنفصاليين داخل تركيا . وهم اليوم يقومون بمحاولة جره الى حرب استنزاف.
وجد اردوغان ان عليه ان يعيد حساباته ويبدل تحالفاته وهو اليوم كاد أن يصبح جزءاً من حلف روسي ايراني تركي كقوة تغيير فاعلة في المنطقة .
وماذا عن الاردن ؟
كما اسلفنا ليس الاردن إيران أو روسيا أو حتى تركيا وله خصوصيته و محدداته في موارده البشرية والطبيعية وظرفه خاص يجب ان يدرس بعناية .
بقيت المساعدات الاقتصادية سنة بعد سنة منذ انشاء الامارة كأمر مسلم به . كانت حدود حرية الحركة السياسية مربوطة بحدود حرية الحركة الاقتصادية للامارة ثمّ المملكة بعد ذلك . كيف يمكن لبلد ممارسة سيادته السياسية والاقتصادية في وقت تنتظر الخزينة المساعدات نهاية كل شهر لدفع رواتب الموظفين ؟
لكن هناك اليوم تغييرات جوهرية لم يبادر الاردن بها وإنما كان التغيير من قبل حلفاءه لغرض في نفس يعقوبهم بالرغم من قيام الاردن بدوره الوظيفي بكفاءة . الان قالوا لا داعي للمساعدات سواء منا او من حلفاءنا النفطيين فتدبروا أمركم عبر قوانيين الجباية بالرغم من علمهم بأنها ستنهك الطبقة الوسطى والفقيرة وستزيد من معدلات الفقر فهل هذا هو مبتغاهم لما له من عواقب اجتماعية واقتصادية وسياسية وفي وقت زادت اعباء الدولة نتيجة الى اللجوء الناتج عن سياسات (الحلفاء )؟
أضعف الأيمان أن يُكافَئ الاردن بعدالة مقابل خدماته الوظيفية إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً. ؟
إن حماية الاردن لحدوده مع العراق وسوريا والسعودية وفلسطين المحتلة لا يقدر بثمن. دعنا نأخذ هذه الحالة كمثال. إن قيام الاردن بحماية الحدود العراقية الاردنية من التسلل أثناء فترة المقاومة العراقية بعد الاحتلال قد وفر على الاحتلال الامريكي ما بين 5-10 الاف جندي امريكي . وحيث أنّ كلفة الجندي الامريكي في جبهات القتال يعادل مليون دولار في السنة (حسب بيانات وزارة الدفاع ) فذلك يعني ان الاردن قد وفر على الخزينة الامريكية ما بين 5-10 مليارات دولار سنوياً لمدة 8 سنوات اي ما بين 40-80 مليار دولار . الا يحق للاردن أن يطالب بشطب ديونه كاملة مقابل خدماته و هل ما تدفعه السعودية هو صدقة أو واجب مقابل خدمات أمنية لو نحينا اسطوانة الاخوة جانباً ؟
يبدوا أن الاردن قد توصل أن إعادة تشكيل تحالفاته لم يأت أوانها!
وأخيراً ماذا عن فلسطين و”صفقة قرنهم”
إذا كان المؤمن لا يلدغ من الجحر الواحد مرتين فلقد لُدِغَ أصحاب أوسلو ألف مرة وما زالوا يقولون هل من مزيد؟
الفريق الذي أعد الصفقة” ثلاثة من الصهاينة الأكثر تطرفاً من نتنياهو: كوشنر كبير مستشاري ترامب وصهره وديفيد فريدمان وجيسن جغرينبلات وجميعهم من المساندين للحركات الاستيطانية سياسيا ومالياً يساعدهم سفير إسرائيل في واشنطن. اذن ما يمكن أن يُتوقع من مثل هؤلاء؟ هم يريدون استسلاماً لا سلاماً.
خدوها مني من الأخر : رحم الله من قال “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”. ونحن وإياهم والزمن طويل !
اللهم اكفنا شر “اعرابنا” أما الصهاينة فالمقاومة أولى بهم.
*مستشار ومؤلف وباح