أقلام وأراء

د. عاطف ابو سيف يكتب لــم يــرحــل بــعــد

د. عاطف ابو سيف * ١٤-٦-٢٠٢١م

قد يبدو لوهلة أن تنصيب حكومة بينيت قد أسدل الستار على حقبة نتنياهو التي صبغت السياسة الإسرائيلية في العقدين الأخيرين، وقد يبدو أن رحيل نتنياهو يشكل شارة نهاية هذه المرحلة. وفيما ضمن سياق معين يبدو هذا صحيحاً، إلا أنه لا يحتمل الصمود أمام جملة من الحقائق التي تتحدث عن توجهات الحكومة الجديدة ورغبتها / مقدرتها على تبني سياسات ومواقف جديدة. وهذا بحد ذاته يثير أسئلة أخرى ربما عن مقدرة التحالف العريض على الصمود أمام أي ريح قادمة من جهة الصراع مع الفلسطينيين، أو ظهور أي قضايا اجتماعية ستمس بالضرورة القواعد الانتخابية لتكتل الائتلاف من أقصى يمينه إلى الموحدة.
لا شيء يربط الكتل الثماني المكونة للحكومة إلا الرغبة الحادة والإصرار على رحيل نتنياهو. يصعب تصور أي شيء آخر. وفيما لم ينجح نتنياهو في خلق هذه التوليفة العجيبة التي تجعل المتدين الإسلامي يجلس في نفس الائتلاف أو الحكومة التي يجلس فيها المتدين اليهودي بسبب تعنت بعض حلفائه السابقين واعتراضهم على هذه التركيبة، فإن خصومه نجحوا في تجاوز كل ما هو في جوهر اختلافهم من أجل أن يخرجوه من الحكم. فقط ضمن هذا الفهم تمكنوا من أن يخلقوا حكومة على حافة الأغلبية تنتزع ضرس نتنياهو من فكه دون مسكنات. لذا كان المشهد صاخباً كأن اليمين أصيب بصدمة الرحيل. هكذا ستمر الأيام الأولى مصحوبة بالنقاش حول نشوة ما جرى.
الهدف الكبير جعل التفاصيل ليست ذات أهمية. ليظل السؤال: إلى متى يمكن أن تظل هذه التفاصيل دون أهمية؟ لا أحد يعرف ولكن ثمة يقيناً أن التفاصيل ستكون أكثر من الهدف الكبير بعد أشهر ربما، خاصة أن الهدف الكبير يكون قد تحقق، وتتعثر جهود نتنياهو في زعزعة الحكومة الجديدة. وعلى افتراض أن الشعور بالخطر يدفع نحو الوحدة، فإن مثل هذا لا يصلح كثيراً في حالة الحكومة الجديدة، التي قد تجد نفسها دائماً تحت تهديد المعارضة وتحت تهديد التفكك، ليظل استحضار الهدف الأكبر قائماً في كل الأحوال. ومع هذا يصعب أن ينطبق الحال على الحكومة الجديدة العجيبة: حكومة إسقاط نتنياهو.
بعبارة بسيطة لأن التفاصيل التي تم تجاوزها مؤقتاً أكثر عمقاً من مقدرة الحلفاء الجدد على تغطيتها. لذا فعند أي خلاف صغير سيصعد إلى السطح وسيفجر التحالف. كل شيء وارد إلا شيء واحد وهو أن تصمد هذه الحكومة فترة طويلة. وحتى ذلك الحين يكون قد ذهب نتنياهو إلى الأبد وغادر الحلبة السياسية لأن حزبه يدرك أن الأزمة الحقيقة ليست في مقدرة الليكود على أن يحوز على ثقة الجمهور ولا في مقدرة الحزب على تشكيل حكومة، بل هي شخصية نتنياهو التي لم تعد مقبولة في الأوساط الحزبية لخلافاته المتكاثرة مع أطياف الحلبة الحزبية وبالتالي عدم ثقة السياسيين به. ستحدث تحولات كثيرة لكن الحقيقة لا نتنياهو ولا خصومه سينجون من تقلبات المرحلة. سيكون أول الراحلين، لكن القوة التي أطاحت به لن تصمد كثيراً وستجد نفسها تتفكك تاركة الحلبة لتحولات أخرى سيقررها الناخب في الانتخابات القادمة. المؤكد أن الجميع يفكر في الانتخابات القادمة. بينيت يفكر إذا ما كان سيرحل هو الآخر ويفقد المزيد أو سينجح في مراكمة المزيد من المؤديين انطلاقاً من موقعه الجديد، وحتى منصور عباس يفكر في المغامرة التي قام بها وسجل لأول مرة مشاركة حزبية عربية في ائتلاف حكومي. الكل يريد أن يزن خياراته لأن الجميع قفز عالياً ولا يعرف أين ستستقر الأمور.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المؤكد أن نتنياهو حين سيغادر الحكومة سيترك خلفه تركة ثقيلة على أكثر من صعيد، ولكن المؤكد أيضاً أنه يصعب الحديث عن انتهاء حقبة نتنياهو بشكل كامل إلا إذا كان هذا يعني رحيل الرجل، أما إذا كنا نقصد الدخول في مرحلة سياسية جديدة على صعيد الصراع والعلاقة معنا، فعلينا التريث قبل أن نتفاءل؛ لأن الحقيقة أن ما رسخه نتنياهو من مواقف جعل حل الصراع أمراً لا يمكن تحقيقه وحول إدارة الصراع ستستمر عملية إعادة إنتاج للتوتر مع الفلسطينيين من أجل استمرار وضع إسرائيل في موضع تجديد القوة وسلب الفلسطينيين المزيد منها ومن حقوقهم، ولذا علينا أن نتيقن أن هذا أمر صعب.
الأسبوع الماضي استعرضنا على هذه الصفحة مواقف بينيت الكلاسيكية منذ صعوده في السياسية الإسرائيلية وحتى قبل دخوله الكنيست، ورأينا كيف أن فكرة الضم هي في شكلها الحالي براءة اختراع المستوطن الذي لا يرى وجوداً للخط الأخضر لأنه فيزيائياً يعبره كل يوم، ولا يرى فرقاً بين مستوطنته التي سلب الأرض المقامة عليها عام 1967 وبين تل أبيب التي أقيمت على أرض تم سلبها من الفلسطينيين عام 1948. بالنسبة له هذا تفكير منطقي. وعليه فإن الأفكار الكبرى لحقبة نتنياهو هي أيضاً تم إنتاجها في مراحل كان بينيت شريكاً للأول في الحكم وليس من المؤكد أنه نادم عليها أو يظن أنه سيفعل ذلك.
وعليه من المؤكد أنه سيبدو مبكراً الإجابة عن بعض الأسئلة التي وردت سابقاً، لكن الحقائق الثابتة أن ما تركه نتنياهو من مواقف لن تتحلل منها الحكومة الجديدة التي سيكون عليها أن تواجه السؤال الفلسطيني بحذر شديد؛ لأنه من سيفجر وحدة حالها التي لن تكون بحاجة لها بعد أشهر إذا تم التيقن من رحيل نتنياهو وتم استبداله حزبياً. القصة قصة وقت، لكن الوقت كما نعرف في السياسة لا عقارب له، وقد نسمع صوت تكّات الساعة دون أن يعني هذا أن الوقت اقترب.

د. عاطف ابو سيف وزير الثقافة الفلسطيني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى