أقلام وأراء

د. طارق فهمي: إسرائيل.. مسارات ما بعد مواجهة إيران

د. طارق فهمي 29-6-2025: إسرائيل.. مسارات ما بعد مواجهة إيران

من المبكر التأكيد على أن الداخل الإسرائيلي تراضى بنتائج ما جرى خلال المواجهة الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، وأن ما تحقق يعد نصراً تاريخياً، كما يروج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في هذا التوقيت، وأن الإجماع القومي الذي تم يمكن أن يستمر لجملة من الاعتبارات أهمها أن الخطر الإيراني لا زال كامناً بصرف النظر عما جرى من مواجهة، وأن هذا الأمر سيكون محل خلاف كبير داخل الحكومة والمستوى السياسي والعسكري في الفترة المقبلة، خاصة عندما يتم استئناف الحرب على غزة، على اعتبار أن ما جرى مع إيران قابل للتكرار مع غزة في الفترة الراهنة مع استثمار المشهد الراهن سياسياً واستراتيجياً للوصول لهدنة طويلة الأجل، مع إدراك كل الأطراف المعنية بإدارة ملف غزة بأن الأمر بيد الرئيس ترامب، إنْ أراد فسيكرر ما فعله بين إيران وإسرائيل دون العودة للدورة المفرغة مرة أخرى وتضييع الوقت في مفاوضات عبثية.

في هذا السياق، قد يعاد النظر في استقرار الأوضاع داخل الحكومة انطلاقاً من أنه – وخلافاً لما يراه البعض- فإن الحكومة الإسرائيلية وشخص نتنياهو، لا يواجهان مأزقاً سياسياً، لا داخلياً، يتمثل بثبات الأغلبية المطلقة في الكنيست، ولا دولياً خاصة من الولايات المتحدة، ودول أوروبية كبرى، حيث بلغت ذروة الدعم الدولي بانضمام الولايات المتحدة للحرب ثم الاتجاه إلى قرار وقف إطلاق النار بضغط من الرئيس ترامب على الجانبينو إضافة إلى استمرار حصول حكومة نتنياهو على أغلبية واضحة في الكنيست، صحيح أن الائتلاف بات يرتكز، رسمياً، على أغلبية 65 نائباً من أصل 120، إلا أنه في واقع الحال البرلماني، فإن الائتلاف يستند فعلياً إلى أغلبية 69 نائباً.

وقد انعكست تأثيرات ذلك في آخر استطلاعين للرأي في «القناة 13» و«معاريف»، إذ أشار الاستطلاعان إلى أن حزب «الليكود» قفز بنحو 4 مقاعد، مقارنة مع الاستطلاعات التي سبقت العدوان، إلا أن مجموع مقاعد فريقه الحاكم بقي بعيداً عن الغالبية المطلقة التي يحظى بها اليوم، إذ يحظى ما بين 49 إلى 51 مقعداً، مقابل 68 مقعداً قبل الانقسام الأخير.

المعني أنه رغم هذا الإجماع السياسي الرسمي، وشبه الإجماع الشعبي، فإنه ظهر بعض التحفظات على توقيت شن الحرب ونتائجها، وقدرة إسرائيل تحقيق أهدافها المعلنة، وهي إحباط كلي للمشروع النووي الإيراني، أو إسقاط النظام الإيراني وأنه ما زالت للمؤسسة العسكرية الكلمة الحاسمة في مثل هذه القضايا، مع إدراك طبيعة التحولات في تركيبة قيادة الجيش وأجهزة المخابرات، خاصة في الأشهر الأخيرة ومراعاة حجم ما جرى في المواجهة مع إيران، والتوقع بأن سياسة الحكومة بائتلافها الراهن ستعمل على سياسة عدم إغلاق الوزارات غير الضرورية ودعم قانون التهرب الضريبي وإبعاد الحريديم عن الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي، ودعم ميزانية التعليم للحريديم الذين لا يدرسون في الجهاز الليبرالي للدولة، وتجاهل غلاء المعيشة تماماً وعدم تطبيق إصلاحات هيكلية، لا تدعم استمرار تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي ما قد يعزز حالة الانقسام داخل المجتمع مجدداً، ويعيد المشهد الإسرائيلي إلى ما قبل المواجهة مع إيران، الأمر الذي دفع الكنيست إلى زيادة ميزانية الدفاع بمبلغ 3.6 مليار شيكل لعام 2025. وتتكون هذه الإضافة من مبلغين، مبلغ 699 مليون شيكل تم تخصيصه لتمويل نقل الغذاء إلى سكان غزة، أما الثاني، فهو 2.953 مليار شيكل وتم تخصيصه لتغطية الزيادة في النفقات العسكرية بعد استئناف الحرب على غزة، فيما يُعرف بـ«عربات جدعون».

ويمكن التأكيد إذا على الوضع السياسي في إسرائيل سيحكمه مدى تقبل الجمهور الإسرائيلي لنتائج ما يجري في المشهد الراهن، ومدى المقارنة بين اتفاق «حزب الله- إسرائيل» –«إيران- إسرائيل» خاصة في تماسك الاتفاق على المدى المتوسط، إضافة لحجم الخسائر الكبيرة التي ستدفع تكلفتها الحكومة الإسرائيلية، وسيتحملها الرأي العام، وستروج لها المعارضة داخل الأوساط الجماهيرية مع استمرار إعادة تكرار بقاء الخطر الكبير لإيران في الإقليم خاصة مع استمرار برنامجها الصاروخي والنووي، وهو ما قد يكون أحد النقاط الرئيسية التي ستسوق لها المعارضة في التعامل داخل إسرائيل، واستمرار التجاذب على الأولويات المطروحة، ما يعني أن إسرائيل ستعود إلى مزيد من الانقسام، وهنا مكمن الخطورة على الاستقرار السياسي العام الذي يسوق له رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي سيسعى في المقابل للتأكيد على ما حققته إسرائيل من انتصارات متتالية، وأنها عطلت الخطر الإيراني بالكامل بصرف النظر عما أصاب الداخل الإسرائيلي من خسائر.

في المجمل ستظهر تباينات على الملأ بين المستويين السياسي والعسكري حول مرحلة ما بعد توقف المواجهات مع إيران، وعودة الحرب مع حركة «حماس» الأمر الذي قد يكشف واقع ما تم من تفاصيل عديدة، كما سيظل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في الواجهة السياسية والحزبية مناوراً ومؤكداً على الخيارات الكبرى التي يملكها في مواجهة من يدعو إلى انتخابات مبكرة في ظل ما تواجهه إسرائيل من تحديات حقيقية، ومشاكل تتعلق باستمرار التهديدات التي تتعرض لها إسرائيل – والذي لم ينته بعد المواجهة مع إيران- في وجودها الأمر الذي قد يلقى قبولاً من مؤيديه في مواجهة المعارضة السياسية، التي ما تزال غير قادرة على طرح البديل الجاهز والعملي.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى