أقلام وأراء

د. طارق فهمي: إسرائيل.. ما بعد استهداف قيادات «حماس»

د. طارق فهمي 14-9-2025: إسرائيل.. ما بعد استهداف قيادات «حماس»

اتجهت إسرائيل، على الصعيد الداخلي، أي الحكومة والمعارضة، إلى تأييد الضربة الإسرائيلية ضد قيادات «حماس» في قطر، التي تُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتصعيداً خطيراً يهدد استقرار المنطقة. اللافت أن إسرائيل الرسمية/ غير الرسمية أيدت الضربة، ما يؤكد أن التوافقات الداخلية فرضت نفسها على إدارة المشهد الحالي بصرف النظر عن نتائج العملية أمنياً.

واتجهت المعارضة الإسرائيلية لدعم حكومة نتنياهو في قراره ما يؤكد هشاشة موقفها، ما يعني أنه عند الإقدام على أي قرار يتعلق بإشكالية الأمن، فإن إسرائيل تتوحد خلف قيادة الحكومة، ومن ثم فإن التعويل على دور المعارضة في أي تغيير غير وارد، وأن ما قام به رئيس الوزراء الإسرائيلي يندرج في إطار مواجهة الجميع، الأمر الذي قد يستمر في حال تنامي النزعة العسكرية لدى الحكومة الإسرائيلية واتجاهها إلى الاستمرار بل وتكريس استراتيجية الأمر الواقع، واحتلال القطاع بالكامل الذي سترفع شعبية نتنياهو قبل الانتخابات البرلمانية المقبلة.

ومن المحتمل انحسار موقف المستوى العسكري والداعي للتهدئة، في مقابل المستوى السياسي الماضي في مساره للرد على الاتهام المطروح بأن الحكومة الراهنة ليس لديها أفق سياسي، وحل حقيقي والتعويل فقط على الخيار العسكري، الأمر الذي يثبت باستهداف قيادات المكتب السياسي بأن الحكومة الإسرائيلية تغير المعادلة الراهنة، وتعمل في اتجاهات جديدة لفرض الحل علي «حماس» والتركيز علي الحل العسكري بهدف جر«حماس» إلى تقديم التنازلات، وإنهاء حكم الحركة في الداخل والخارج والخروج من الدائرة الراهنة لمفاوضات واتصالات ومقترحات من دون جدوي حقيقية.

وأيا كان الأمر بناء على تقييم الاستهداف الأخير لقادة «حماس»، فقد تشجع هذه الخطوة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على ترجمة أقواله لأفعال حقيقية متعلقة بالإقليم والمنطقة العربية من خلال المطالبة بإسرائيل الكبرى والتوسع في الامتدادات الاستراتيجية لإسرائيل، وعدم التقوقع في محيطها الجغرافي الراهن، في ظل دعم الرئيس الأميركي الذي يرى أن حدود إسرائيل تحتاج إلى توسع، الأمر الذي قد يؤدي لحدوث تماسك داخلي في إسرائيل، والخروج من حالة التأزم السياسي الراهنة وحسم المواجهة بين نتنياهو والمعارضة التي تبدو في الساحة السياسية غير مدركة لإمكانية التعامل مع واقع جيد يتشكل للحفاظ على أمن إسرائيل، بل وانتهاء الدعوة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم كل الأطراف المؤيدة والمعارضة بل وتركيز نتنياهو على تحقيق أهداف إسرائيل انطلاقاً من غزة إلى خارجها.

في السياق الراهن سيمضي رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مع الداخل في مساره، وتقييم إدارة المشهد، فنتنياهو سينشط فكرة أن الحكومة مستمرة في العمل العسكري، وأن مخططه سيعيد المحتجزين، وأن على إسرائيل أن تتوحد خلف قيادته مع استثمار ما جرى بصرف النظر عن نتائجه في تطويل أمد محاكمته المفترض أن تبدأ خلال الفترة المقبلة على اعتبار أن إسرائيل في حالة حرب، وأن خيار التأجيل وارد، الأمر الذي سيكسبه وقتاً لإتمام خططه لرفع شعبيته أمام الجمهور الإسرائيلي.

إضافة للضغط على مراكز التأثير والنفوذ في الداخل وقيادات هيئة الأركان بأن الحكومة ماضية في نهج قوتها العسكرية بالفعل، وأنها لن تتراجع، خاصة أن العمل العسكري سيستبق العمل السياسي إلى حين احتلال مدينة غزة وفرض الموقف الإسرائيلي بكل ما يتضمنه من بنود على الجميع مع التركيز على الخيارات الأمنية المقترحة إسرائيلياً، وهو أمر سيحدث نوعاً من التمسك الداخلي في إسرائيل.

إلا أن هذا التوجه الذي يسير فيه نتنياهو مرتبط باستعادة كل المحتجزين من خلال العمل العسكري وهو أمر صعب وقد يتم قتلهم الأمر الذي سيؤدي إلى نتائج وخيمة على موقف الحكومة الإسرائيلية، بل وستؤدي إلى انقلاب الرأي العام علي توجهاتها بصورة كبيرة، خاصة أن هذا الملف متخم بتفاصيل عديدة مع احتمال انفتاح المشهد الأمني، وحدوث عمليات قد تؤدي إلى تغير مزاج الجمهور الإسرائيلي وفشل سريدية نتنياهو إعلامياً وسياسياً وتدفع إلى خيارات أخرى غير واردة في مخطط نتنياهو الأمني أو السياسي الحالي.

تبقي الإشارة إلى أن المكتب السياسي لحركة «حماس» سيواجه مأزقاً سياسياً حقيقياً في التعامل خاصة مع تباين المواقف السياسية لأعضاء المكتب في الخارج ووجود رؤى مختلفة بين أعضاء المكتب السياسي بشأن إبرام اتفاق ووقف إطلاق النار، وفقاً لما هو مطروح، فهناك تشدد داخل المكتب يقوده نزار عوض الله وخليل الحية، والذي يتّسم بالتشدد والتصلب في المواقف، ويرى أن إتمام أي صفقة يجب أن ينطلق من الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة مع وقف إطلاق النار، والمضي قدماً في مسار صفقة نهائية، وقد تغير هذا الموقف لبعض أعضاء المكتب من طرح رؤية مرحلية وتدريجية لإطالة أمد تواجد الحركة في المشهد وبين القبول بالحل وفق منطق الحزمة الواحدة، وهناك تيار آخر داخل «حماس» يؤيد الاتجاه إلى التهدئة الجزئية والقبول بحلول وسط وإعادة بناء حركة «حماس» من الداخل والتجاوب مع أية دعوات لوقف إطلاق النار مقابل إعادة تموضع القوات الإسرائيلية.

وأخيراً سيظل السؤال مطروحاً عن طبيعة الدور القطري في ملف المفاوضات على اعتبار أنها شيدت مكانتها كوسيط قادر على جمع الأطراف المتناقضة سواء بالنسبة للجانب الفلسطيني الإسرائيلي أو غيرهما، ومن ثم فهي لا تستطيع التخلي عن دور الوسيط بسهولة، وفي الوقت نفسه تدرك أن حيادها بات محل تساؤلات من قبل الأطراف الأخرى، وعلى اعتبار أن الإدارة الأميركية ما زالت ترى في قطر لاعباً مهماً في الوساطة، وأن الرئيس ترامب سيحرص على إبقاء قنواته مفتوحة مع قطر.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى