أقلام وأراء

د. سنية الحسيني يكتب – حكومات جديدة ومعطيات متجددة في المنطقة

د. سنية الحسيني *- 24/6/2021  

لا يمكن إغفال التطورات الجديدة التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي من شأنها التأثير على طبيعة التفاعلات السياسية فيها، كما قد تؤثر على نتائج تلك التفاعلات في مرحلة ما. ويعد صعود الرئيس الديمقراطي الأميركي جو بايدين إلى سدة الحكم مطلع العام الحالي من أهم تلك التطورات، كما يعتبر سقوط حكومة بنيامين نتنياهو عن سدة الحكم في إسرائيل وصعود حكومة أخرى جديدة أكثر تفاهماً مع الإدارة الأميركية الجديدة تطوراً آخر تكمن أهميته في إطار تفاعله مع التطور الأول. ويعد الملف الفلسطيني والملف الإيراني أكثر الملفات تأثراً بالتطورين سابقي الذكر أعلاه، وهما الملفان اللذان طالما أرّقا المنطقة بأسرها على مدار سنوات طويلة. وليس من المتوقع أن تحدث اختراقات حقيقية في حل هذين الملفين، الا أنه من الممكن أن نرصد تطورات إيجابية في التفاعلات السياسية في إطارهما.

ورغم التباين المعروف بين الإدارتين الأميركية والإسرائيلية الجديدة حول الملفين الفلسطيني والإيراني، الا أنه من المتوقع تجاوز ذلك التباين بين البلدين، والوصول إلى تفاهمات في إطارهما. ويبدو أن موقف الولايات المتحدة المنفتح تجاه رفع الضغوط عن الفلسطينيين، والذي يتبلور تدريجياً في ظل تصاعد دعم الحزب الديمقراطي للفلسطينيين وتزايد مطالباته بضرورة حل القضية الفلسطينية بشكل عادل، قد اقترن الآن بمساعي الحكومة الإسرائيلية الجديدة بتحسين علاقاتها مع واشنطن، ونيتها الانفتاح بشكل أكبر مع سياساتها في المنطقة. واعتبر يائير لابيد وزير خارجية إسرائيل ورئيس وزرائها القادم أن تحسين علاقات إسرائيل مع الحزب الديمقراطي أحد أهم أهدافه، بعد أن تضررت تلك العلاقات خلال عهد نتنياهو.

في الأيام الثلاثة الأولى التي أعقبت اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، جاءت ردود أفعال الحكومة الإسرائيلية الجديدة لتذكرنا بتباين مواقف إسرائيل مع موقف الإدارة الأميركية الجديدة لجو بايدين حول الملف النووي. مستغلاً هذه المناسبة، دعا بينيت إلى إعادة النظر في استعادة الاتفاق النووي مع إيران، واعتبرت القيادات العسكرية أن خيارات إسرائيل مفتوحة لتوجيه ضربة لإيران، في حين اعتبر جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأميركي أن نتائج الانتخابات الإيرانية يجب أن لا تصرف الولايات المتحدة عن تحقيق أولويتها بمنع إيران من الحصول على السلاح النووي، مؤكداً أن الطريق الدبلوماسي وليس العسكري هو السبيل الأفضل لتحقيق ذلك. الا أن هذا التباين بين البلدين حول الملف النووي يأتي في ظل إمكانية عودة التنسيق بينهما، اعتبرت مصادر إسرائيلية رسمية أنه على الرغم من أن إسرائيل لن تكون ضمن أي اتفاق مع إيران، ولم تقبل بعد بعرض بايدن باجراء مفاوضات مباشرة حول هذا الموضوع، الا أنه بإمكان إسرائيل التأثير على معطياته ومتابعة انتهاكاته، إن تابعت إسرائيل ذلك مع الولايات المتحدة. وتسعى إسرائيل للضغط على الإدارة الأميركية للإبقاء على بعض العقوبات المفروضة على إيران، والحصول في ذات الوقت على تعويض إستراتيجي، كشرط لعودة الولايات المتحدة للاتفاق مع إيران.  

بعد انتخابه رئيساً جديداً لإيران، دعا إبراهيم رئيسي الولايات المتحدة، في أول مؤتمر صحافي له في منصبه الجديد يوم الاثنين الماضي، لرفع جميع أشكال الحظر المفروض على الشعب الإيراني كشرط لعودة بلاده للاتفاق النووي. وتنسجم تصريحات رئيسي التي شددت على قضايا الإصلاحات الاقتصادية، والرغبة في زيادة السيولة النقدية لرفع إنتاج بلاده مع توجه إيران لاستكمال اللقاءات في فيينا في إطار الجولة السادسة من المحادثات. وتعتبر القوى الأوروبية، التي سعت جاهدة للحفاظ على الاتفاق النووي، أن إنهاء العمل بذلك الاتفاق سمح لإيران باستئناف إنتاج الوقود النووي، والذي قدرت تقارير لأجهزة المخابرات الأميركية أن ذلك يمكن أن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية بشكل محدود في غضون أشهر، ما يفسر الموقف الأميركي الحالي الذي عبر عنه روبرت مالي، المكلف متابعة الملف الإيراني، من أن حملة الضغط الشديد على إيران قد فشلت.

وعلى الرغم من التوجه الأميركي للتوصل لحل سياسي مع إيران بإعادة إحياء الملف النووي، الا أن هناك عقبتين رئيستين تعرقلان مسار المحادثات في فيينا. تتمحور الأولى حول مطالبة الإيرانيين الحكومة الأميركية بالتزام تعاهدي مكتوب، يقوض أي مساع مستقبلية للانسحاب من الاتفاق. وتكمن المشكلة في أن هذا النوع من الالتزام الذي تطالب به إيران يحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، وهو أمر غير ممكن في ظل تركيبة المجلس الحالية، وتباين مواقف أعضائه تجاه إيران، وهو الأمر الذي اضطر إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما لتوقيع الاتفاق النووي في إطار صلاحياته التنفيذية، وهو إجراء يمكّن أي رئيس جديد من إلغاء هذا النوع من الاتفاقيات التنفيذية، على عكس المعاهدات المصدقة من قبل مجلس الشيوخ. على الناحية الأخرى، تتمثل العقبة الثانية في مطالبات الجانب الأميركي إيران بالعودة إلى طاولة المفاوضات لاستعادة الصفقة القديمة كمقدمة لصياغة شروط اتفاق أحدث وأقوى على حد تعبير بلينكن وزير الخارجية الأميركي، تقيد تطوير برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية ونشاطها الإقليمي. وتنتقد كذلك جهات عديدة في الإدارة الأميركية الاتفاق النووي لأنه محدد بمدة زمنية، تسمح لإيران ابتداءً من عام ٢٠٣٠ بالتحرر من شروطه التي تقيد إنتاج الوقود النووي وتطوير أجهزة الطرد المركزي. واعتبر رئيسي أن ملفي تطوير برنامج الصواريخ الباليستية والنشاط الإقليمي لبلاده غير خاضعين لأي مفاوضات، كما أكدت مصادر إيرانية رسمية عدم استعداد إيران لتمديد فترة القيود المفروضة على إنتاج الوقود النووي إلى ما بعد عام ٢٠٣٠، أو وضع أي قيود على أبحاثها في مجال التطوير النووي.

إن تصريحات رئيسي المنفتحة حول استكمال مفاوضات فيينا، وإمكانية تغاضي إيران عن شرطها بتوقيع اتفاق تعاهدي غير قابل للإلغاء في ظل علمها بصعوبة تحقيق ذلك، فتحت المجال أمام استنتاجات اعتبرت أنه من الممكن الوصول إلى صفقة في غضون الأسابيع القليلة القادمة، وقبل تولي رئيسي بالفعل مهامه الجديدة رسمياً أوائل شهر آب القادم. إن ذلك، وحسب تلك التحليلات، يمنح فرصة للحكومة الجديدة لتحميل المعتدلين في الحكومة المنصرفة مسؤولية الاستسلام للغرب، في حال عدم نجاح الاتفاق الجديد في تحقيق الاختراق المطلوب بتخفيف العقوبات الاقتصادية عن البلاد. أما في حالة نجاح التوصل لاتفاق، فان ذلك يفتح المجال أمام الحكومة المحافظة الجديدة لحصد الإيجابيات المأمولة بتحقيق الانتعاش الاقتصادي، ويعزز ادعاءها بالحاجة إلى حكومة متشددة قوية لتقود العلاقات مع الغرب.

رغم تبني بينيت سياسة متطرفة في الملفين الفلسطيني والإيراني، الا أنه مقيد في حدود حكومة مقسمة إلى ثمانية أحزاب تتباين توجهاتها بين أقصى اليسار وأقصى اليمين، وتوجه عام يميل نحو تحسين علاقات إسرائيل مع الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة وعدم الوقوف في وجه تحولات الحزب الديمقراطي العامة باتجاه حل الدولتين. إن ذلك يرجح تبني الحكومة الإسرائيلية سياسة براغماتية، لا تتعارض مع توجهات إدارة الرئيس بايدن في بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعدم الإقدام على خطوات أحادية الجانب لتقويضها، وعدم معارضة ذات مغزى لاتفاق قد تتوصل اليه الإدارة الأميركية مع إيران. الا أن ذلك الانقسام الشديد في تركيبة الحكومة الإسرائيلية يطرح سؤالاً مهماً حول مدى قدرتها على تحمل إجراءات بناء الثقة التي تطرحها الإدارة الإميركية، كما يؤكد على عدم  قدرتها الإقدام على تغيرات جوهرية في سياستها تجاه الملفين، ما من شأنه إسقاطها بسهولة.

* د. سنية الحسيني –  كاتبة وأكاديمية فلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى