أقلام وأراء

د . سنية الحسيني يكتب – انفجار نطنز : ضربة ثلاثية الأبعاد

د . سنية الحسيني *- 15/4/2021

تعتبر إسرائيل إيران تهديداً وجودياً، إذ وصفها نتنياهو بالتهديد الرئيسي الذي تواجهه إسرائيل، واعتبرها بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي بأنها تشكل تهديدا استراتيجيا. وتسعى إسرائيل بشكل حثيث لتحييد قوة إيران وضرب مكانتها في المنطقة، فتصاعد قوة إيران يشكل تهديداً مباشراً لمكانة إسرائيل. ويعد استهداف إسرائيل لقوة إيران النووية وتقويضها أحد أهداف إسرائيل في إطار تلك المعادلة. وهذه المساعي لا تقل عن تلك الساعية لضمان استمرار العقوبات الاقتصادية عليها، ما يساهم بشكل كبير في إضعاف قوة إيران ومكانتها السياسية والعسكرية أيضاً، كما أن ذلك لا ينفصل عن استهداف إسرائيل للسفن الإيرانية وكذلك ملاحقتها للأهداف الإيرانية خصوصاً في سورية. من هنا يمكن فهم أهداف إسرائيل بتوجيه ضربتها الأخيرة، لنظام الطاقة في المنشأة النووية المركزية. فهي تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف؛ الأول يتعلق بالحد من التطورات التي حققتها إيران في برنامجها النووي، بينما يسعى الثاني لضرب المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة حول استعادة الاتفاق النووي، الذي يمكن أن يخفف من الضغوط الاقتصادية عليها، في حين يتعلق الهدف الثالث بمساعي بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي للتخلص من أزماته الداخلية الحالية.

يوم الأحد الماضي، أعلنت إيران عن انقطاع التيار الكهربائي في منشأة نطنز، نتيجة انفجار عميق وقع فيها. وتعد المنشأة، المقامة في قلب الصحراء بمحافظة أصفهان وسط البلاد، مركز إنتاج الوقود النووي. ولا يعد استهداف مصادر الطاقة لتقويض البرامج النووي جديداً، فقد أجريت قبل أكثر من عشر سنوات دراسة تقنية أميركية تقيس مدى جدوى مثل هذا النوع من الاستهداف على برنامج إيران النووي، واستبعد اللجوء الى هذا الخيار في ذلك الوقت لصالح ترجيح استخدام برامج إلكترونية ضارة، تُعرف باسم Stuxnet، كشفت عنها صحيفة «نيويورك تايمز» العام ٢٠١١، فتم الإعلان عن هجوم إلكتروني طال أجهزة الطرد المركزي في تلك المنشأة النووية في ذلك الوقت، حيث اتهمت إسرائيل والولايات المتحدة بتنفيذه. وفي شهر أيار الماضي، استهدف انفجار سابق المرفق التجميعي لأجهزة الطرد المركزي في ذات المنشأة، واتهمت إيران الولايات المتحدة وإسرائيل بهذا العمل أيضاً. ولا يخرج حادث اغتيال محسن فخري زادة، العالم النووي الرئيس المسؤول عن برنامج إيران النووي، في كانون الأول الماضي، عن ذات النطاق.

جاء الانفجار الأخير في منشأة نطنز، بعد يوم واحد من إعلان الرئيس حسن روحاني خلال مراسم الاحتفال باليوم الوطني للتكنولوجيا النووية في إيران، بدء العمل التجريبي في المفاعل على جهاز الطرد المركزي الجديد والأكثر تطوراً، حيث أكد أنه يزيد من وتيرة التخصيب بمقدار عشرة أضعاف، وهو ما أكدت عليه أيضاً الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وجاء انفجار نطنز الأخير أيضاً بعد أقل من أسبوع من استهداف سفينة إيرانية في البحر الأحمر، من قبل إسرائيل، حسب تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز». وكانت قد نسبت صحيفة «وول ستريت جورنال» مؤخراً، عشرات الهجمات على السفن الإيرانية في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر إلى إسرائيل، والتي بدأت إيران بالرد عليها بعد تغير القيادة في واشنطن، فجاء ثاني استهداف لسفينة إسرائيلية، يوم الثلاثاء الماضي، أي بعد حادث نطنز بيومين. يأتي استهداف السفن الإيرانية في إطار سياسة أوسع تنتهجها إسرائيل ضد إيران منذ عامين ونصف العام تمتد جواً وبراً في سورية ولبنان والعراق واليمن، وبحراً في البحر الأبيض والأحمر، وإلكترونياً تجاه الأراضي الإيرانية نفسها.

من الواضح أن علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة في عهد جو بايدن لن تكون كسابق عهدها في ظل إدارة دونالد ترامب، وقد يعطي ذلك الأمل باستعادة الاتفاق النووي. صرح نتنياهو الأسبوع الماضي، بأنه لن يلتزم بأي اتفاق مع إيران. ونفت الولايات المتحدة أي علاقة لها بانفجار نطنز الأخير، كما أن وزير الدفاع لويد أوستن لم يتطرق للحديث عن إيران خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جاء خلال زيارته الأولى لإسرائيل في صباح يوم الهجوم على المنشأة النووية الإيرانية. إن تلويح إيران بالتقدم الذي تحرزه في إطار برنامجها النووي والذي يتعدى شروط الاتفاق النووي ويمهد لمزيد من الإنجاز في إطاره، سواء برفع نسبة تخصيب اليورانيوم أو بزيادة كمية إنتاجه، التي وصلت إلى ٥٥ كيلوغراما بدل ١٧.٦ كيلوغرام حسب الكمية المحددة في الاتفاق، أو باستخدام أجهزة طرد مركزي أكثر تطورا، يأتي بهدف حث الولايات المتحدة والدول الغربية الرجوع إلى الاتفاق النووي لرفع الحصار الاقتصادي عنها، وهو المطلب الرئيس لإيران، اليوم. في المقابل تسعى الولايات المتحدة والدول الغربية لتأخير أو تعطيل قدرة إيران لتصنيع القنبلة النووية.  

لقد اعتبرت الإذاعة الإسرائيلية «كان» وكذلك قناة ١٣ الإسرائيلية أن جهاز المخابرات الإسرائيلي يقف خلف هذا الاختراق الأمني الخطير في إيران والذي تسبب بالانفجار. وجاءت التسريبات حول انفجار المنشأة النووية الإيرانية من داخل إسرائيل كما أعلن كذلك عن استهداف إسرائيل للسفينة الإيرانية الأسبوع الماضي في نهج غير مألوف، في محاولة لاستفزاز الإيرانيين واستدراجهم إلى رد عنيف.  

قد تكون إسرائيل نجحت في اختراق إيران أمنياً، ليس فقط في حادث منشأة نطنز الأخير، وإنما أيضاً في حادث اغتيال العالم النووي محسن زادة. لكن السؤال الأهم، هل ستنجح إسرائيل بتحقيق أهدافها التي جاءت من وراء التفجير الأخير؟ أغلب الظن أن إيران تعلم بأن إسرائيل تحاول استدراجها لرد عنيف، لذلك ردت، يوم الثلاثاء الماضي، باستهداف سفينة إسرائيلية، ضمن مسلسل الاستهداف المتبادل المتأجج منذ أكثر من عامين ونيف. كما ردت إيران برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى ٦٠٪، في حين لم تتعد هذه النسبة في الماضي ٢٠٪، ويحتاج إنتاج القنبلة إلى نسبة تخصيب تصل إلى ٩٣٪، كما أعلنت عن إضافة ١٠٠٠ جهاز طرد مركزي جديد متطور إلى المنشأة المتضررة، لتؤكد لإسرائيل أن تأجيل وصول إيران لإنتاج القنبلة النووية يأتي عبر المفاوضات وليس عبر الاعتداءات.

قد تؤدي الضربات الجوية إلى تأخير مشروع إيران النووي لثلاث أو خمس سنوات، ولكن من الصعب القضاء عليه تماماً، خصوصاً بعد أن أتقن الإيرانيون فن تخصيب اليورانيوم، وتخزينه. كما أن المفاوضات النووية قد استؤنفت ولم تتعطل بسبب ردود الفعل الإيرانية على الاعتداء الإسرائيلي الأخير، الذي تنصلت منه الولايات المتحدة صراحة. إن هذا الاعتداء يعيد التأكيد على أن من يقف وراء التوترات في المنطقة هو الطرف الإسرائيلي. ومن المستبعد أن يؤثر نتنياهو على أنداده السياسيين هذه المرة من خلال التصعيد مع إيران لإرغامهم في الدخول في تحالف حكومي معه، بعد أن فقدوا الثقة به لخذلانه كلهم في ائتلافات سابقة، إلا أن ذهب نتنياهو إلى أبعد من ذلك بهدف تشكيل حكومة طوارئ. فهل يخاطر نتنياهو بأمن إسرائيل من أجل مصالحة السياسية؟

* د. سنية الحسيني – د. سنية الحسيني  كاتبة وأكاديمية فلسطينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى