أقلام وأراء

د. سنية الحسيني تكتب – الانتخابات الفلسطينية في كفّة الميزان

د. سنية الحسيني *- 21/1/2021

جاء مرسوم الرئيس محمود عباس في الخامس عشر من الشهر الجاري، والداعي لإجراء الانتخابات الفلسطينية، في إطار تحولات محلية وإقليمية ودولية، لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن هذا التطور السياسي المهم.

ولا تعتبر الدعوة لإجراء انتخابات في الأراضي المحتلة حدثاً جديداً، إذ تم الاتفاق بين الفصائل أكثر من مرة، خلال العقد الأخير من عهد سنوات الانقسام، على إجرائها لكن دون سبيل.

ويعكس إصدار مرسوم رئاسي هذه المرة جدية هذه الخطوة وإمكانية تحقيقها.

وتأتي هذه الانتخابات متتابعة أي تبدأ بالانتخابات التشريعية في مرحلتها الأولى، كما أنها تأتي فقط في نطاق الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعني أنها تخضع لمعطيات وقواعد اتفاقيات أوسلو.

بالإضافة إلى أن هذه الانتخابات تتأثر بقيود سلطة الاحتلال الذي يتحكم بمفاصل الحياة الفلسطينية، ويرفض صراحة إجراء تلك الانتخابات في القدس، انطلاقاً من اعتبارات سياسية.

ورغم تلك المعطيات المهمة، والتي تعد جميعها قضايا مصيرية في صميم القضية الفلسطينية، خصوصاً فيما يتعلق بضرورة إجراء انتخابات لدولة فلسطينية تحت الاحتلال تمثل الكل الفلسطيني في الداخل بما فيها مدينة القدس وفي الشتات، إلا أن هذه الخطوة تعد مقدمة لا يمكن الاستغناء عنها في طريق تحقيق الأهداف الوطنية التي تم الإعلان عنها في اجتماع الأمناء العامين للفصائل في أيلول الماضي.

ستساهم الانتخابات إن نجح الفلسطينيون في الوصول إلى المرحلة الأولى منها في تحقيق أمرين؛ الأول يتعلق باستعادة المظهر الديمقراطي والقانوني في الأراضي المحتلة، وهي قضية مهمة تعكس حالة الشرعية الفلسطينية سواء على المستوى الدولي الذي يؤمن بالتمثيل الديمقراطي، أو على المستوى الوطني الذي سيجسد مظاهر الحياة الديمقراطية وعلى رأسها وجود سلطات ثلاث تتمايز وظائفها وتتكامل، والأمر الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول يتعلق بالوحدة والمصالحة، والتي لم ينجح الفلسطينيون في تحقيقها طوال تلك السنوات الماضية.

وتعد هاتان الخطوتان أساسيتين لاستعادة الثقة الشعبية الفلسطينية التي تأثرت كثيراً بعد سنوات طوال من الانقسام، تلك الثقة اللازمة لبدء أي خطوات للانطلاق نحو المرحلة التالية في مواجهة سياسات الاحتلال وبناء الدولة الفلسطينية التي يتطلع إليها الفلسطينيون.  

كان هناك العديد من التحولات الدولية والإقليمية المهمة التي تأثر بها الفلسطينيون مؤخراً، فجاء نجاح جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة لينهي مرحلة من الجمود في العلاقات الأميركية الفلسطينية ومقدمة لمرحلة جديدة تحمل الأمل في تجدد العملية السلمية لتسوية القضية الفلسطينية. وجاء ذلك التحول في إطار دعوات دولية وغربية تدعو الفلسطينيين لإجراء انتخابات تنهي الانقسام وتجدد الشرعية وتحقق الديمقراطية في الأراضي المحتلة.

وعلى المستوى الإقليمي العربي، شهدت الحقبة الأخيرة حدثين ساهما بشكل كبير في إعادة بلورة الرؤية الفلسطينية؛ الأول يتعلق باتفاقيات التطبيع بين أربع دول عربية وإسرائيل، منها دولتان خليجيتان، في تمرد صريح على مبادرة السلام العربية، والثاني يتعلق بالمصالحة الخليجية الخليجية، والتي يفترض أن يكون لها دور في تدعيم معادلة العلاقات العربية الإسرائيلية، في ظل معطيات الصراع الإقليمي الإيراني الإسرائيلي العربي.

جاء المرسوم الرئاسي بعقد الانتخابات، بعد أن قام الرئيس باجراء تعديلات جوهرية على قانون الانتخابات، تبعها إرسال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس رسالة يوافق من خلالها على إجراء الانتخابات بشكل متتابع.

ويعكس ذلك التسلسل ما بين التعديلات على قانون الانتخابات ورسالة هنية بالموافقة على إجراء الانتخابات وصدور المرسوم الرئاسي لإجرائها توافقاً بين حركتي حماس وفتح لم يحصل من قبل طوال عهد الانقسام.

هذا التوافق بين الحركتين جاء على الرغم من عدم الوصول لتفاهمات حول القضايا الجوهرية المختلف عليها فيما بينهما.

وحسب نص المرسوم ستُجرى الانتخابات البرلمانية القادمة في الثاني والعشرين من شهر أيار القادم، بينما ستُجرى الانتخابات الرئاسية في الحادي والثلاثين من شهر تموز القادم، على أن يستكمل تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني حتى نهاية شهر آب القادم.

ويبدو من تلك المواعيد التي تم اعتمادها للانتخابات أن انتخاب المجلس الوطني لم تكن له الأولوية عندما جرى هذا التوافق بين حركتي فتح وحماس.

وافقت حركة حماس على التخلي عن شرطها بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بالتزامن.

وقام الرئيس بتعديل قانون الانتخابات بحيث بات لا يشترط على أعضاء المجلس التشريعي الاقرار بأن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وهذا يعد مؤشراً على حدوث توافق بين الطرفين. إلا أن الحديث عن خوض الانتخابات التشريعية في إطار قائمة وطنية مشتركة موحدة، والتي جرت الإشارة إليها من قبل قيادات في حركتي فتح وحماس، ترجح أن الاتفاق بين الحركتين جاء في إطار التوافق لا التنافس بينهما.

إن ذلك يجعل هذه الانتخابات استفتاء على شرعية القيادة أكثر من كونها انتخابات حقيقية، إلا أنها كافية لتحقيق أهداف الطرفين.  

ولا توجد ضمانات حاسمة لإجراء هذه الانتخابات رغم صدور مرسوم رئاسي يدعو لذلك.

فلم توافق إسرائيل حتى الآن على إجراء الانتخابات في القدس، وشكل الرفض الإسرائيلي الذريعة لتأجيلها العام ٢٠١٩، إلا أنه لا يكفي هذه المرة لمنع إجرائها، على الأقل حتى الآن. كما أن استمرار تفاقم أزمة فيروس كورونا قد يشكل عائقاً أمام عقد هذه الانتخابات، إلا أنه لا يكفي لمنع عقدها أيضاً، إذا استمر التوافق السياسي بالمضي قدماً لإجرائها. إلا أن العائق الحقيقي الذي قد يحول دون عقد الانتخابات هو انفجار الخلافات المركزية بين الحركتين، والتي تم التغاضي عنها لتحقيق هذا التوافق حول إجراء الانتخابات.

ويعد اللقاء المتوقع مطلع الشهر القادم في القاهرة للتحاور حول تفاصيل إجراء الانتخابات وضمان نجاحها مؤشراً مهماً على مدى إمكانية استمرار ذلك التوافق.

في جميع الأحوال من شأن الانتخابات التوافقية إن حدثت، إنقاذ المشهد الفلسطيني من حالة الجمود والترهل والانشقاق الذي يعيشه منذ سنوات، فالتوافق بين حركتي حماس وفتح قد ينهي الانقسام ولو شكلياً، ويجدد شرعية القيادة الفلسطينية، ويقوي أركانها للتصدي للتحديات القادمة.  

وتمهد هذه الانتخابات الطريق أمام الدخول في عملية سلمية تفاوضية من المتوقع أن يدعو إليها الرئيس الأميركي الجديد لحل القضية الفلسطينية. كما أنها ستبطل الحجة التي طالما استخدمتها الحكومة الإسرائيلية، بعدم وجود شريك فلسطيني يمثل جميع الفلسطينيين، للتنصل من التزاماتها معهم في إطار العملية السلمية.  

*د. سنية الحسيني  كاتبة وأكاديمية فلسطينية.

sania_hus@yahoo.com 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى