أقلام وأراء

د. رمزي عودة يكتب –  وتسقط نظرية الردع مرة أخرى

د. رمزي عودة *- 17/5/2021

تصادف اليوم ذكرى مريرةً على الشعب الفلسطيني؛ وهي ذكرى النكبة التي شرد بها نحو مليون لاجئ فلسطيني واحتلت أكثر من 78% من مساحة وطنهم في حرب 1948. واعتقدت دولة الاحتلال إسرائيل بأنها قد أكدت تفوقها على الفلسطينيين العرب منذ تلك الحرب ومرورًا بحرب 1967 وحرب 1982، والحروب الثلاث ضد قطاع غزة أعوام 2008، 2012، 2014. وفي كل حربٍ من هذه الحروب تقوم إسرائيل بتوجيه ضرباتٍ عسكرية قاسية ومدمرة، تقتل فيها وتجرح آلاف المدنيين، وتدمر البنى التحتية في الأراضي الفلسطينية مثل الشوارع والمباني ومولدات الكهرباء وغيرها. وعلى سبيل المثال، تعرض قطاع غزة على مدار 51 يومًا لعدوان إسرائيلي في حرب عام 2014، تسبب بمقتل 2322 فلسطينيًا، بينهم 578 طفلاً، و489 امرأةً و102 مسنًا، وقد جرح نحو 11 ألفا آخرين. وفي هذه الحرب، قُدرت الخسائر الإجمالية المباشرة وغير المباشرة، في المباني والبنية التحتية، وخسائر الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بكافة قطاعاته بـ 5 مليارات دولار تقريبًا.

 وتسعى إسرائيل من وراء تعظيم خسارة الشعب الفلسطيني الى تعزيز نظرية الردع الإسرائيلية ضدهم، بحيث تقنع الخسائر الكبيرة الفلسطينيين بعدم الإقدام مستقبلاً على أي عمل من شأنه تهديد أمن إسرائيل حتى لو كان هذا التهديد لا يرتقي الى مستوى الخطورة العالية. وفي كل حرب تقوم بها إسرائيل، تفتخر الأخيرة بأنها طورت نظرية ردع أقوى ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، هذه النظرية التي تقوم على الاستعداد لأي عمل عدواني على كافة الجبهات، إضافة الى الانذار المبكر، والمبادأة في العمل العسكري، وأخيراً، التدمير الشامل وفرض سياسة العقاب الجماعي.

ويبدو دائماً أن الرياح لا تجري كما تشتهي السفن بالنسبة لنظرية الردع الإسرائيلية، فالشعب الفلسطيني يستمر في مقاومته للاحتلال بكافة الطرق الممكنة، وقد شاهدنا جميعاً في انتفاضة القدس التي تجري رحاها هذه الايام المقاومة الباسلة والعصيان الذي فرضه المقدسيون ضد الاحتلال في الشيخ جراح والمسجد الأقصى وباب العمود وسلوان، كما شاهدنا صواريخ المقاومة التي إنطلقت من غزة ضد المستوطنات، وشاهدنا إنتفاضة حقيقية لفلسطينيي عام 1948 في اللد والنقب وكفر كنا وأم الفحم والناصرة وغيرها من مدن الداخل. في هذه الانتفاضة التي كانت القدس عنوانها، مثلت القدس إطاراً وحدوياً لكافة فئات الشعب الفلسطيني، وقد نجح شعبنا العظيم من خلالها في تطوير نظرية فاعلة ومضادة لنظرية الردع الاسرائيلية، هذه النظرية الفلسطينية تقوم أسسها على الحفاظ على الثوابت الوطنية، واستمرار المقاومة الشعبية وتحويل الغضب الشعبي الى مادة كفاحية في كافة الميادين، وتوسيع حجم التضحيات، وإيقاع أي خسائر ممكنة في الاحتلال حتى لو كانت خسائر بسيطة.

سألني أحد الصحافيين الأجانب مؤخراً، لماذا تقومون في بيت لحم بضرب الحجارة على جدار كبير وضخم ومحصن ولن يلحق بالجنود الاسرائيليين أي ضرر من هذه الحجارة، أجبته ببساطة لكي نقول “لا” للاحتلال. وفي السياق، فلن تنجح كل الآلة العسكرية الاسرائيلية بقهر الشعب الفلسطيني لأنهم في مقاومتهم لا يسعون أكثر من قول “لا” للاحتلال، لكي يصل صوتهم للعالم أجمع. فالمسألة عند الفلسطينيين لا تتحدد بحجم الخسائر التي تلحق بالاحتلال، ولكنها تتحدد بالمعنى السياسي الذي تسعى لإيصاله. وفي هذه الانتفاضة نجح الشعب الفلسطيني في إخبار العالم كله بأن القدس خط أحمر، وبأنهم يتوحدون جميعاً في مواجهة الاحتلال حتى لو كانوا مختلفين سياسياً. وبالفعل، لقد انتصر الشعب الفلسطيني وأسقط نظرية ردع عدوه مرةً أخرى، وسيسقطها مراتٍ ومرات.

* مدير وحدة الأبحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى