أقلام وأراء

د. رمزي عودة يكتب – القاهرة تغضب من حماس !

د. رمزي عودة * – 27/12/2020

“في الأصل لم تكن العلاقة بين القاهرة وغزة دافئة”. بهذه العبارة، همس في أذني خبير مصري لم يحبذ التصريح باسمه، عندما سألته عن الخطوة المصرية بإغلاق الممثلية المصرية بشكل نهائي في قطاع غزة. فوفقا لصحيفة الأهرام المصرية في عددها أمس الأول الجمعة، أكد المتحدث باسم الخارجية المصرية، أن وضع ممثلية بلاده في غزة لم يطرأ عليه أي تغيير منذ 14 عاما، وما حدث هو “أن وفدا ذهب للمقر لتفقد المتعلقات والأثاث الموجود منذ فترة وتم نقل جزء منه”. ويفهم من تصريح وزارة الخارجية المصرية أن الخطوة المصرية هي خطوة عادية اقتضتها الضرورة وفقا لكون مقر الممثلية المصرية مهجورا منذ الانقلاب العسكري في عام 2007. ووفقا لبعض المصادر الخاصة للعربية نت كما ذكر في تقرير أوردته وكالة “معا الإخبارية”، فإن “القاهرة ستكتفي باعتماد سفارتها في مدينة رام الله كسفارة ومقر قنصلي لمصر في فلسطين”.

وحتى هذه اللحظات، لم تعلن حركة حماس موقفها تجاه إغلاق القنصلية في غزة، إلا أن بعض قيادات الحركة تحاول من خلال تصريحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي التخفيف من أهمية هذه الخطوة، واعتبارها خطوة إجرائية بحتة ليس لها أهمية سياسية. إلا أن الواقع يبدو عكس ذلك، فالعلاقات المصرية الحمساوية ليست بأحسن أحوالها في هذه الفترة. ومما لا شك فيه أن توقيت الإعلان المصري عن إغلاق ممثليتها في غزة لم يكن عبثيا لا سيما في هذه الأثناء.

يبدو أن القاهرة غاضبة من حماس في هذه الأثناء أكثر من أي فترة سابقة. فقبل أسبوعين زار وفد أمني غزة، وبسبب تعنت حماس، لم تسفر المفاوضات بينه وبين حركة حماس عن أي تقدم في ملف تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل. وهذه الصفقة إن تمت ستعيد الاعتبار لأهمية الدور المصري في تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة.

من جانب ثان، فإن القاهرة مستاءة من طول فترة بقاء إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس في الخارج، فقد بات واضحا لها أنه سيعيد إحياء قوة الحركة في الخارج، وهو الأمر الذي سيؤدي أولا الى تعزيز نفوذ بعض القوى الإقليمية في المنطقة مثل تركيا، كما سيؤدي إلى إعادة تصدير الفكر الإخواني والأصولي في المنطقة، بالشكل الذي سيقوى جماعات المعارضة الإرهابية في مصر.

ومن جانب ثالث، فإن القاهرة قلقة جدا من قيام حماس بعدة خطوات تعزز الانفصال عن رام الله. فإلى جانب اشتراطات حماس “غير المقبولة وغير المنطقية” لأي مصالحة وطنية، فإن القاهرة تعي أكثر من غيرها أن حركة حماس لا تريد مصالحة سياسية شاملة، وإنما تصر على بقاء سلطتها قائمة في غزة، مع اقتسام للسلطة في الضفة الغربية؛ وهو الأمر الذي لا تقبله القاهرة، وتعتبره ضاراً بمصالحها العليا، لا سيما فيما يتعلق بتأكيدها المستمر على وحدة الشعب الفلسطيني وعدم تجزئة السلطة السياسية بين القوى السياسية الفلسطينية. وبالضرورة، فإن القاهرة تخشى أن يستمر الإصرار الحمساوي على تعطيل عملية المصالحة، وأن يتطور إلى إعلان “دويلة فلسطينية” على حدودها الشمالية المتوترة أصلا في شبه جزيرة سيناء.

من الواضح، أن إغلاق القاهرة ممثليتها بشكل نهائي في غزة هو رسالة صارمة من القاهرة إلى حركة حماس تعرب فيها عن غضبها تجاه الأخيرة. وربما على حماس أن تعيد النظر في سياستها الخارجية في الإقليم العربي، فحماس لا تستطيع تحمل الأعباء وراء إغضاب القاهرة، كما أن خطواتها الانفصالية لن تحظى بقبول المصريين. وعليها الآن أن تعود  أكثر من أي وقت مضى إلى حاضنتها الفلسطينية.

* مدير وحدة الأبحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى