أقلام وأراء

د. رمزي عودة يكتب – ارتفاع التسجيل الانتخابي .. الأسباب والدلالات

دكتور رمزي عودة * – 20/2/2021

أقفلت لجنة الانتخابات المركزية مرحلة التسجيل في السجل الانتخابي في 16 فبراير الجاري، وأظهرت نسب التسجيل ارتفاعا مهولا في نسب التسجيل، تجاوزت حاجز 93.3% ممن يحق لهم حق الاقتراع. حيث تم تسجيل 2.6 مليون ناخب من أصل 2.8 مليون مواطن يحق لهم الاقتراع حسب السجل السكاني. وحسب المتحدث باسم لجنة الانتخابات المركزية فريد طعم الله، فإن هذه النسبة تعتبر من أعلى نسب التسجيل في العالم، كما أنها تجاوزت مثيلتها في الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت عام 2006، وبلغت فيها نسب التسجيل ما يقارب 80% ممن يحق لهم حق الاقتراع. وتظهر بيانات لجنة الانتخابات المركزية بأن نحو 420 ألف مسجل جديد في لجنة الانتخابات منذ صدور المرسوم الرئاسي بإجراء الانتخابات الذي صدر في منتصف يناير الماضي.

ومن خلال تحليل بيانات التسجيل المرتفع للمواطنين الفلسطينيين في السجل الانتخابي، يتضح لنا أن أعلى نسب التسجيل في دوائر الضفة الغربية كانت في سلفيت حيث بلغت 100%، ثم تلتها أريحا وطولكرم 97.6%، 97.3% على التوالي. وفي دوائر قطاع غزة سجلت دائرة غزة أعلى نسبة تسجيلبواقع 100%، ثم تلتها رفح ودير البلح 99.3%، 98.4% تواليا. من جانب آخر، تظهر بيانات التسجيل ارتفاع متوسط التسجيل في المحافظات الجنوبية (قطاع غزة) عن مثيله لدى المحافظات الشمالية بما فيها القدس المحتلة، حيث سجلت دوائر قطاع غزة الانتخابية متوسط تسجيل بلغ 97.28% فيما سجلت دوائر الضفة الغربية نسبة تسجيل بالمتوسط بلغت 91.9%.

ولتحليل الأسباب الكامنة وراء ارتفاع معدلات التسجيل في السجل الانتخابي، نجادل بأن هنالك ثلاثة عوامل وراء هذه الظاهرة؛ هي:

أولاً- تزايد الاتجاه لدى أوساط الفلسطينيين الغزاويين بضرورة إنهاء الانقسام والعودة الى أحضان الشرعية. وهذا يفسر ارتفاع متوسط التسجيل في المحافظات الجنوبية بشكل لافت. وهنا، يمكن القول إن السنوات الصعبة التي عاشها الغزيون بعد الانقلاب العسكري عام 2007، والمتمثلة بالاستبداد السياسي وانعدام الحريات، والحصار الظالم الذي واجهه القطاع، وسوء الأحوال الاقتصادية التي مر بها القطاع على مدى السنوات الأربع عشرة منذ الانقسام، إضافة الى ما خلفته الحروب التي شنتها دولة الاحتلال الاسرائيلي في الأعوام 2008، 2012، 2014 من مآس ودمار شامل على القطاع وسكانه. كل هذه العوامل أبرزت إرادة عامة لدى شعبنا في القطاع بأهمية العودة الى أحضان الوطن وشرعية النظام السياسي الفلسطيني. وكأنهم في تسجيلهم المرتفع في الانتخابات يرفعون صوتهم عالياً بأهمية العودة الى الشرعية ونبذ الانقسام. ثانيا- ارتفاع وتيرة التعطش لدى الفلسطينيين بأهمية العودة الى الحياة الديمقراطية وتفعيل المشاركة السياسية بعد توقف الحياة السياسية الديمقراطية لأكثر من 14 عاما نتيحة للانقلاب العسكري ومنع إجراء الانتخابات التشريعية من قبل سلطة حماس. وفي السياق، فإن الفلسطينيين بطبيعتهم يؤمنون بالديمقراطية ويعمدون لممارستها منذ تأسيس الحقل السياسي الفلسطيني عندما تم إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي. صحيح أن الديمقراطية الثورية– أو ديمقراطية البنادق كما كان يسميها الشهيد أبو عمار- هي التي كانت مستخدمة في هذا الحقل، ولكن مع سعي الفلسطينيين الى تأسيس دولتهم المستقلة، فان التجربة الديمقراطية وفقاً للمفاهيم الحديثة تصبح هي المطلوبة في العمل السياسي، ليس فقط لتعزيز المشاركة السياسية، وإنما أيضاً لتوطين فكرة الدولة المستقلة وطنياً وعربياً ودولياً، وجعلها أكثر قبولاً لدى الدوائر الدولية الداعمة لاستقلال الدولة الفلسطينية.

ثالثاً- اعتماد مبدأ الديمقراطية التوافقية أو التشاركية في المرحلة الجديدة التي يتم صياغتها في النظام السياسي الفلسطيني، التي أرسى مبادءها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من خلال دعوته لفصائل العمل الوطني الفلسطيني بما فيها المعارضة للنظام بالاجتماع في رام الله– بيروت ومن ثم في القاهرة مؤخراً للتوافق على صيغة الانتخابات وأسسها والمبادئ الديمقراطية التي يجب أن تُحترم من قبل جميع الفرقاء السياسيين. وهنا، فإن التوافق الذي حدث في اجتماع القاهرة للفصائل قد أرسى حالة من الرضا والتشاركية بين الجميع، وبدا أن الجميع اتفق على اعتبار الانتخابات مدخلاً صالحاً لتحقيق المصالحة وإنهاء الاحتلال. هذا التوافق قد أدى الى زيادة نسب التسجيل في الانتخابات العامة، وقد اشتملت الفئات المسجلة مختلف مناصري أحزاب العمل الوطني حتى تلك التي تحفظت على بعض بنود اتفاق القاهرة مثل الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية. وهذا إن نم عن شيء، فإنه ينم عن أن “التوافقية” أو “التشاركية” هي المدخل الصحيح لصياغة المرحلة الجديدة من النظام السياسي الفلسطيني، وهي مرحلة أساسها التشارك في السلطة وبناء الدولة والإنسان وتحقيق المصالحة ودحر الاحتلال.

في النتيجة التي يمكن لنا أن نتوصل اليها من التحليل السابق، يمكن لنا أن نتوقع تحقق مستويات مرتفعة في نسب المشاركة في الاقتراع في الانتخابات التشريعية. ففي انتخابات عام 2006، وصلت هذه النسبة الى نحو 77% من المسجلين. أما في هذه الانتخابات فنتوقع أن تصل هذه النسبة بين 80% الى 85% من المسجلين، بمعنى أن ما بين 2 مليون ناخب الى 2.25 مليون ناخب سيقترع في الانتخابات المقبلة. وهي نسبة مرتفعة جدا. ويستوجب هذا الارتفاع في نسب المشاركة المتوقعة من الأحزاب والفصائل المتنافسة أن تقوم بإجراء تعديلات في خططها الانتخابية، كأن تعطي مساحة أكبر لتمثيل المحافظات الجنوبية من حيث الترشيح ومن حيث البرامج، وذلك بهدف إعطاء الفرصة والمساحة لعودة غزة الى الوطن، عودتها الى الشرعية. كما يستوجب هذا الارتفاع المتوقع ضرورة تشكيل ائتلافات حزبية لاسيما بين الأحزاب الصغيرة والقوائم المستقلة، وذلك بهدف تجاوز نسبة الحسم البالغة 1.5% من الأصوات، التي يتوقع أن تتجاوز حاجز 27 ألف صوت.

* مدير وحدة الأبحاث في معهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى