أقلام وأراء

د. رمزي عودة – إسرائيل اختارت “الأبارتهايد”‏

د. رمزي عودة ١٤-٢-٢٠٢٢م

لن أناقش في هذه المقالة الجدل النظري المفضي الى التمييز بين دولة الاحتلال إسرائيل كنظام ‏إستعماري إحلالي وبين إسرائيل كدولة فصل عنصري، فمن الواضح أن إسرائيل تشتمل في سماتها ‏على المفهومين، والذي يجعلها نظاماً سياسياً فريداً ومارقاٌ مقارنة بأنظمة العالم المختلفة. ولكنني أود ‏في هذه المقالة أن أطرح مفهوم الفصل العنصري “الأبارتهايد” كسياسة تسوية تنتهجها إسرائيل أكثر ‏من كونها فقط سمة من سمات نظامها السياسي. وبكلمات أخرى، فإنني أجادل بأن إسرائيل التي ‏ترفض المفاوضات مع الفلسطينيين، وترفض حقوقهم السياسية المشروعة كحق إقامة دولتهم ‏المستقلة وحق العودة، تطرح في هذه الأثناء بديلاً آخر للتسوية السياسية مع الشعب الفلسطيني؛ ألا ‏وهو نظام الفصل العنصري.‏

في منتصف شهر شباط من العام 2012، إعتبرت 100 شخصية إسرائيلية سياسية وأمنية ما تقوم ‏به حكومة نتنياهو بأنه سيفضي الى دولة ثنائية القومية، وهو الأمر الذي لا يتناسب بتاتاً مع فكرة ‏الدولة اليهودية خالصة القومية التي تسعى الحركة الصهيونية لإقامتها.

وطالبت هذه الشخصيات ‏بضرورة إنتهاج سياسات أحادية بديلة عن المفاوضات ولا تؤثر على الحل النهائي، بل على العكس ‏تصب في صالحه. وأمام تعنت حكومة الإحتلال الإسرائيلي، مضت هذه الحكومة في سياسات ‏القمع تجاه الفلسطينيين والتهجير القسري لهم وبناء المستوطنات، بحيث أصبح حل الدولتين يمثل ‏إشكالية حقيقية في إمكانية التطبيق، وهذا بالضبط ما أشار إلية تقرير معهد “كارنيجي” في نيسان ‏الماضي والموسوم ب “كسر الأمر الواقع بين إسرائيل والفلسطينيين” . وبغض النظر عن مدى ‏موافقتنا مع محتويات هذا التقرير الذي يعتمد على تحديد أولوية حماية الحقوق في التسوية السلمية، ‏الا أن اللافت في هذا التقرير مطالبته الإدارة الأمريكية بعدم قبول نظام الأبارتهايد الذي يتكرس ‏عبر الأمر الواقع في سياسات إسرائيل الإستيطانية والتهويدية للمناطق الفلسطينية. ‏

من جانبه، أشار تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي مؤخراً الى خطورة نتائج التقارير الدولية ‏والإسرائيلية على الأمن القومي الإسرائيلي، والتي تضفي مشروعية أكبر على طلب الفلسطينيين ‏حقوق المواطنة الكاملة في حال إستحالت تطبيق حل الدولتين، حيث تضمن كل من تقرير منظمة ‏‏”أمنستي” الدولية عام 2022، وتقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش” الدولية عام 2021، وتقارير ‏المنظمات الحقوقية الإسرائيلية مثل بتسيلم” و”ييش دين” إدانات واسعة لإسرائيل بوصفها تمارس ‏نظام أبارتهايد. وبالنتيجة، يبدو أنه لا خلاف دولي على إعتبار اسرائيل نظام أبارتهايد، وبات عليها ‏أن تواجه المخاطر المتأتية من هذه الحقيقة سواء على الصعيد القانوني الدولي أو على صعيد ‏سمعتها الدولية أو على صعيد الإنسياق وراء الدولة الواحدة ثنائية القومية. ‏

وفي تقرير بارز للواشنطن بوست” صدر في 7 كانون الثاني الماضي، طولبت إسرائيل بالإختيار بين ‏الإنسحاب من الأراضي المحتلة أو منح الفلسطينيين حقوق مواطنة. الا أن إسرائيل يبدو أنها ‏إختارت طريقا ثالثة للتسوية على خلاف نصيحة الواشنطن بوست، وهو دولة الأبارتهايد. حيث أن ‏إمعان الحكومات الاسرائيلية بالمضي قدما في الإستيطان في الضفة الغربية في ظل رفض إقامة ‏الدولة الفلسطينية المستقلة يشير بشكل واضح الى أن هذه الحكومات تسعى الى فرض نظام فصل ‏عنصري كإطار للحل النهائي. ومن خلال هذا الحل المتصور لن يصبح بإمكان الفلسطينين ‏المطالبة واقعيا بدولة، كما أن إسرائيل لن تكون مطالبة بالتحول الى نظام ثنائي القومية يعطي ‏المواطنة الكاملة للفلسطينيين. وفي أقصى الحلول تطرفاً بالنسبة لاسرائيل يمكن لها أن تقبل في ‏ظل سياسة الأمر الواقع هذا بحقوق إقتصادية للفلسطينيين وليست سياسية. ‏

من هنا، أوصي بضرورة تطوير الخطاب السياسي النضالي الفلسطيني ليشمل ضرورة التخلص من ‏واقع الاحتلال ومن واقع الأبارتهايد معاً. وفي هذا الإطار، فإن التركيز على الحقوق المدنية التي ‏تنتهك يومياً من قبل قوات الإحتلال وقطعان المستوطنين تصبح ضرورةً ملحةً تماماً مثل المطالبة ‏بدولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.‏

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى