أقلام وأراء

د. دلال عريقات و د. سناء طوطح: المحكمة الدستورية العليا

د. دلال عريقات و د. سناء طوطح 4-6-2023: المحكمة الدستورية العليا 

من اليمين د. سناء طوطح ود. دلال عريقات
من اليمين د. سناء طوطح ود. دلال عريقات

تتميز المحكمة الدستورية بتأديتها لمهام مقدسة وحساسة في مواجهة الدولة والمواطن، فهي تختص دون غيرها في الرقابة الدستورية على القوانين والأنظمة من خلال النظر في مدى مطابقة التشريعات لأسمى تشريع وهو القانون الأساسي، وتفسير نصوصه، والفصل في تنازع الاختصاصات بين السلطات، والفصل في النزاع الذي يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين والبت في الطعن بفقدان رئيس الدولة الأهلية القانونية وفقاً لأحكام البند (1/ج) من المادة (37) من القانون الأساسي المعدل لسنة 2003م. تعتبر اختصاصات المحكمة الدستورية في غاية الاهمية لبناء وطن ديمقراطي قائم على الحقوق والحريات العامة ووطن قائم على أسس النزاهة والشفافية. جاءت الاختصاصات صريحة واضحة في الفصل الاول من الباب الثاني من القانون.

نرى في تشكيل المحكمة الدستورية العليا الجديد عاملا مهما لدفع عجلة الانتخابات قُدماً لإعادة تفعيل المجلس التشريعي، خاصة ان للمحكمة اختصاصات منصوص عليها في المادة (24) منها ممارسة كل الصلاحيات في النظر، والحكم بعدم دستورية أي تشريع أو عمل مخالف للدستور (كلياً أو جزئياً)، والجدير انه وعند الحُكم بعدم دستورية أي قانون أو مرسوم أو لائحة أو نظام أو قرار جزئياً أو كلياً، يفيد القانون ان “السلطة التشريعية” أو الجهة ذات الاختصاص هي الجهة المنوطة بتعديل ذلك القانون أو المرسوم أو اللائحة أو النظام أو القرار بما يتفق وأحكام القانون الأساسي والقانون. وهنا رسالة واضحة غير قابلة للتأويل لضرورة تفعيل السلطة التشريعية واحترام مبدأ الفصل بين السلطات حسب المادة (2) من القانون الاساسي الفلسطيني والتي أكدت ان الشعب مصدر السلطات ويمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.

يعود تأسيس المحكمة الدستورية بالاستناد إلى القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، وقد تمت المصادقة على قانون المحكمة الدستورية وإقراره سنة 2006، وحمل اسم قانون المحكمة الدستورية العليا رقم (3) لسنة 2006 والمنشور في الجريدة الرسمية عدد (62). جرى تعديل على قانون المحكمة الدستورية مرتين: الاولى بموجب قرار بقانون رقم (19) عام 2017، والثانية قرار بقانون رقم (7) لعام 2019.

أفاد قانون المحكمة الدستورية العليا بتعيين رئيس المحكمة والأعضاء لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد مع مراعاة الآتي: أ‌. تشكل المحكمة من رئيس ونائب له وعدد لا يقل عن 7 قضاة، يعين ثلاثة أعضاء في المحكمة كل سنتين من تاريخ التشكيل الأول للمحكمة وتتخذ قراراتها بالأغلبية. تفيد المادة (5) من القانون أنه يشترط فيمن يعين عضواً بالمحكمة أن تتوافر فيه الشروط العامة اللازمة لتولي القضاء طبقاً لأحكام قانون السلطة القضائية، على ألا يقل عمره عن (40) عاماً، ويكون من بين الفئات الآتية: 1. أعضاء المحكمة العليا الحاليون والسابقون ممن أمضوا في وظائفهم ٣ سنوات متصلة على الأقل. 2. قضاة الاستئناف الحاليون ممن أمضوا في وظائفهم ٧ سنوات متصلة. 3. أساتذة القانون الحاليون أو السابقون بالجامعات الفلسطينية أو الجامعات المعترف بها في فلسطين ممن أمضوا في وظيفة أستاذ ٣ سنوات متصلة على الأقل، أو أستاذ مشارك أمضى ٦ سنوات متصلة على الأقل، أو أستاذ مساعد أمضى ٩ سنوات متصلة على الأقل. 4. المحامون الذين مارسوا مهنة المحاماة عشرين سنة متصلة على الأقل. 5. أعضاء النيابة العامة ممن أمضوا في وظيفة رئيس نيابة فأعلى خمسة عشر سنة متصلة على الأقل.

نظراً لحساسية الاختصاص، لا بد من أن يتألف تشكيل المحكمة الدستورية ممن يتمتعون بالكفاءة القضائية والحقوقية والنزاهة، وذلك لضمان الحيدة والتجرد، على الرغم من خطورة نتائج التعيينات التي قد تطيح بأقدس المبادئ القانونية والفلسفية– مبدأ الديمقراطية- ولكن ننوه هذه المرة ان تشكيل المحكمة لا يتجاوز نصوص القانون فيما يتعلق بالتعيينات وفقاً لنص المادة (5) من قانون المحكمة الدستورية العليا، لكن تم التجاوز لروح القانون في بعض التعيينات؛ فمن الصعب تخيل الطعن في قوانين كانت قد صيغت وتم تمريرها على يد أحد الأعضاء, هذه حقيقة ستعيق التعامل بشكل نزيه أو بأثر رجعي مع القرارات والقوانين.

نود لفت الانتباه ان التشكيلة الجديدة جاءت مُغيبة للمرأة في القضاء، بالرغم من قصص النجاح المشرفة في مختلف محافظات الوطن. لقد أثبتت المرأة الفلسطينية تفوقها وثباتها في هذا التخصص وكم كان يليق بفلسطين لو جاء التشكيل منصفا لنصف المجتمع حسب أسس الكفاءة وليس الكوتا او ألقاب معينة جمعت بين أعضاء اللجنة, نتنمى ان تلقى هذه الملاحظة حسن انتباه صانع القرار للتشكيلات الأخرى والتعديلات المستقبلية.

نود التنويه ان المادة (21) من قانون المحكمة الدستورية لعام 2006 أفادت بانتهاء عضوية القضاة عند بلوغ سن الـ 70 ، وهذا ما تم تعديله في المادة (1)10 لعام 2017 بشطب هذا البند الخاص بالعمر, هنا ننوه بأهمية التجربة والخبرة التي تبنيها السنين ونؤكد على عدم منطقية انتهاء العضوية لارتباطها المجرد بالعمر، ولكن بنفس الوقت نتأمل ان نشهد حوكمة حقيقية فيما يخص التعيينات وتجنب تدوير المناصب فيما يتعلق بالأشخاص من ذوي الخبرة والباع الطويل في خدمة القطاع الرسمي والذين تجاوزوا سن التقاعد العام.

“نحو دولة القانون وسمو الدستور” مقولة اخذتها المحكمة الدستورية العليا كرؤية نتمنى ان تستدل بها وتسير عليها لتصل إلى الهدف المنشود في تجسيد مبدأ القانون لبناء الوطن والمواطن الذي تستحقه فلسطين.

د. طوطح: أستاذ مساعد في القانون، جامعة القدس.

د. عريقات: أستاذ مساعد في الدبلوماسية، الجامعة العربية الأميركية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى