د. دلال صائب عريقات: المحكمة الجنائية الدولية ومذكرات الاعتقال
د. دلال صائب عريقات 26-5-2024: المحكمة الجنائية الدولية ومذكرات الاعتقال
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان يسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد بنيامين نتنياهو، ويوآف غالانت، ويحيى السنوار، وإسماعيل هنية، ومحمد الضيف. قدمت المحكمة الجنائية الدولية “طلباً” لإصدار مذكرة اعتقال بعد التوجه للدائرة الابتدائية, هذا الاجراء اخذ مدة شهر واحد في حالة اصدار أوامر اعتقال ضد فلاديمير بوتين عام ٢٠٢٣ واخذ ٦ اشهر في حالة عمر البشير عام ٢٠٠٩.
تصرفت المحكمة الجنائية الدولية أخيراً وفقاً لولايتها ولعبت دورها في محاسبة مجرمي الحرب حيث أعلنت أنها تسعى لإصدار مذكرات اعتقال, تعتبر خطوة مهمة جدا بعد العجز الذي اظهرته الأدوات القانونية والدبلوماسية امام جريمة الإبادة في قطاع غزة على مدار ٨ اشهر. طريق العدالة لا يزال طويلا ويحتاج للصبر ولن يتمكن الضحايا المدنيون وعائلاتهم في غزة من استعادة أحبائهم أبدًا، ولن يستعيدوا أطراف ابنائهم أبدًا, ومع ذلك، لديهم الحق في الحصول على العدالة من خلال محاسبة المجرمين.
قال كريم خان والمستشارون القانونيين ال ٦ الدوليين )امل كلوني, ادريان فولفورد, ثيودور ميرون, داني فريدمان, اليزابيث ويلمشيرست, و هيلينا كينيدي) اللذين اجمعوا إن لديهم “أسباب معقولة للاعتقاد” بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت “يتحملان مسؤولية جنائية” عن عدد من الجرائم الدولية المرتكبة منذ 8 أكتوبر، بما في ذلك التجويع كسلاح في الحرب، والقتل، والقتل المتعمد، مهاجمة المدنيين والإبادة والاضطهاد وغيرها من الجرائم ضد الإنسانية. بالرغم من تقدير ان فكرة الحصانة والإفلات من العقاب الذي تتمتع به إسرائيل قد تم اختراقه أخيرًا, مع ذلك فقد اتهم خان قادة حركة حماس بارتكاب جرائم مختلفة وطبيعة التهم الموجهة ضدهم أكثر من الإسرائيليين. لقد أدرج خان تهم الاغتصاب والعنف الجنسي، مما أعطى مصداقية للبروباغاندا الإسرائيلية التي تم فضح زيفها بالكامل، والتي لم تقدم إسرائيل أي دليل موثوق عليها كما اتهمهم صراحة بـ “التعذيب. في التهم الموجهة ضد نتنياهو وغالانت، على الرغم من وجود العديد من التقارير الموثوقة عن التعذيب الممنهج ضد الفلسطينيين الا انه لم يوجه لهم تهمة التعذيب كما لم يوجه أي اتهامات ضد نتنياهو وغالانت بموجب المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ــ القسم الذي يتعامل مع الإبادة الجماعية. لقد اتهمهم بموجب الفصلين السابع والثامن، اللذين يتناولان الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب – وهي نفس المواد التي استخدمها ضد قادة حماس. وكان من الممكن أيضاً أن يوجه خان اتهامات تتعلق بالجرائم الإسرائيلية في أماكن أخرى من فلسطين، على سبيل المثال بناء إسرائيل لمستوطنات غير قانونية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة او الاسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ولكنه اكتفى بالفترة ما بعد أكتوبر ٢٠٢٣ كان التاريخ بدأ هناك!!
الاتهامات الموجهة لقادة حماس ليست مفاجئة وخاصة لقادة حماس انفسهم، الذين كانوا يتوقعون أن يُتهموا بذلك ثمناً للحصول على قدر ما من العدالة الدولية لشعبهم وهذا كان موضوع تنسيق وتوافق في اللجنة العليا لمنظمة التحرير التي تراسها د. صائب عريقات والتي كانت مختصة بمتابعة الملفات في المحاكم الدولية ومن الواجب التذكير ان عريقات كان حريصا جدا في تشكيل هذه اللجنة بان تشمل ممثلين عن حماس وكل الاطياف والفصائل ومنظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني فكان يعي تماما منذ ٢٠١٤-٢٠١٥ ان التوجه للمحكمة قد يضع قادة حماس في خانة الاتهام ولهذا امن انه من الضروري ان يكون هناك توافق وطني شامل في كل الأمور وخاصة في ملف المحاكمات حتى لا تتم قراءة هذه المرحلة لاحقا وكان المنظمة ورطت قيادات حماس وسلمتهم للمحكمة! منذ عام 2015، أعربت حماس مرارًا وتكرارًا عن اهتمامها بالمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية. الحقيقة انه لن يكون لأوامر الاعتقال – التي لم يصدرها قضاة المحكمة رسميًا بعد – أي تأثير فوري على السنوار أو الضيف، اللذين لا يُعرف مكان وجودهما كقادة للمقاومة السرية. إن الاعتقال من قبل المحكمة الجنائية الدولية هو أقل ما يقلقهم. اما رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، فهو يعيش في قطر، وهي واحدة من عدد قليل من الدول التي ليست عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي فهي ليست ملزمة قانوناً باعتقاله وتسليمه. إن حماس محظورة اصلا وتخضع لعقوبات من جانب الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء أوروبا، لذا فليس الأمر كما لو أن قادة الحركة كانوا سيتحركون بحرية على أي حال.
بالمقابل, أوامر الاعتقال سيكون لها تأثير هائل على إسرائيل وقادتها، الذين يجدون أنفسهم الآن منبوذين ومقيدين بطرق غير مسبوقة. لن يتمكن نتنياهو وغالانت من السفر إلى عشرات الدول، بما في ذلك معظم دول أوروبا، دون خوف من الاعتقال حيث صادقت١٢٤ دولة على نظام روما الأساسي وهي دول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وبينما لعبت الولايات المتحدة دورًا مركزيًا في إنشاء نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، فإن الولايات المتحدة ليست دولة طرفًا. وسوف يكون لزاماً على الدول الأوروبية، على وجه الخصوص، التي تزعم أنها تحترم القانون الدولي، إما أن تحتجزهم وتسلمهم إلى المحكمة، أو أن تتحدى التزاماتها القانونية علناً.
الضرر الذي يلحق بسمعة إسرائيل وعزلتها امر لا نستخف به ابدا، والولايات المتحدة، المورد الرئيسي للأسلحة إلى إسرائيل والمتواطئة في الإبادة الجماعية، ليست عضواً في المحكمة، ولن تتعاون مع مذكرات الاعتقال ولكن لنتذكر أن الرئيس جو بايدن رحب عندما تقدم خان بطلب للحصول على مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي بسبب العملية العسكرية التي نفذتها موسكو في أوكرانيا الا ان إدارة ترامب رفضت ولاية واختصاص المحكمة فيمل يتعلق بالملف الفلسطيني الإسرائيلي والرد القانوني على هذا الادعاء صريح وواضح ولا لبس فيه من حيث اختصاص الحكمة والولاية القانونية التي صدرت عام ٢٠٢١ في الأراضي الفلسطينية المحتلة على حدود ١٩٦٧ مما ينهي هذا الجدل من ناحية قانونية.
المحكمة الجنائية تعنى بالفراد خلافا لمحكمة العدل الدولية التي تعنى بالدول. أسست المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002 بهدف محاسبة الأفراد عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك الإبادة الجماعية. تم اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في روما عام 1998. ولم يكن انضمام فلسطين إلى هذه المحكمة بالأمر السهل؛ لقد كانت عملية دبلوماسية تتطلب الكثير من الصبر والمداولات، والعمل الجماعي والقيادة الاستراتيجية. ولم يكن انضماماً تلقائياً، بل بدأ بالتوجه إلى الأمم المتحدة لرفع وضع فلسطين عام 2012 إلى دولة غير عضو، مما سمح لها بالانضمام إلى مجموعة من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وهنا تم تقديم الطلب الفلسطيني للانضمام إلى ميثاق روما للمحكمة في الفترة 2014-2015. ,قبلت المدعية العامة فاتو بن سودة بالتفويض وعزمت على فتح التحقيق المتعلق بإحالة مجرمي إسرائيليين تحت بند جرائم حرب، لكن إسرائيل سرعان ما اعترضت على أساس أن فلسطين ليست دولة ذات سيادة، أي أنها تشكك في الاختصاص الإقليمي للمحكمة، لذلك وطلب المدعي العام من الدائرة التمهيدية إبداء رأيها بشأن الاختصاص الإقليمي. ولتأكيد موقف بن سودا من موقف المحكمة بأن لها ولاية قانونية على مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة لتمكينها من فتح تحقيق، كان من المتوقع أن يأتي الرد خلال فترة لا تتجاوز 120 يومًا مرت على نهاية عام 2019، وكنا نأمل أن تبدأ المحكمة التحقيق في ملفات المجرمين الإسرائيليين بداية عام 2020. إلا أننا شهدنا تأخيرات متتالية من قبل المحكمة، وهذا دليل آخر على أن العملية معقدة وتتطلب الكثير من الصبر والاجتهاد والعمل. ودعت الدائرة التمهيدية إسرائيل إلى تقديم ملاحظاتها في 28 كانون الثاني/يناير 2020، إلا أن الأخيرة اختارت عدم الرد بشكل قانوني مباشر، بل واصلت إثارة الشكوك وتوجيه الاتهامات السياسية والشخصية إلى المحكمة والمدعي العام.
أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية، بتاريخ 2/5/2021، قراراً بشأن اختصاص المحكمة، أكدت فيه ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها الضفة الغربية، والقدس الشرقية، وقطاع غزة. ويعني هذا القرار أن موضوع الاختصاص الإقليمي للمحكمة على فلسطين لا مجال للشك، فقد أصبح الأمر رسميًا وقانونيًا. لا يجوز الطعن في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين سواء بالنسبة للدول الأعضاء أو غير الأعضاء. في عام 2021، قضت المحكمة الجنائية الدولية باعتبار فلسطين دولة طرفًا في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. على الرغم من أن إسرائيل ليست طرفًا، بموجب المادة 12 (2) (أ) من النظام الأساسي، تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالولاية القضائية على المواطنين الإسرائيليين إذا ارتكبوا جرائم على أراضي دولة طرف (في هذه الحالة، فلسطين).
الدول غير الأعضاء ليست ملزمة بقبول الحكم، ولكن لا ينبغي التسامح مع التشكيك في شرعيته !