أقلام وأراء

د. حسام الدجني يكتب سيف القدس والانتصار الاستراتيجي

د. حسام الدجني *- 30/5/2021

معركة سيف القدس بدأت يوم 10 مايو2021، على خلفية عدم استجابة إسرائيل للتحذير الأخير الذي أطلقه محمد الضيف “أبو خالد” قائد أركان المقاومة الفلسطينية لإسرائيل بوقف اعتداءات المستوطنين والشرطة الإسرائيلية على المقدسيين والمقدسات الإسلامية والمسيحية، ووقف إجراءات التهجير القسري لبعض عوائل حي الشيخ الجراح، وكذلك الإفراج عن مئات المعتقلين ممن تم اعتقالهم بالقدس على خلفية أحداث باب العامود والشيخ جراح.

حددت المقاومة ساعة الصفر وهي السادسة مساءً يوم العاشر من مايو، ونفذت تهديدها على الفور، وسط قبول واحتضان شعبي كبير، وأطلقت غرفة العمليات المشتركة على العملية اسم سيف القدس، وأدارت الغرفة المشتركة الأعمال العسكرية والنفسية والأمنية والإعلامية بذكاء واقتدار، وردت دولة الاحتلال بعنف كبير أسفر عن استشهاد 227 فلسطيني من بينهم 64 طفلا و38 سيدة و17 مسناً إضافة إلى 1620 إصابة بجروح مختلفة، بالإضافة إلى تدمير كبير في البنية التحتية وهدم مئات الوحدات السكنية.

يبقى السؤال حول أهم نتائج المعركة…؟ وماهية النصر الاستراتيجي الذي يتحدث عنه بعض قادة المقاومة…؟

الحروب تقاس بنتائجها، وفي تقديري أن معركة سيف القدس من أهم نتائجها ما يلي:

أعادت القضية الفلسطينية على جدول أعمال المجتمع الدولي، وبتنا نستمع لمواقف أمريكية تتحدث أن القدس منطقة محتلة متنازع عليها، بالمقارنة مع مواقف إدارة ترامب التي تحدثت عن أن القدس عاصمة موحدة للاحتلال الصهيوني.

هدمت الجدار النفسي الذي نجح الاحتلال في بنائه بين التجمعات الفلسطينية، وهو ما انعكس على وحدة وثورة شعبنا في القدس وفي داخل فلسطين المحتلة (اللد ويافا وعكا الخ…) وفي الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات.

لم ينتصر الفلسطيني في رد العدوان عسكرياً وفقط، بل هناك انتصار الرواية والسردية الفلسطينية، وهو ما انعكس على حجم المشاركات الشعبية لدى المجتمعات الغربية المناصرة لفلسطين والرافضة لجرائم الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وكان لذلك أثر كبير على مواقف تلك الدول، وهذا يجب البناء عليه بعد انتهاء المعركة ضمن استراتيجية وطنية تعمل عليها الدبلوماسية الرسمية والشعبية للفلسطينيين ولأحرار العالم من العرب والغرب.

أكدت على صوابية نهج مراكمة القوة، والمزاوجة بين العمل السياسي والمقاومة بكل أشكال المقاومة وعلى رأسها المقاومة المسلحة.

عكست صورة إسرائيل الحقيقية وأفشلت رواية أن إسرائيل هل الدولة الديمقراطية الحصرية في الشرق الأوسط، فبعد قصف المنازل على رؤوس ساكنيها، وقصف الصحفيين، وقتل الأطفال والنساء وترويع الآمنين أصبحت إسرائيل في نظر الرأي العام الغربي أنها دولة إرهاب وأبارتهايد.

أعادت رسم الخارطة السياسية الفلسطينية من جديد على قاعدة تثبيت مفهوم أن فصائل المقاومة وعلى رأسها حركة حماس هي فاعل أساس ورئيس في المشهد الفلسطيني، وأنها صاحبة قرار السلم والحرب، وأن التعاطي معها ضمن قاعدة أنها جزء من الحل وليس المشكلة، سيكون سمة المرحلة المقبلة لدى أطراف دولية وإقليمية فاعلة.

صنعت رأياً عاماً فلسطينياً واسعاً يتبنى فكرة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني عبر انتخابات شاملة أو توافقاً جاداً بموجبه يتم دمج حركتي حماس والجهاد الإسلامي وغيرهم من فصائل المقاومة إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

وهناك نتائج أخرى قد لا يتسع المقال لسردها، ولكن أختم مقالي بالإجابة على الشق الثاني من سؤال المقال وهو ماهية النصر الاستراتيجي.

سؤالي هنا، هل فعلاً حققت المقاومة انتصاراً استراتيجياً…؟

في تقديري، نعم، وأنا هنا أدرك أن الاحتلال انقلب على اتفاق أوسلو الذي رعاه العالم أجمع برئاسة الولايات المتحدة، وهو من انقلب على وساطة القاهرة وغيرها من الوساطات في محطات عديدة – (وفاء الأحرار 1 – الحروب الثلاثة على غزة – مبعدي كنيسة المهد) – لن يلتزم في وقف الاعتداءات على الشيخ جراح أو المسجد الأقصى، حتى وإن خفف من اجراءاته العدوانية تجاه القدس، ولا أظن أن كل اعتداء على المقدسات سيقابله جولة تصعيدية كما حصل مع سيف القدس، ولكني أرى النصر الاستراتيجي ضمن منظور مختلف، وجوهره يقوم على مدى قدرة المقاومة على إحداث تصدع في ميزان المناعة القومي لدى دولة الاحتلال، لأنه في تقديري أن ضعف المناعة الداخلية هي أخطر التحديات التي تواجه دولة الاحتلال حسب مخرجات مؤتمر هرتسليا للأمن القومي عام 2012م، ولو قام مؤتمر هرتسليا بإعادة دراسته بعد حرب العصف المأكول 2014 وحرب سيف القدس وهي الأهم، في تقديري أن النسبة ستكون لافتة، ولو رصدت إسرائيل انعكاس اختلال ميزان المناعة القومية على نسبة الهجرة العكسية ستكون أمام تهديد وجودي قد يكون أحد أهم الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة بالحديث عن وجود فرصة لتطبيق حل الدولتين، كونه أقل الخسائر على مستقبل إسرائيل في الوقت الراهن، ولكن هذا يتطلب صلابة ووحدة موقف فلسطيني، وخطاب اعلامي جديد ينسجم مع نتائج معركة سيف القدس.

إن ضرب ثقة المواطن الإسرائيلي بجيشه ودولته كان من أهم أسبابها وحدة الموقف الفلسطيني وتحركه في كافة المناطق، وقوة المقاومة وفعالية ضرباتها، وحرب الصورة التي ساهمت في تآكل منسوب الأخلاق لدى الاحتلال الاسرائيلي، وحركة الشعوب العربية وأحرار العالم، كلها أسباب ودوافع ساهمت في الانتصار الاستراتيجي، وحتى نصل إلى النصر الاستراتيجي الكامل في تحرير فلسطين، لابد من تطبيق استراتيجية الاقتراب الموزع بين محور المقاومة، بمعنى أن يدخل المحور إسرائيل في استنزاف دائم ومعارك مستمرة كل فترة ولكن ليس مع غزة لوحدها، فالأصل أن تكون معركة القدس القادمة مع حزب الله، ويساندها شعبنا بمقاومة شعبية مؤازره لها، ثم مع سوريا، ثم طهران إلخ…

* د. حسام الدجني. أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة وكاتب ومحلل سياسي (مستقل) مختص بالشأن الفلسطيني والشرق أوسطي . 

Hossam555@hotmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى