أقلام وأراء

د. جيرار ديب: أي مصير لحزب الله: إشكالية السلاح والاندماج

د. جيرار ديب 20-4-2025: أي مصير لحزب الله: إشكالية السلاح والاندماج

أكد الرئيس جوزيف عون أنه طلب من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الأربعاء الاستمرار بدعم لبنان في موضوع النفط ورواتب العسكريين فكان جوابه “اعتبر أن ذلك تمّ“.

وأشار عون إلى أن الأميركيين يطالبون بالإسراع في العمل لحصر السلاح بيد الدولة، لكنني قلت لهم إذا أردتم ذلك فاضغطوا على إسرائيل واتركوا لنا مهمة التعامل مع الحزب، مضيفًا أنه “يمكن لعناصر حزب الله الاندماج في الجيش والخضوع لدورات استيعاب مثلما حصل في نهاية الحرب في لبنان مع أحزاب عديدة“.

لا نقاش في موقف دولة قطر إلى جانب لبنان، وما من لبناني لديه أدنى شكّ في استمرار الدوحة بتقديم الدعم للمؤسسة العسكرية التي تقوم بمهام ضبط الأمن الداخلي في لبنان، ولديها استعداد لضبط الحدود أيضًا.

لكنّ ما طرحه الرئيس عون في ما خصّ حزب الله وطريقة التعاطي معه حمل إشكاليتين خلال زيارته إلى دولة قطر، الأولى ترتبط بموضوع تسليم السلاح وحصره في يد الدولة. هذا المطلب لا يتعلق بمزاجية الحزب الرافض لتسليمه، وهذا ما عبّر عنه أكثر من مسؤول في الحزب، لاسيما ما أعلن عنه عضو المجلس السياسي في “حزب الله” محمود قماطي، الذي أكد تمسّك الحزب بسلاحه، مهددًا أن “اليد التي ستمتدّ إليه ستقطع،” مضيفًا أن لا أحد في العالم سيتمكن من مد يده إلى سلاح الحزب.

لم يكتف قماطي برفع صوت الوعيد والتهديد، بل ذهب بعيدًا في طرحه لمعادلة رباعية جديدة، تتضمن “الشعب، والجيش، والمقاومة، والدولة“.

لقد أغلق قماطي الباب أمام أيّ طرح رئاسي يتضمن وضع إستراتيجية دفاعية تأتي تحت شعار سحب السلاح من يد حزب الله. ورغم أن هذا الموضوع شكل محورًا أساسيًا في كلمة القسم للرئيس، إلا أن موضوع السلاح قد لا يرتبط برغبة الحزب ولا بقراره، بقدر ما هو مرتبط بمحور تقوده إيران في المنطقة، لهذا لم يعد مستغربًا أن يشكل موضوع السلاح جزءًا من المحادثات غير المباشرة بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية في إيران.

دخل موضوع “سحب السلاح” ضمن قرار 1701 لا بل شكل البند الرئيسي فيه، على اعتبار أنّ هذا من مهام الدولة اللبنانية. ولكنّ الإسرائيلي في ممارساته اليومية من اعتداءات وتنفيذ اغتيالات بحق حزب الله في كافة المناطق اللبنانية، يعطي الذريعة لحزب الله للتمسك بسلاحه على قاعدة المطالبة بضمانات دولية للدفع بالعدو خارج أراضي لبنان التي يحتلها، ولوقف اعتداءاته داخل لبنان.

المزيد من الضغوط تمارسها الولايات المتحدة بشخص مبعوثها الخاص إلى لبنان مورغان أورتاغوس، التي طالبت في زياراتها الدولة للقيام ما هو مطلوب منها. ورغم أنّ الرئيس عون استمهلها معتبرًا أن هذا الموضوع يحتاج إلى إستراتيجية حوارية بين المكونات للتوصل إلى طرح صيغة تحاكي سحب سلاح الحزب، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل من مكان يستطيع فيه الجيش تخزين السلاح لاسيما الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة؟ وهل من ضمانة ألاّ تقوم إسرائيل بقصف المخازن أسوة بما تفعله في سوريا بعد هروب بشار الأسد؟

لا تتوقف الإشكالية عند سحب السلاح، بل طرح الرئيس عون موضوعًا لا يقلّ أهمية عن السلاح، وهو ماذا سيكون مصير عشرات الآلاف من المقاتلين المنضوين في صفوف الحزب وكيف السبيل لاندماجهم في المؤسسة العسكرية؟

بداية لا تجوز المقارنة بين موضوع دمج حزب الله في الجيش اللبناني، وبين موضوع دمج الأحزاب عام 1990 تلك التي قاتلت في الحرب الأهلية. فهذه الأحزاب أو الميليشيات كانت تقاتل لأجل قضية لبنانية، حتى لو اختلفت القضية في ما بينهم إلا أن النهج لبناني والانتماء أيضًا، بخلاف عناصر حزب الله الذي تأسس عام 1982 في السفارة الإيرانية في بيروت.

لم يتوقف قياديو الحزب لاسيما أمينهم العام الراحل حسن نصرالله عن التباهي بأنّه جندي في ولاية الفقيه، هذا ما يكرّس حتمية الانتماء في تطبيق الأجندة الإيرانية في المنطقة. لم يتوقف الأمر عند ما يعلنه قياديو الحزب بشأن ارتباطهم بمحور إيران، بل هذا ما أتى أيضًا على لسان المسؤولين الإيرانيين، فهذا مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي يقول إن “حزب الله سيواصل مسيرة المقاومة بقوة لأن غالبية الشعب اللبناني تدعمه وستقف مع المقاومة“.

هذا يعتبر تدخلًا واضحا في الشأن الداخلي اللبناني، بل وفي رسم وتحديد وجهة الحزب المستقبلًي. لهذا يجد البعض أن دمج عناصر الحزب في المؤسسة العسكرية فيه استحالة، وهو يشبه تمامًا دمج جسمين من طبيعتين مختلفتين. ولن يحصل الدمج طالما يحمل عنصر الحزب أيديولوجيا قتالية منها القضاء على إسرائيل، تختلف عن الروح القتالية التي تقوم عليها التنشئة العسكرية التي تبنى على أساس حب الوطن والتفاني في سبيله وعلى أساس حماية الحدود لا القضاء على الدول.

لا يتوقف موضوع عدم الاندماج عند الواقع “الأيديولوجي المختلف”، ولكنّ الأمر يتعدى الفكر ليصل إلى تحقيق آلية التدريب على أنواع الأسلحة، إذ أن جميع الأسلحة التي يتدرب عليها عناصر الحزب ترتبط بأسلحة إيرانية وروسية وصينية وكورية شمالية، وهذا أمر طبيعي لما يشكله الحزب من ركيزة حيوية في هذا المحور. بالمقابل يجري الجيش اللبناني كافة تدريباته وبإشراف مباشر من مؤسسات عسكرية تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) على رأسهم الولايات المتحدة.

من المؤكد أن يعاني من سيتمّ دمجهم في المؤسسة العسكرية من عدم التمرس على استخدام تلك الأسلحة الأمر الذي سيدفع نحو المزيد من الأزمات داخل المؤسسة العسكرية. لهذا فإن رفض الرئيس عون النموذج العراقي في ما يخصّ الحشد الشعبي، وتعثّر عملية الدمج لاعتبارات ذكرنا الكثير منها، يؤسس لمشكلة بعيدة المدى ستترك انعكاسات سلبية على طريقة التعاطي داخل المؤسسة وحصر إصدار الأوامر، لاسيما وأن من هم في الخدمة الفعلية قد يرفضون أخذ أوامرهم من أشخاص كان الحزب قد رفع رتبهم إلى مستوى ضباط وقيادات.

وتبقى الإشكالية الرئيسية، في حال تمّ هذا الدمج شبه المستحيل، ماذا سيكون مصير المسؤولين الأمنيين في الحزب على شاكلة وفيق صفا مسؤول الارتباط في الحزب؟

“متخبطة”.. هو عنوان المرحلة الحالية في لبنان طالما لم يتمّ التوافق على موضوع دمج الحزب وسحب سلاحه، هذا سيعلق المساعدات الدولية والعربية المشروطة بعدم فتح الاعتمادات المالية لإعادة الإعمار إلا بتسليم السلاح. وهذا ما لن يفعله الحزب الذي ينتظر مصير التفاوض الأميركي – الإيراني علّه يبني على الشيء مقتضاه.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى