أقلام وأراء

د. جمال عبد الجواد: أسئلة اليوم التالى فى فلسطين

د. جمال عبد الجواد 10-3-2024: أسئلة اليوم التالى فى فلسطين

بعد شهور قليلة من حرب أكتوبر 1973 نشر الأستاذ محمد سيد أحمد كتابه الرائد «بعد أن تسكت المدافع». ضم الكتاب تصورا لشرق أوسط بلا حروب، تحل فيه الصراعات السياسية، وتدخل دول المنطقة فى تعاون تنموى من أجل ازدهار شعوب المنطقة، عربا ويهودا.

ينتمى محمد سيد أحمد إلى فصيل الشيوعيين الذين قبلوا قرار تقسيم فلسطين عام 1947، متصورين أن فى ذلك الحل للصراعات القومية، وفتحا للباب أمام سلام وتنمية وازدهار. هل أهدر العرب فرصة ثمينة بعدم تبنيهم هذا الاختيار، أم أن ما حدث كان يجب أن يحدث، فقبول عرب1947 بتقسيم فلسطين هو تصور خيالى منفصل عن الواقع.

التصور الذى قدمه محمد سيد أحمد فى عام 1974 جاء هو أيضا مفارقا لواقع الشرق الأوسط المعقد، فبعد خمسين عاما من نشر الكتاب لم يزدهر الشرق الأوسط، ولم تتعاون دوله، ومازالت المدافع تدوى فى أنحاء المنطقة.

تواصلت الصراعات فى الشرق الأوسط طوال نصف القرن الأخير، ولم يعد أحد يجرؤ على التفكيرفيما يحدث بعد سكوت المدافع، فالمدافع فى الشرق الأوسط لا تسكت أبدا. بدلا من الحديث عما يحدث بعد سكوت المدافع، أصبحنا نتحدث عن اليوم التالى، وهى محاولة للتفكير فيما قد يحدث بعد انتهاء الجولة الراهنة من الصراع، وليس بعد انتهاء كل الصراعات.

اليوم التالى هو تعبير محايد لا يبشر بالحرب أو السلام، هو فقط يفكر فى الأسئلة التى تطرحها مسارات ونتائج الجولة الأحدث من الصراع. تختلف هذه الأسئلة بالانتقال من بلد إلى آخر من بلاد المنطقة. هناك أسئلة لبنانية وإيرانية وإسرائيلية وعربية، وهناك فى مقدمة كل هذا أسئلة فلسطينية، أحاول التفكير فى بعضها اليوم.

ستخف حدة المعارك العسكرية فى غزة، لكن لن نصل إلى مرحلة يسود فيها السلام والاستقرار. اليوم التالى، فلسطينيا، هو اليوم الذى تخف فيه حدة القتال، أما التوصل إلى وضع نهائى فيبدو أمرا مستبعدا، فلا شىء نهائيا فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى لعدة أجيال قادمة.

سؤال اليوم التالى الأهم يخص حركة حماس، باعتبارها الحركة التى أطلقت الموجة الحالية من العنف بهجمات السابع من أكتوبر. ما هى طبيعة النقاش الجارى الآن بين كوادر الحركة؟ كيف يقيم كوادر حماس خبرة العام المنقضى؟ لو عاد الزمن بحركة حماس للوراء، هل ستقوم الحركة بتنفيذ هجمات السابع من أكتوبر مرة أخرى؟ هل لو أتيحت فرصة جديدة لتنفيذ هجوم مماثل بعد عدة سنوات، هل تقوم الحركة باستغلال الفرصة ثانية، أم أن خبرة طوفان الأقصى لا تشجع على تكرار السابع من أكتوبر مرة أخرى.

ما هو السيناريو الذى رسمه القادة الذين خططوا للسابع من أكتوبر؟ إلى أى مدى يتشابه ما خططوا له مع ما حدث بالفعل؟ أظن أن هناك فجوة بين حسابات القادة ونتائج الواقع، من أين جاءت هذه الفجوة؟ ما الخطأ الذى تم ارتكابه؟ ما هو الشيء الذى لم يدخله القادة فى الحسبان؟ هل قصور التخطيط ناتج عن نقص المعرفة، أم قصور فى التنظيم، أم بسبب التحيزات الأيديولوجية التى تنتج رؤية مشوهة للواقع.

هل يحتمل المجتمع الفلسطينى المزيد من ضغوط الحروب والصراع، أم أن الفلسطينيين، خاصة فى غزة، يحتاجون إلى فترة تضميد جراح، يعيد فيها المجتمع بناء نسيجه الاجتماعى الذى أهلكته الحرب والنزوح والقتلى والجرحى بعشرات الألوف.

هل مازالت حماس تسعى لتحرير كامل فلسطين الانتدابية من النهر إلى البحر، أم أن الحركة أصبحت تدرك ضرورة القبول بحل وسط يسمح باقتسام أرض فلسطين بين دولتين عربية ويهودية. لو تغيرت قناعات حماس بشأن أهداف الكفاح الوطنى الفلسطينى، وأصبحت تؤمن بالحل الوسط، هل الحركة مستعدة لإعلان ذلك صراحة فى إطار استراتيجية جديدة للكفاح الوطنى الفلسطينى؟

لكن ما جدوى تخفيض سقف المطالب والسعى لحلول وسط فى وقت تخلت فيه إسرائيل عن الوسطية، فأصبحت تريد الحصول على كل شيء، وترك الفلسطينيين بلا أى شيء. هل فاتت فرصة الحل الوسط فى فلسطين، وهل نقضى الزمن الذى كان فيه الحل الوسط ممكنا، وهل بات مكتوبا على الفلسطينيين مواصلة المقاومة المسلحة، حتى لو لم تؤد إلى نتيجة؟

ما هو تقييم كوادر حماس لأساليب الكفاح المختلفة؟ هل مازالوا يرون الكفاح المسلح الطريق الوحيد للوصول إلى الأهداف الوطنية الفلسطينية؟ماذا لو تخلى الفلسطينيون عن الكفاح المسلح فهل يمكن لأساليب الكفاح غير العنفية أن تقربهم من تحقيق أهدافهم الوطنية؟

ما هى طبيعة العلاقة بين حماس والسلطة الوطنية؟ هل ستواصل حماس حملاتها لإضعاف السلطة والحلول محلها، أم أن دروس الحرب ستجعل حماس تفكر بطريقة جبهوية تعلى من قيمة الوحدة الوطنية الفلسطينية. ماذا عن السلطة الفلسطينية، الممثل الشرعى الوحيد للشعب الفلسطينى، هل كان من الممكن التصرف بأى طريقة تمنع وصول الكفاح الفلسطينى إلى هذا المأزق؟ كيف يمكن استعادة المكانة المركزية للسلطة الوطنية فى الكفاح الفلسطينى، وكيف يمكن استعادة التفاف الشعب الفلسطينى حولها؟ هل الأمر يحتاج إلى إصلاحات أو إلى انفتاح على المجتمع السياسى والمدنى الفلسطينى، أم إلى استعادة التوازن بين مقتضيات الإدارة ومقتضيات الكفاح الوطنى.

الحركة الوطنية الفلسطينية مطالبة بإعادة بناء نفسها من جديد، فالمكاسب التى تم تحقيقها على مدى سبعين عاما من الكفاح مهددة بالزوال.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى