أقلام وأراء

د. جمال عبدالجواد: نظام سياسى فريد فى إيران

د. جمال عبدالجواد 23/05/2024: نظام سياسى فريد فى إيران

راح الرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسى ضحية حادث مؤسف. فى مؤشر على الفعالية والكفاءة، سارع النظام السياسى فى إيران بتشغيل ماكينة إجراءات الطوارئ، وبأقل قدر من الاضطراب وضع «خريطة طريق» لمرحلة انتقال تنتهى بانتخاب رئيس جديد خلال خمسين يوما. لنظام الحكم فى إيران أيديولوجية راديكالية يستمدها من مذهب الشيعة الاثنا عشرية، وقد تم بناء نظام الحكم هناك لتحصين أيديولوجيا النظام، وحماية المكانة المركزية التى يحتلها رجال الدين من تقلبات الرأى العام.

للنظام السياسى الإيرانى خصائص فريدة. مصطلح الديمقراطية لا يرد ولا لمرة واحدة فى الدستور الإيرانى، وهو مصطلح يستهجن استخدامه فى الحوار والجدل السياسى فى إيران. نظام الحكم فى إيران ليس ديمقراطيا، لكنه ليس حكما عسكريا، أو نظاما فرديا يقوم على تقديس شخصية الزعيم، ولا هو نظام حكم الحزب الواحد. نظام الحكم فى إيران نظام حكم دينى، يتمتع فيه رجال الدين بمكانة مركزية، لكنه أوسع بدرجة ليست قليلة من أن يكون مجرد نظام لحكم رجال الدين وفقط.

يتسم النظام السياسى الإيرانى بدرجة عالية من الالتزام بالدستور.المسافة بين الممارسة الفعلية والنص الدستورى المكتوب فى إيران محدودة، لأن نصوص الدستور لا تتضمن وعودا أو شعارات لا توجد نية للالتزام بها، ولا أهل الحكم هناك فى حاجة لانتهاك دستور يمنحهم كل ما يحتاجونه من سلطات لممارسة الحكم بفعالية.

مرشد الثورة هو السلطة العليا فى البلاد، وهو ولى الأمر المطلق وإمام الأمة، حسب نص الدستور، وله وحده إعلان الحرب والسلام والتعبئة العامة، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة والحرس الثورى، يعين ويعزل قادتها، كما يعين قائد الأركان، وقادة أجهزة الأمن، ورئيس السلطة القضائية ورئيس الإذاعة والتليفزيون.

لمرشد الثورة سلطات واسعة، لكن اختياره لا يتم عن طريق الانتخاب الشعبى، وإنما يتم اختياره من جانب هيئة خبراء القيادة المكونة من 88 عضوا، ينتخبهم الشعب من بين قائمة مرشحين مختارين بعناية من جانب مجلس صيانة الدستور، الذى يتولى الإشراف على كل الانتخابات التى تجرى فى البلاد بهدف استبعاد المرشحين غير المرغوب فيهم.

الانتخابات الإيرانية تجرى بطريقة فريدة، فمجلس صيانة الدستور يتولى مراجعة قوائم المرشحين، ويقوم باستبعاد من لا يرضى عنه من المرشحين لمنصب رئيس البلاد أو لعضوية مجالس الشورى المختلفة. الناخب الإيرانى يختار بشفافية فى انتخابات نزيهة، لكن فقط من بين المرشحين المسموح لهم بالترشح. الانتخابات فى إيران عليها مسحة تعددية ومنافسة وإثارة، وهى انتخابات موجهة، لكنها تنافسية أيضا.

لمجلس صيانة الدستور دور مركزى فى النظام الإيرانى، فهذه هى المؤسسة المخولة بتنقية قوائم المرشحين لأى انتخابات من خصوم النظام، وتنقية التشريعات الصادرة عن مجلس الشورى من التشريعات المخالفة لعقيدته. مجلس صيانة الدستور هيئة صغيرة العدد، تتكون من اثنى عشر عضوا، يعين المرشد الأعلى نصفهم، بينما يرشح رئيس السلطة القضائية نصفهم الآخر، ليوافق عليهم مجلس الشورى. لكن ماذا لو نشب الخلاف بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى بشأن القوانين؟ يوجد فى النظام الإيرانى هيئة إضافية، هى مجلس تشخيص مصلحة النظام، والتى ينفرد مرشد الثورة بتعيين أعضائها، وتختص بالفصل فى النزاعات من هذا النوع.

اتساع نطاق النخبة الحاكمة، والتجديد المستمر لدمائها، وانتظامها فى مؤسسات منتشرة رأسيا وأفقيا هو من أهم ما يميز النظام الإيرانى رغم طابعه السلطوى. فالشعب الإيرانى ينتخب مجلس الشورى ليتولى التشريع ومراقبة الحكومة، وينتخب أيضا مجالس شورى محلية على كل المستويات الأدنى من المستوى الوطنى، وصولا إلى مستوى القرية، بما يتيح فرصة لتوسيع النخبة وتدريب واكتشاف وتصعيد الكفاءات السياسية. النظام الإيرانى فيه درجة عالية من تركيز السلطة، وفيه أيضا قدر كبير من التوازن بين السلطات. المرشد الأعلى فى النظام الإيرانى لديه قدر من السلطات أكثر من أى شخص أو جهة أخرى فى البلاد، لكنه فى الحقيقة لا يدير كل هذه الهيئات الخاضعة لسلطته، ولكنه يدير القيادات الإيرانية المسئولة عن إدارة هذه الهيئات. المرشد الأعلى لا يدير إيران، ولكنه يدير النخبة الحاكمة التى تدير شئون البلاد، فيحرص على تجديد دمائها، ومراقبة أداء أفرادها، وحفظ التوازنات بينها، فقوة النظام الإيرانى هى فى قوة نخبته.

فى النظام الإيرانى هناك مجالس وسلطات منتخبة متعددة على كل المستويات، لكن هذه المجالس المنتخبة يتم مراقبتها وتوجيهها من جانب مجالس وهيئات عدة غير منتخبة، فى حين تقوم المجالس غير المنتخبة بمراقبة بعضها البعض وموازنة سلطات بعضها، لمنع انفراد أى منها بالسلطة، وللتأكد من الالتزام بسياسة الدولة المتفق عليها، ولضمان حد مقبول من كفاءة الأداء، ومحاربة الفساد الذى عادة ما ينمو فى النظم المغلقة. التمثيل والمشاركة هو أهم التحديات التى تواجه النظام فى إيران، فالهوة بين النخبة وجمهور الناخبين تتسع. ينعكس هذا فى معدلات التصويت المتراجعة فى الانتخابات العامة. فبين 2016 و2024 تراجعت نسبة التصويت فى انتخابات مجلس الشورى من 60% إلى أقل من 41%، بما فى ذلك 8% من الناخبين الذين وضعوا بطاقات تصويت بيضاء فى الصناديق فى الانتخابات الأخيرة. على مستوى آخر، فإن النظام الدينى القائم فى إيران يحكم شعبا تشير قياسات الرأى العام إلى أنه أصبح أقل شعوب الشرق الأوسط تدينا. فاعلية النظام السياسى الإيرانى تظهر فى قدرته على مواصلة الإمساك بالسلطة بفاعلية، ولكن سيكون عليه التعامل مع تحدى انفضاض الجمهور وانكماش قاعدة تأييد النظام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى