د. جمال عبدالجواد: السياسة الخارجية للرئيس ترامب

د. جمال عبدالجواد 20-3-2025: السياسة الخارجية للرئيس ترامب
تطبق إدارة الرئيس ترامب سياسة خارجية غير تقليدية فى كثير من النواحى. تطبق إدارة ترامب سياسة خارجية قومية مستمدة من مبدأ «أمريكا أولا».الموازين التجارية الثنائية هى مكون أساسى لعقلية السياسة الخارجية للرئيس لترامب. لا يحتل الحلفاء والتحالفات مرتبة عالية فى السياسة الخارجية الأمريكية لإدارة ترامب بدلا من النهج الشبكى للسياسة الخارجية للإدارات الأمريكية السابقة، تطبق إدارة ترامب نهجا قوميا انفراديا. بدلا من نهج التعاون وتقاسم المسئولية مع الحلفاء للإدارات الأمريكية السابقة، تطبق إدارة ترامب نهج الاعتماد على الذات. بدلا من الثقة المتبادلة بين الحلفاء الديمقراطيين والغربيين، فإن لدى إدارة ترامب الكثير من الشكوك حول حلفاء واشنطن، المتهمين باستغلال الولايات المتحدة لمصالحهم الخاصة، سواء فى مجالات الدفاع أو الاقتصاد.
تسعى إدارة ترامب للحد من التزامات الولايات المتحدة الدفاعية تجاه الحلفاء، الذين يتم حثهم على تحمل مسئوليات أكبر فى الدفاع عن أنفسهم. ليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة ستستمر فى الوفاء بالتزاماتها الدفاعية والأمنية السابقة بنفس الطريقة، أو بطريقة مختلفة، أو ما إذا كانت ستحترم هذه الالتزامات على الإطلاق. الإشارات القادمة من الولايات المتحدة تجبر حلفاءها على صياغة استراتيجيات دفاعية جديدة، يتحملون بمقتضاها، جزئيا أو كليا، مسئوليات دفاعية أكبر.
تدفع إدارة ترامب الحلفاء إلى زيادة نفقاتهم العسكرية حتى يمكن تخفيف العبء الذى يتحمله الجيش الأمريكى. ينطبق هذا بشكل خاص على حلفاء أوروبا الغربية الذين من المتوقع أن ينفقوا أكثر، لا سيما لشراء أنظمة أسلحة أمريكية الصنع. فى آسيا تدفع أمريكا الحلفاء لزيادة إنفاقهم العسكرى، بينما تلوح بمطالبة اليابان وكوريا الجنوبية بتعويض الولايات المتحدة ماليا عن الحماية التى توفرها القوات الأمريكية المتمركزة فى هذه البلدان.
تمحو إدارة ترامب بفجاجة الفروق بين المجالين الاقتصادى والأمنى. نادرا ما استخدمت الولايات المتحدة فى الماضى ميزتها العسكرية لتحقيق مكاسب اقتصادية. على العكس من ذلك، فقد اعتادت الولايات المتحدة استخدام مواردها الاقتصادية لتعزيز مصالحها الاستراتيجية. تبتعد إدارة ترامب بشكل جذرى عن هذه التقاليد، وتذهب إلى التعامل مع الدفاع كسلعة تصدرها الولايات المتحدة وعلى المستفيدين دفع ثمنها. هذا هو التعريف الإجرائى لنهج الصفقات الذى يؤكد الرئيس ترامب براعته فى تطبيقه.
تميل إدارة ترامب إلى استخدام المزايا الاقتصادية التى تتمتع بها الولايات المتحدة كسلاح من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية عبر تكتيكات قسرية. بدلا من الالتزام بقواعد السوق الحرة والمنافسة، تستخدم إدارة ترامب سلطاتها السيادية لتحقيق مكاسب اقتصادية، بغض النظر عن اعتبارات الكفاءة الاقتصادية والإنصاف.
تسليح الاقتصاد وتسليع الدفاع هو النهج المفضل لإدارة ترامب. المفارقة هى أن مجموعة الأساليب التى تطبقها إدارة ترامب هى أكثر ملاءمة للضغط على حلفاء الولايات المتحدة وليس على أعدائها. البلدان المعتمدة على الضمانات الأمنية الأمريكية، وذات الاعتماد المتبادل مع الاقتصاد الأمريكى، هى الأكثر انكشافا أمام ضغوط إدارة ترامب.البلدان المتمتعة بفائض تجارى ضخم مع الولايات المتحدة هى أهداف مباشرة لابتزاز إدارة ترامب. يسرى ذلك بشكل خاص على القوى الدولية المتوسطة الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى كندا والمكسيك واليابان وكوريا الجنوبية. من المرجح أن يشمل ذلك أيضا البلدان ذات الفائض التجارى الهائل مع الولايات المتحدة والتى يعتمد نموها الاقتصادى بشكل كبير على السوق الأمريكية. تقع دولة فيتنام فى هذه الفئة.
من المرجح أن تتعرض دول الخليج المنتجة للنفط، المعتمدة بشكل كبير على الضمانات الأمنية الأمريكية، لضغوط من أجل تقديم مدفوعات أكبر بطرق مختلفة مقابل دعم أمنى أمريكى أكثر حزما؛ فيما تبدو القوى الأقل اعتمادا على الولايات المتحدة، والتى تتمتع بمزايا استراتيجية كبيرة، مثل الهند، تبدو أقل عرضة للتكتيكات العدائية لإدارة ترامب.
تستهدف الولايات المتحدة دولة جنوب إفريقيا بضغوطها لأسباب أيديولوجية وليس لأسباب اقتصادية أو عسكرية. تلتزم جنوب إفريقيا بمبادئ المساواة والعدالة العرقية، التى يمقتها الرئيس ترامب وأنصاره. يسعى حزب المؤتمر الوطنى الإفريقى الحاكم فى جنوب إفريقيا إلى تصحيح الظلم التاريخى الذى عاناه السود فى جنوب إفريقيا، وهو مبدأ آخر تعارضه حركة «ماجا» المحافظة فى الولايات المتحدة. أكسب الدور القيادى الذى تضطلع به حكومة جنوب إفريقيا فى انتقاد السياسة الإسرائيلية فى غزة جنوب إفريقيا غضب المحافظين الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل.
عوضا عن سياسة إفريقية عامة، سيتطور اهتمام الولايات المتحدة بإفريقيا بشكل انتقائى لأسباب استراتيجية واقتصادية. استراتيجيا، يمكن للموقع الجيواستراتيجى لعدد قليل من البلدان أن يجذب انتباه الولايات المتحدة. يسرى هذا بشكل خاص على بلدان القرن الإفريقى وشرق إفريقيا. اقتصاديا، هناك العامل الخاص بالمعادن النادرة، إذ تشير التقديرات إلى أن إفريقيا تحتوى على نحو 30% من المعادن النادرة فى العالم، خاصة فى جمهورية الكونجو. أما فيما يخص البلدان الإفريقية الأخرى فالأرجح أن تبقى مفتوحة للعلاقات مع الصين. مع صعود رئاسة ترامب الثانية، انتهى عصر العولمة والتجارة الحرة وعادت سياسة مناطق النفوذ. النظام الليبرالى الدولى آخذ فى الاضمحلال. والأمر متروك للقوى الديمقراطية المتوسطة للمساعدة فى إنقاذ ما تبقى من هذا النظام. على أوروبا التعاون بشكل أوثق مع اليابان وكوريا الجنوبية فى مجالات التجارة والتكنولوجيا والدفاع حفاظا على بعض من النظام الليبرالى الدولى.