د. امطانس شحادة: عبر أولية من أزمة الائتلاف الحكومي الاسرائيلي
بقلم : د. امطانس شحادة*، موقع عرب ٤٨ الاخباري ١٧-٣-٢٠١٨م
انتهت أزمة الائتلاف الحكومي قبل أيام، ورست على توافق بين مركبات الحكومة عنوانها الحفاظ على الحكومة، ولو مؤقتا لغاية الأزمة المقبلة. هذه الأزمة المفتعلة لم تسير وفقا لغايات نتنياهو، ولم تحقق أهدافه بالذهاب إلى انتخابات مبكرة سريعة تثبت حكمه لعدة سنوات قادمة، وقد تمنع الإطاحة به بعد تقديم لوائح اتهام ضده، أو على الأقل تقلل من وقعها السياسي.
تحمل هذه الأزمة عِبَرا عديدة لا بد لنا من رصدها وتفكيكها، كونها تفسر الحالة السياسية والتحولات في المنظومة الحزبية الإسرائيلية، والتي تحدد طبيعة المشهد السياسي الحالي وقد تحدد نتائج الانتخابات القادمة وهوية الحكومة.
العبرة الأولى هي أن اليمين الإسرائيلي كمشروع سياسي مهيمن، متمسك بالسلطة، وسيحارب بشدة للبقاء فيها، كونه يحقق إنجازات “تاريخية”، من وجهة نظره، وغير مستعد لاتخاذ أي خطوة قد تهدد هذه الإنجازات أو المغامرة بها في هذه المرحلة. المغامرة الانتخابية أقلقت حزب “البيت اليهودي” (بينيت وشاكيد) و”شاس” (درعي) و”كولانو” (كحلون) وربما “يسرائيل بيتينو” (ليبرمان)، كما أعلنوها بشكل صريح.
من أبرز الإنجازات التي حصدها معسكر اليمين، من منظور اليمين، هي العمل على تثبيت الطبيعة اليهودية الصهيونية لدولة إسرائيل، وتعزيز حضور وسيطرة أذرع اليمين في مؤسسات الدولة ومفاصل صناعة القرار والوعي الجمعي، وتقليص تدخل المحكمة العليا بالقضايا السياسية والتشريع، والعمل على إغلاق ملف الفلسطينيين في الداخل، وإغلاق ملف السيطرة على مناطق ج في الضفة الغربية، وتأبيد مكانة السلطة الفلسطينية كأداة لإدارة الحياة اليومية في التجمعات السكانية الكبيرة في مناطق الضفة، وتحطيم أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة، وضم القدس وفصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية بشكل نهائي؛
العبرة الثانية هي أن مركبات الائتلاف اليميني لم تنجز بعد مهامها الملحة، من وجه نظرها، وتحتاج إلى مدة زمنية معقولة لتثبيت سيطرتها وإنجازاتها وتحويلها إلى أمر واقع يصعب تغييره حتى لو خسرت الحكم. إذ يرى اليمين أن هذه الفترة تشكل فرصة تاريخية لتحقيق أهدافه، وممنوع التفريط بها لأسباب تافهة. الإطار الزمني مهم جدا بالنسبة لليمين، ويعرف أنه يصعب التحكم بمداه. بهذا المعنى غَلبَ اليمين الإسرائيلي المصالح الجماعية على مصالح حزبية لمركبات الحكومة؛
العبرة الثالثة هي أن الأزمة داخل الائتلاف لم تنته بشكل حقيقي ونهائي، وحلها بهذه الصيغة لم يلغ أسباب نشوبها، وقد فرض الشركاء الحل على نتنياهو الذي اقتنع أن الاستمرار بالتعنت والذهاب إلى الانتخابات، رغم معارضة الشركاء، قد يفقده القدرة على تشكيل ائتلاف بعد الانتخابات القادمة. بهذا المعنى فإن الأزمة أُجلت إلى أن يتم ترتيب الأوراق داخل مركبات الائتلاف، والتحضير بشكل لائق للانتخابات؛
العبرة الرابعة تتعلق بالتغيرات في المنظومة السياسية والحزبية في إسرائيل. أبرزها أن المنافسة السياسية الحقيقية على قيادة الحكومة ستكون داخل معسكر اليمين (يمكن اعتبار يائير لابيد وحزبه “يش عتيد” حزبا يمينيا معتدلا وفقا لبرنامجه السياسي) ذاته، وليس بين معسكر اليمين ومعسكر الوسط أو ما تبقى من “اليسار”. هذا نتيجة للتحولات في الثقافة السياسية ومواقف المجتمع الإسرائيلي ونمو إجماع جديد يدور في فلك البرامج السياسية لليمين واليمين المتطرف في إسرائيل. كافة أحزاب اليمين المتطرف واليمين ويمين الوسط تتفق إلى حد بعيد في برامجها السياسية في الشأن السياسي: هوية إسرائيل، واحتلال الأراضي الفلسطينية عام 67، وطبيعة الحل السياسية الاقتصادية، ومكانة العرب في إسرائيل؛
العبرة الخامسة أن طبيعة المنافسة الانتخابية القادمة ستتمحور حول التصدع الجديدة داخل معسكر اليمين ذاته. هذه النتيجة هي تحصيل حاصل للتحولات في طبيعة التصدعات والتوافق السياسي داخل المجتمع الإسرائيلي. فبالإضافة إلى نمو توافق في المحور السياسي والأمني نمت خلافات أو تصدعات جديدة داخل المعسكر اليميني، تدور بالأساس حول علاقة الدين بالدولة، التجنيد وتقاسم العبء، ومكانة الأحزاب الحريدية وتأثيرها على السياسات في إسرائيل.
من المفروض أن نستوعب نحن الفلسطينيين في الداخل والأحزاب العربية الفاعلة في إطار المنظومة السياسية والحزبية في إسرائيل، هذه العبر، وأن نبني عليها إستراتيجيات عمل جديدة. طبيعة المعارك والنضال السياسي ستكون مختلفة عن السابق، ولا يمكن أن نستمر في التعامل مع المشهد السياسي والحزبي في إسرائيل على أنه منقسم بين يسار ويمين.
فعلى أرض الواقع هناك إجماع سياسي واسع من جهة وصراع ونقاش حقيقي داخل معسكر اليمين ذاته في مواضيع وتصدعات جديدة، وهو الذي سيحسم نتيجة الانتخابات القادمة وطبيعة النظام. المطلوب مواجهة هذا الإجماع الإسرائيلي بإجماع فلسطيني داخلي يستوعب التمايز والخلافات السياسية القائمة. وبالإمكان تحقيق ذلك. حينها نخوض المعركة الانتخابية القادمة حول مستقبل المشروع الوطني والثوابت الوطنية للفلسطينيين في الداخل، وليس فقط لإسقاط اليمين أو تبديل الحزب الحاكم.