أقلام وأراء

د. اسعد عبد الرحمن يكتب – «نورد ستريم 2».. تباينات غربية

د. اسعد عبد الرحمن – 18/6/2021

خط الغاز «نورد ستريم 2»، المشروع العملاق الذي وافقت عليه الدول الأوروبية المجاورة لألمانيا، ويتوافق مع القانون الأوروبي، هو خط أنابيب يمتد من روسيا إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق، ويكتمل هذا العام رغم معارضة واشنطن الصريحة. ومن المقرر أن يضاعف خط الأنابيب الذي تبلغ تكلفته 10 مليارات يورو (11 مليار دولار) شحنات الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا.

ومن المثير في خلفيات هذا المشروع أنه في عام 2005 أبرم المستشار الألماني آنذاك (غيرهارد شرودر) والرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) هذه الصفقة. وبعد وقت قصير من تولي أنجيلا ميركل السلطةَ، قامت شركة الطاقة الروسية العملاقة «غازبروم» (شركة حكومية) بتعيين شرودر رئيساً للجنة المساهمين للشركة المستثمرة لأنبوب الغاز «نورد ستريم». وفي عام 2016، أصبح شرودر رئيس مجلس إدارة شركة خط أنابيب الغاز الروسي «نورد ستريم 2»، والتي تعد شركة «غازبروم» المُساهم الوحيد فيها.

وحتى اليوم، ما زالت الأصوات ترتفع مطالبةً ألمانيا بوقف المشروع، في ظل تصاعد التوتر مع روسيا بشأن العديد من الملفات الخلافية. لكن من المرجح أن برلين غير راغبة بذلك، بعد نجاحها في فصل القضايا التي تحمل تباينات مع روسيا عن المشروع الاقتصادي المهم الذي شارف على الانتهاء، حيث بذلت ميركل كل جهدها لإخراج «نورد ستريم 2» وفك الارتباط بينه وبين القضايا السياسية العالقة أوروبياً مع روسيا. وتنبع حماسة الزعيمة الألمانية من أن المشروع يوفر على المواطنين الألمان الكثير من الأموال، وأن الاستغناء عنه يعني الحصول على الغاز من المصادر التقليدية الأُخرى بتكلفة أعلى. وبحسب الباحثة المتخصصة «فرانسيسكا أوغستين» في حديث لمجلة «شبيغل أونلاين»: «خط الأنابيب الذي يمر عبر أوكرانيا إلى أوروبا ثُبِّتت عليه العديد من محطات الضغط التي تعود إلى فترة الاتحاد السوفييتي السابق وباتت قديمة، ولم تجر صيانتها بشكل صحيح منذ ذلك الحين، وبات ضغطها أقل، كما لم يعد بعضها مغلقاً تماماً ما يسبب تسرباً لغاز الميثان».

وتَظهر في هذا المشروع المصالحُ المتباينة بين الدول الأوروبية. فمثلاً، بولندا التي لا تثق بسياسيي روسيا وألمانيا، أعلنت أنها تفضل شراء الغاز من النرويج عبر خط أنابيب جديد قيد الإنشاء، أو غاز التكسير الصخري الأميركي الذي يتم تسليمه عن طريق السفن. بدورها تعتمد فرنسا على العديد من محطات الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء والطاقة، يمكنها الاستغناء عن الغاز الطبيعي من روسيا، مع أن شركة «أنجي» الفرنسية تمتلك حصة في «نورد ستريم 2»، ورغم ذلك تواصل مطالبةَ ألمانيا بوقف المشروع. كذلك تعارضه هولندا التي تحصل ألمانيا منها أيضاً على الغاز، حيث ستتضرر اقتصادياً.

أما الموقف الأميركي الذي جاء على لسان الرئيس جو بايدن صراحةً بالقول إنه «يعارض المشروع»، فقد بات اليوم متبايناً! فقبيل القمة بين الرئيسين الأميركي (بايدن) والروسي (بوتين)، ألغت واشنطن عقوباتها المفروضة على الشركة التي تبني المشروع، فيما تعالت أصوات «جمهوريين» داخل الكونغرس معتبرةً التراجع «جائزة جيوسياسية كبرى للكرملين». وبحسب «مايكل ماكول»، العضو الجمهوري البارز في مجلس النواب، فـ«إنه مشروع نفوذ روسي مغرض يهدد بتعميق اعتماد أوروبا على موسكو في مجال الطاقة، ويجعل أوكرانيا أكثر عرضة للسيطرة الروسية، ويوفر مليارات الدولارات لخزينة الكريملين».

إذن، رغم وجود الاتحاد الأوروبي، الذي تحكمه قواعد وقوانين شفافة، فإن المشكلة الجوهرية تظل متمثلة في تفضيل الدول الأوروبية التصرف بقرارات أحادية فيما يتصل بمسألة الطاقة، وليس التضامن في مواجهة الشركاء الخارجيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى