د. احمد يوسف يكتب – إلى الأستاذ خالد مشعل.. سؤال الانتخابات ومسطرةِ للقياس؟!
بقلم د. أحمد يوسف
مرة أخرى، أعاود طرح الأسئلة على الأستاذ خالد مشعل، القيادي الحركي والسياسي المخضرم لحركة حماس، وما زال في جعبتي الكثير..
لن أكترث كثيراً بمخاطبة الآخرين من إخواني في قبادات الحركة، حيث سبق وأن أسديت لهم الكثير من النصح، وأثقلت عليهم لأكثر من عقد من الزمن. لذا؛ سأوجه تساؤلاتي إلى الشخص الذي قاد الحركة لعشرين سنة، وكان من أبرز وجوه إنطلاقتها قبل 33 عاماً مع الشيخ الشهيد أحمد ياسين والدكتور موسى أبو مرزوق والمهندس حسن القيق (رحمه الله)، والذي كان خلال عُهدته التنظيمية قد سجَّل الكثير مما يُحسب له كإنجازات على المستوى الحركي والوطني وفي الساحتين العربية والإسىمية، وأيضاً كإخفاقات وعجز عن إصلاح النظام الانتخابي للحركة، مما أقعدها على قيادات شاخت واسترخى الكثير منها، بل واستمرأت بهجة السفر والكلام، وجرَّت على الحركة الكثير من اللغط وإحراجات السؤال: أين التغيير؟ وأين الشباب؟ وما جدوى الانتخابات إذا كانت مجرد “إعادة تدوير” لوجوه بعض الشخصات التاريخية، وكأن لسان حال هذه الحركة العتيدة يرد على من يطالب بمولود جديد، بالقول: أَألدُ وأنا عجوزٌ عقيم؟!!
أخي وصديقي أبا الوليد.. أعرف أنيِّ أُثقل عليك في الكثير مما أقول، ومن وضعك دون غيرك “في بوز المدفع” كما يقولون!! ربما السبب في ذلك هو صداقتنا الطويلة، ومعرفتي بسعة صدرك وتحملك للنقد وتقبل النصيحة أكثر من غيرك، وفي النهاية فإن العبرة هي في أبعاد القصد: “إيَّاك أعني وافهمي يا جارة”.
الاستحقاق الإنتخاباتي والمسطرة المفقودة!!
في حقل التعليم هناك ما نلجأ إليه من معايير لقياس درجات الطلاب والتمييز بينهم، ليأخذ كل ذي حقٍ حقه في المكانة والجدارة.
للأسف، رغم المناشدات والاقتراحات التي يتم طرحها بخصوص إنتخابات الحركة وضرورات تطوير آليات المفاضلة والقياس، إلا أن أحداً لم ينجح في فرض شكلٍ مُعدَّل أو جديد مما تمَّ عرضه للمساهمة في العثور على تلك “المسطرة الذهبية”، التي تتضح معها معايير قياس النجاح أو الفشل في إدارة شؤون الحركة، والتي أثبتت آلياتها الحالية أنها لا تصلح للمعاينة والقياس، حيث أكل عليها الدهر وشرب، وأن مخرجاتها لا تتجاوز إلا تكريس شخصيات لا نعرف كيف نُقيِّم أداءها، وإن كانت المؤشرات العامة للتقييم غير مشجِّعة، ولا تبعث على الاطمئنان على مستوى الحركة أو الوطن!!
ويبقى التساؤل المشروع لكلِّ كادر في الحركة: على أيِّ أساس نبني خياراتنا؟ وكيف بإمكاني أن أصوّت لشخصٍ تاريخي تتفاوت تقييماتنا له، وأن كلَّ الذي نعرفه عنه أنه خطيبٌ مفوه، أو داعيةٌ أخذ السجن من عمره سنين!!
لماذا أُحرم من حق التعرُّف على قدرات عطائه الفكري وحضوره الإقليمي والدولي، وما يمتلكه من تجربة ورؤية نضالية للخلاص الوطني؟ وهل سنوات حضوره في الدائرة الحركية المتقدمة أو مشهد الحكم والسياسة تكفي معياراً لمسطرة التقييم والقياس؟ وهل الذين عوَّدونا استواء مواقفهم بين “اللاء والنَعمُ” أهلاً للجدارة وتصدر القيادة؟!
من خلال معافستي الحركيّة، ولأكثر من 50 عاماً في مواقع الحركة المختلفة؛ من فردٍ في أسرة أواخر الستينيات، إلى شخصٍ توسَّد سُلَّم القيادة من قاعدته إلى قرب سنامته، أقول: إننا كحركة إسلامية لم نكن -في السابق- نكترث أو نختلف كثيراً في خياراتنا عمَّن سيقود المركب، ويمضي بالركب؛ لأن “سُراة القوم” في زمن ما قبل الحكم والتمكين كانوا يتكافئون في المكانه والمهابة والمثابرة والنباهة والتضحيات، وكانت الأعباء والإمكانيات متقاربة. أما اليوم، وبعد أن ولجنا عالم السياسة، وصرنا أحد واجهات الحكم ومُلَّاك المصير لمستقبل شعبنا وقضيتنا الوطنية، وأن موقع الرجل الأول تنبني عليه اتجاهات المواقف والقرارات.. لذا، فإن ما كنَّا نتراضى عليه في الماضي لم يعد يصلح لمشهدٍ نستشرفه، وتعتمد عليه فرص التمكين وقدرات الانتصار أو تضيع وتنهار.
غازي حمد.. صرخةٌ في واد!!
قبل أن يطوي عام 2020 أشرعته بيوم واحد، نشر الأخ والصديق العزيز د. غازي حمد؛ القيادي في حركة حماس، مقالاً بعنوان: “انتخابات حماس.. بين النمطية التقليدية والتجديد المطلوب”، حيث طرح عدة أسئلة مسكونة حروفها ومعانيها بالشكِّ والتوجس والقلق، قائلاً: ينتظرون ويترقبون عمَّا ستُسفر عنه انتخابات حركة حماس الداخلية!! في الحقيقة، إنَّ السؤال المهم والأهم والأجدى للطرح هو: ما الذي يتغير بعد كل دورة إنتخابية من تجديد رؤى وسياسات واعتماد خطط وتحقيق إنجازات, وهل ينعكس ذلك على الوضع التنظيمي والحالة الوطنية؟!
ثم يحاول الرد على سؤاله وتفريغه من زفرات الشكِّ التي سكنته، بالقول: منذ أعوام وحركة حماس تجري إنتخابات دورية- تقليدية- أفرزت العديد من الهيئات والقيادات السياسية المتتالية, لكنها, بالعموم, لم تكسر الروتين الذي دأبت عليه منذ عقود، ولم تُحدث تغييرات جذرية على مستوى النهج التنظيمي بكل تفريعاته ونشاطاته, وكذلك على مستوى إصلاح الحالة الوطنية بشكل عام, وظلَّت الأمور تسير بنهج روتيني ركَّز على زيادة القوة البشرية والعسكرية للحركة.
ثم يستدرك قائلاً: “صحيحٌ أنها إنتخابات ديمقراطية, وسِمة مميزة للحركة, وإن كانت تشوبهاً من وقت لآخر بعض الشوائب التي تُنغِّص حلاوتها وتُضيِّع بهجتها, لكنَّ مشكلتها الرئيسة والجوهرية تكمن في أنها إنتخابات نمطية تقليدية غير متجددة”.!!
ويخلص د. حمد قائلاً: “إن هذه النمطية التقليدية غير المتجددة فرضت حصرَ نتائج الإنتخابات في اختيارات وخيارات محدودة في إطار الفهم والعمل التنظيمي المجرد, الذي يفرز الأعضاء والقيادات حسب مفاهيم تنظيمية روتينية تمَّ الاعتياد عليها منذ نشأة الحركة, وهي غير مرتبطة بالحالة الوطنية أو بدرجة الوعي السياسي, أو حتى بالكفاءات والمهارات الإدارية والمهنية”.
ومن جديد، يعاود د. حمد نبش المشهد المأساوي الذي عليه الحركة، بالقول: “إن قاعدة حماس, وبعد 33 عاماً من العمل التنظيمي والسياسي والإجتماعي, لم يتبلور لديها فكرٌ أو رأيٌ في توسيع أفقها الإنتخابي, من حيث فتح باب التنافس الإبداعي بين الأعضاء في طرح الرؤى والأفكار, والمزاحمة في إصلاح الوضع الحركي, أو المدافعة في اجتراح معالجات وطنية ذات جدوى, ودأبت على التسليم أو القبول بالتغييرات الطفيفة غير الجوهرية. ولهذا فان الإنتخابات غالباً ما تتحول إلى (نسخة كربونية), تتكرر فيها القيادات، ويتكرر فيها العمل والنشاط التنظيمي دون أن يُترجم ذلك إلى تغيير حقيقي وملموس”.
ويختم د. حمد مقاله الرائع الذي أصاب فيه بِمبضع كلماته كبد الحقيقة، والذي أشاطره الكثير مما جاء فيه، قائلاً بكل صراحة ووضوح: “إن الانفتاح وزيادة الوعي وتحويل الإنتخابات إلى حلبة تنافس فكري وسياسي وساحة استعراض للمنجزات, بعيداً عن الشعارات الفضفاضة, هو المفتاح والحل لرفد الحركة بدم جديد، وقدرات مبدعة وخلَّاقة، تُسهم في خلق نهضة حركية حقيقية في جميع النواحي, الفكرية والسياسية والإدارية”.
من الجدير ذكره، أن هناك أسئلة كثيرة يطرحها البعض من محبي هذه الحركة، والحريصين عليها كأيقونة تضالية، تستدعي من هذه الشخصيات التي تطرح نفسها للقيادة أن تجيبنا عنها، وخاصة أن هذه الإنتخابات ربما هي الأكثر أهمية وحساسية على المستويين الحركي والوطني، وختى ما يخص علاقات حماس الإقليمية والدولية.
لماذا أقول ذلك وأجهر به؛ لأن ما تحدَّث به د. حمد وأفصح عنه هو في الحقيقة دردشات مجالس أغلب نخب الحركة الفكرية والنضالية، وأن حالة التناجي والفضفضة قد اتسعت حلقاتها وعلت وشوشاتها حتى بين كوادر الحركة العاديين، وأصبح الهمس يخرج للعلن كمحاولة متواضعة لقرع جدار الخزَّان، حبث إن مآلات المشهد الذي عليه أحوالنا، من حيث كارثية الأوضاع السياسية والمعيشية، وغياب الرؤية الوطنية الاستراتيجية الجامعة، لم تعد تتحمل إطالة الصمت والتسليم بحسابات الأوهام .
وعليه؛ فإننا بانتظار إطلالة جديدة، نعايشها في سياق جدلية “تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة”، حيث نأمل أن تكون الإنتخابات القادمة هي “نقلة نوعية” في اختيارات حماس لقيادتها، والتجديد في آليات عملها الوطني، قبل أن يحطَّ الليل بكلكله، وتضيع في ظلامه الدامس أحلامنا في التحرير والعودة.