أقلام وأراء

د. احمد رفيق عوض يكتب – أهالي بيتا

بقلم  الدكتور احمد رفيق عوض* – 28/6/2021

القهر الذي يعتمل في صدور أهالي بيتا وهم يشاهدون سرقة جبلهم الأصبح جهاراً نهاراً، والغيظ الذي يعتمل في قلوبهم وهم يرون أن القوة الغاشمة تصادر شمسهم وقمرهم وتلالهم القديمة وأكتاف جبالهم، يجعلهم قادرين على احتمال كل شيء، القتل واللؤم والحصار وقضاء الليالي في حماية جذوع أشجارهم والسلاسل الحجرية التي بناها أجدادهم.

في تلك القرية الوادعة التي ترتمي بين أحضان الوادي وأذرع الجبل، وبين تلك التلال القديمة التي تدفعك إلى تذوق حكمة التاريخ وتقلب الأيام، ينهض أهالي بيتا وما جاورها من بيت دجن والقرى الأخرى للدفاع عن جبلهم الأصبح وواديهم الأملح، يجترحون في ذلك قصص بطولة وحكايات تضحية، ويصوغون للناس جميعاً كيف يكون حب الأرض والدفاع عنها والإيمان بها، لا يبخلون على أرضهم وترابها وهوائها بعزيز أو ضمين، ولم ينكسروا ولم يهنوا ولم يخافوا، تقدموا إلى قلب الضبع بلا مهابة ولا وجل، وعضوا على الجرح النازف واستمروا.

هذا هو شعبي، يقوم بعد العثرات، ويتواصل بعد الانكسارات، مؤمن حتى شغاف القلب بقدره واقتداره، ملتزم بشروط الزمان والمكان، لم يهرب ولم يتكاسل ولم يتوانَ لحظة واحدة.

في بيتا وبيت دجن، ذابت الفروق بين الأسماء والجهات والحارات والعشائر، وذابت المماحكات الصغيرة والتنافسات الآنية، وذابت أكوام الجليد ومُلئت فجوات التوجس والنفور. هذا ما يوحد الناس، وهذا ما يجمعهم، محبة الأرض وتهيئة الحاضر لبناء المستقبل.

هذا هو شعبي، وهذه هي ثقافته الحية والباقية، ثقافة الميلاد والتجدد، ثقافة الانبعاث والقوة والحيوية، والمعرفة التامة والراسخة بأن هذا المكان هو أساس هذه الهوية وهذه الثقافة. المكان امتداد ومداد الروح والصورة والنموذج، والمكان مكانة للأمة وامكاناتها.

أهالي بيتا، صغيرهم قبل كبيرهم، يقدمون لنا الحل الأمثل للخروج من أزمات الثقة والانقسام والتردد والانتكاس، ويعطوننا الأمل في تجاوز الخلاف والتنابذ والتشاتم والاتهام، وهم يرسمون بجلودهم ودمعهم وعظامهم صورة الشعب الفلسطيني، وينضمون بذلك إلى أهالي نعلين وكفر قدوم، ويؤلفون القافلة الطويلة من العطاء التي يقودها أهل القدس الغر الميامين، اولئك الذين يحاصرون حتى اللقمة الأخيرة، والذين يسرق منهم هناءهم وهواءهم وأمنهم وبيوتهم.

هؤلاء شعبي الذين نتجاوز بهم حلكة الوقت وعتمة الواقع.

*رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى