د. إبراهيم أبراش: كيف يعيش الناس في قطاع غزة بعد عامين من الحرب؟

د. إبراهيم أبراش 5-102-2025م: كيف يعيش الناس في قطاع غزة بعد عامين من الحرب؟
لا أتحدث هنا عن الأحوال السياسية والاجتماعية العامة ولا عن حرب الإبادة والتدمير والجوع وكل ما تتناقله الأخبار وتنقله الفضائيات، بل عن مصدر رزق الناس ومن أين يأتون بالمال لتلبية احتياجاتهم الضرورية بعد عامين من الحرب وفي ظل شبه انعدام لكل شيء أو توفره بأسعار خيالية؟
في قطاع غزة فقد أكثر من 90% من السكان مصدر رزقهم بعد الحرب. الفلاح فقد أرضه بسبب الاحتلال أو أصبحت غير صالحة للزراعة بسبب أعمال الجيش وتدمير آبار المياه ،والعمال فقدوا أعمالهم نتيجة النزوح المتواصل وتدمير كل المصانع وورش العمل ،والتجار أغلقوا محلاتهم بسبب النزوح وفقدان البضائع وغياب المشترين ،والطبقة الوسطى من أطباء وأساتذة جامعات ومدرسين ومحامين ومهندسين الخ فقدوا مصدر رزقهم أيضاً، ورجال الأعمال دُمرت مصانعهم وتعطلت مشاريعهم التجارية من استيراد وتصدير ، والعاملون في مجال الصيد البحري فقدوا عملهم بسبب إغلاق البحر أمامهم واستهدافهم من البوارج الحربية العسكرية،
وحتى النسبة القليلة ممن تبقى من موظفي السلطة الفلسطينية وعددهم لا يزيد عن 25 الف يتلقون 50% من الراتب وعند سحبها أو التصرف فيها تنقص إلى النصف بسبب انعدام السيولة وجشع الصيارفة والتجار، كما أن وكالة الغوث ( الأو نروا) أوقفت تقديم المساعدات الغذائية الأساسية لغالبية سكان القطاع من اللاجئين، وهناك عدد محدود من موظفي المنظمات الدولية وخصوصاً الأونروا أو العاملين مع وكالات الأنباء والفضائيات الأجنبية ،أيضا كانت نسبة لا بأس بها من السكان المنتمين للأحزاب والفصائل كحركة حماس والجهاد وكل فصائل منظمة التحرير يتلقون رواتب ومساعدات عينية وتوقفت وقت الحرب.
كما أن أقل من 30% يعيشون في منازل حجرية أو أطلال منازل إما مملوكة أو مستأجرة، والبقية في خيام لا تحميهم برد الشتاء ولا حر الصيف حتى هؤلاء فقدوا القدرة على شراء خيام أو استئجار أرض لنصب خيامهم، وكل القطاع تقريبا لا يتوفر على شكات مياه للشرب أو مجاري للصرف بالإضافة الى قطع الكهرباء وتعطيل الدراسة في الجامعات والمدارس لمدة عامين وتدمير المستشفيات وانعدام الخدمات الطبية وفقدان أعلب الكفاءات من الأطباء والمهندسين والعلماء وأساتذة الجامعات إما بالموت أو الأسر أو الهجرة ، وتقارير المنظمات الدولية تتحدث عن كل ذلك بالتفصيل.
ومع ذلك توجد طبقة أو فئة محدودة العدد اغتنت وقت الحرب وجمعوا الملايين على حساب معاناة الشعب، وهؤلاء من لصوص وتجار المساعدات الخارجية وممن يطلقون على أنفسهم صفة المبادرين الذين يفتحون حسابات في دول أجنبية لجمع تبرعات لأهالي غزة ممن فقدوا أبناءهم أو هُدمت بيوتهم، أو لبناء مستشفى أو مسجد أو مدرسة أو مراكز إيواء وإطعام للجياع الخ وجمعوا الملايين ولم يصل منها للمعوزين إلا أقل القليل وهناك أسماء معروفة يتداولها فلسطينيو القطاع، أيضا الصيارفة الذين يخصمون ما يصل لنصف المبلغ على كل تحويلة مالية .
والخلاصة أن الغالبية العظمى من سكان غزة تحولوا لمتسولين إن وجدوا مُحسناً دولياً يتصدق عليهم أو يتدافعون حول مراكز الموت الأمريكية التي توزع بعض المساعدات ويومياً يتم قتل العشرات في محاولتهم الحصول على كيس طحين أو بعض المعلبات، وفي مخيمات وخيم النزوح في المواصى والمنطقة الوسطى زالت الفوارق الطبقية والنفسية بين الطبقات وتجاور وتشارك من كان اقطاعيا او رأسماليا والطبيب واستاذ الجامعة مع ابن المخيم والعربنجي والكندرجي والطوبرجي وعامل النظافة، والجميع يصطفون في الطوابير أمام التكيات للحصول على وجبة عدس أو أرز !.
عندما يصبح هذا حال الشعب فلا نستغرب ظهور بعض مظاهر انهيار المنظومة القيمية الأخلاقية التي طالما كان يفتخر بها أهالي عزة، فمع الصراع من اجل البقاء ومحاولة توفير الطعام للأبناء يصبح كل شيء مباحا حتى …. كما لا نستغرب رفض السكان للاحتلال ولسلطة حماس معا وترحيبهم بأية مبادرة لوقف إطلاق النار حتى بمبادرة ترامب.
هذا الواقع المؤلم لا ينفي وجود مظاهر بطولة وشجاعة وكرم وصمود أشتهر بها أهالي القطاع وكل الشعب الفلسطيني، لكن للشعب قدرة على الصبر والصمود.