د. إبراهيم أبراش: في ذكرى اغتيال أبو عمار: مقاربة مغايرة وتساؤلات خارج الصندوق
د. إبراهيم أبراش 11-11-2025: في ذكرى اغتيال أبو عمار: مقاربة مغايرة وتساؤلات خارج الصندوق
بعد مرور 21 سنة على اغتيال الرئيس أبو عمار ما زالت كثير من التساؤلات دون إجابة، والأمر لا يتعلق في معرفة القاتل فالكل يعرف انه إسرائيل وشارون تحديدا وكان لإسرائيل محاولات سابقة لاغتيال أبو عمار أثناء تواجده في بيروت ثم أثناء تواجده في تونس في عملية حمام الشط عام 1985، والقيادة الفلسطينية بعد أبو عمار تعرف ذلك ودول عديدة تعرف خصوصا الولايات المتحدة ومصر والاردن وفرنسا وغيرها ولكن هذه الدول ضغطت على الرئيس أبو مازن، أو توافقت معه، على عدم الإعلان رسميا عن مسؤولية إسرائيل حتى لا يؤثر ذلك على عملية السلام والمفاوضات التي ما زالت جارية بين المنظمة وإسرائيل حول قضايا الوضع النهائي، فكيف ستستمر المفاوضات مع دولة قتلت الرئيس؟ وما هي الأدوات والقدرات التي تملكها السلطة والمنظمة للرد على اغتيال الرئيس؟ وخصوصا أن الرئيس أبو مازن كان معنيا باستمرار عملية المفاوضات والتمسك باتفاق أوسلو الذي هو مهندسه.
لم تكن مهمة اللجنة الفلسطينية المكلفة بالتحقيق برئاسة توفيق الطيراوي معرفة ما إن كانت إسرائيل هي القاتل وكيف تم الاغتيال حيث أصبح معروفا أنه تم اغتياله بمادة البولونيوم المشعة وإسرائيل وحدها تملك هذه المادة ، ولكن كانت جهود اللجنة منصبة على معرفة شركاء إسرائيل الذين أوصلوا هذه المادة للرئيس وهو محاصر في المقاطعة، والشكوك كانت حول طرف فلسطيني متورط، وحسب ما سمعناه من الطيراوي ان لجنة التحقيق توصلت لأسماء مشكوك بضلوعها في عملية الاغتيال ولكن هناك جهات غليا فلسطينية تدخلت لإيقاف التحقيق معهم وبعضهم هرب خارج البلاد ، وسواء كان صمت اللجنة حتى الآن جبناً وخوفاً أو تواطؤاً فهي مخطئة وشريك في إخفاء الحقيقة. وإذا عجزت أو صمتت أو تواطأت لجنة الطيراوي في كشف الحقيقة فلماذا تصمت قيادات حركة فتح ومنظمة التحرير الذين كانوا ملازمين للرئيس وبعضهم من القادة المشاركين معه في تأسيس حركة فتح وانطلاق الثورة؟
ولكن ما أرغب الحديث عنه ليس من اغتال الرئيس بل لماذا اغتالت إسرائيل أبو عمار؟ وهل قصة السفينة كارين A صحيحة حيث لا توجد غير الرواية الإسرائيلية حولها؟ أم كانت مجرد ذريعة للاغتيال ولكل ما ترتب بعده كما جرى عندما اتهمت واشنطن العراق بامتلاك أسلحة نووية وأنه يدعم الإرهاب لتبرر تدمير العراق ثم احتلاله واعدام صدام حسين؟
وهنا نتساءل هل بالفعل أن أبو عمار قرر الخروج من عملية السلام والعودة للكفاح المسلح بينما ما زال مشاركاً في عملية المفاوضات وكان على تواصل مع الإدارة الامريكية؟ وكيف يمكن للرئيس اتخاذ قرار العودة للكفاح المسلح وهو قرار مهم وخطير دون التشاور مع القيادة وخصوصاً مركزية فتح؟ ولماذا تم توجيه تهمة المشاركة في عملية السفينة للشوبكي وحده وهو المعروف أنه مسؤول مالي في حركة فتح ولا علاقة له بالعمل العسكري؟
فعندما قرر ياسر عرفات الدخول بعملية التسوية السياسية تشاور مع المركزية والتنفيذية وحتى أثناء المفاوضات السرية في أوسلو كان دائم التشاور مع قيادات في اللجنتين، فهل يُعقل أن يكون اتخذ قرار العودة للكفاح المسلح منفرداً؟ وكيف سيعود للكفاح المسلح ويجلب سفينة أسلحة دون أن تكون لديه استراتيجية ورؤية وأدوات تنفيذية ميدانية ودون علم قيادات في حركة فتح؟ أم أنه اتخذ قراره منفردا لعدم ثقته بالطبقة السياسية المحيطة به؟
مقابل هذه الفرضية السابقة لماذا لا تكون إسرائيل اغتالته ليس لأنه عاد للعمل المسلح بل لأنه مُصر على الحل السلمي وحل الدولتين والتمسك بالسلام العادل دون أن يكون عائقاً أمام من يريد مقاومة الاحتلال؟ وهل كان للخلافات داخل حركة فتح دور في تسهيل عملية الاغتيال والتكتم على الفاعل وشركائه؟
فقبيل استشهاده تعرض أبو عمار لحملة تشويه وتحريض ليس من إسرائيل وواشنطن فقط بل أيضاً من جهات عربية وفلسطينية بحيث كانت عملية اغتياله سياسياً تجري بوتيرة سريعة منذ أن تم فرض سلام فياض وزيراً للمالية واعتماد منصب رئيس الوزراء دون إرادته بالإضافة للتحريض عليه وتشويه صورته حتى صورة عائلته.
وبالنسبة للأطراف الفلسطينية المعارضة لياسر عرفات لم تكن حركة حماس وبعض قوى اليسار فقط بل أيضاً من تيار داخل حركة فتح عمل على تشويه صورته واضعاف مشروعه السياسي واضعاف السلطة وبعضهم كان طامعاً بوراثته سياسياً وبوراثة مليارات الدولارات التي كان الوحيد الذي يملك مفاتيح التصرف بها،، وأنداك انقسمت حركة فتح ما بين ما أسميتها في مقال في ذلك الوقت (العباسية) و(العرفاتية) وكان محمد دحلان الأداة المحركة للنهج العباسي.
وصدق وزير العدل الأسبق فريح ابو مدين الذي كان مقربا من أبو عمار عندما قال إن الله رحم أبو عمار بالاستشهاد لأنه لو ظل حياً لكانت نهايته السياسية مؤلمة ولكان تبهدل ليس من إسرائيل بل من التيار الفتحاوي المعارض له.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



