د. أماني القِرِم تكتب – هل من حروب قادمة في الشرق الأوسط؟!
بقلم الدكتورة أماني القِرِم – 17/12/2020
يبدو السؤال غريباً بعض الشيء مع نجاح سريان الترتيبات المتلاحقة الساعية لجعل اسرائيل عضوا طبيعيا في المنطقة، حيث تحولت من مهدد الى “صانع سلام”. ظاهريًا وفي رأي السائرين على هذا الدرب، فإن هذه العملية تبدو كطريق مستقبلي لإرساء الاستقرار.
وفي هذا السياق، هل من المنطقي أن يشهد الشرق الأوسط حروباً مقبلة؟ ام أن سيناريو الحرب بات صفحة مطوية بعد واقع العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية وحملة جوائز الترضية التي وزعتها الولايات المتحدة على الدول المطبعة؟ خاصة أنه من غير المعقول في المنظور القريب أو البعيد أن يعارض عملية التطبيع اي كان في رئاسة الولايات المتحدة أو اسرائيل.
ورغم ذلك يستمر مكونان من شأنهما أن يكونا فرصة لتفاعل قد يؤدي الى حرب محتملة : القضية الفلسطينية وإيران .
بالنسبة للقضية الفلسطينية فلا توجد بوادر على قرب حلها، وبناء على المعطيات الإقليمية: هل يمكن أن تكون عجلة التطبيع بديلا عن عملية السلام ؟ وهل تستطيع تحميل اسرائيل مسئولياتها؟
طبعاً لا لأن محاولة اختراع حلول جديدة للقضية الفلسطينية باءت وستبوء كلها بالفشل. والشواهد والتجارب التاريخية حاضرة للعيان فالحل الأوحد المقبول هو حل الدولتين. إضافة إلى أن اسرائيل تعيش مرحلة تضخم القوة فإذا كانت الولايات المتحدة على مدار إداراتها المتعاقبة لم تستطع بناء استراتيجية تمكنها من تحميل اسرائيل المسئولية مثلما تفعل مع الفلسطينيين، كذلك لم تستطع الدول الكبرى الصديقة لفلسطين فهل ستقدر باقي الدول؟
ما هو جدير بالملاحظة أن عملية التطبيع هذه لم تكن جمعية رغم تواليها، بمعنى أنها استهدفت كل دولة على حدة وبحسابات خاصة، ودول المنطقة باتت تتصرف حسب ما تراه مناسبا لمصلحتها القومية بعيداً عن الجمع العربي.
في المقابل فإن محاولة الالتفاف والقفز عن حل عادل للقضية الفلسطينية بحجة “الفرص الضائعة” أمر لا يجلب الاستقرار بل بالعكس يزيد الضغط على برميل البارود القابل للانفجار في أية لحظة.
الولايات المتحدة عرّاب عملية التطبيع الجارية أرادت لإسرائيل أن تكون بديلا عنها في الشرق الأوسط، وزيادة تخمة القوة الاسرائيلية ينسف معادلة التوازن التي كان من الممكن أن تبعد شبح شرارة الحرب .
بالنسبة لإيران التي تضعها اسرائيل وحلفاؤها كأولوية تهديد، فهي بلا شك مصدر حرب محتمل ليس شرطاً أن يكون مباشراً وإنما عبر الوكلاء المعروفين وغير المعروفين. مثلاً استفزاز ايراني لدولة خليجية ورد إسرائيلي عليه أمر ليس ببعيد، والساحة في سوريا وجنوب لبنان وغزة دليل على ذلك .
من جانب آخر، فإن المطالبين بتغيير النظام الإيراني من الداخل لا يدركون مدى خطورة الأمر ـ وأستبعد أن يكون هذا في مخططات اسرائيل أو الولايات المتحدة ـ فإيران بلد الثمانين مليون نسمة لن تتحول الى دولة ديمقراطية بين عشية وضحاها بفعل ثورة داخلية أو غزو خارجي، وإلا لكانت كذلك العراق بعد غزوها أو سوريا بعد ثورتها أو اليمن. وما تحويل إيران الى ساحة جديدة من الصراعات إلا لخلق كيانات جديدة من الميليشيات غير الحكومية المسلحة يعلم الله انعكاساتها على سائر المنطقة.
في المحصلة فإن الحروب المحتملة واردة جدا في الإقليم وتزداد درجة احتماليتها مع عملية التطبيع الجارية، واسرائيل ليست الولايات المتحدة وغير مقبولة لأن تكون بديلاً. وما يحدث لا يحقق توازناً وإنما نفوراً بين أقطاب متعددة مما يخلق أسباباً معقولة للحروب القادمة .
amaney1@yahoo.com