أقلام وأراء

د. أماني القِرِم تكتب – بعد عام 2020… هل مازالت هوية القضية الفلسطينية عربية؟

بقلم  الدكتورة أماني القِرِم * – 31/12/2020

لأن الهوية مكون جمعي مركب ومعقّد يميّز بشراً عن غيرهم بخصائص مشتركة

( لغة وتاريخ ودين وعادات وتقاليد ومصير وطموح وغيرها ..) تمتد داخل الشخص وتترسّخ على مدار أعوام كثيرة، يكون من الصعب الانسلاخ والتخلي عنها بجرة قلم أو بقرار سياسي.

ولأن الهوية أيضاً حالة دائمة من التطور والتحول نتيجة أحداث فارقة فمن الممكن استغلال حالات الضعف التي تمر بها وتفريغها من محتواها عبر مخطط مقصود صبور طويل المدى .

عادةً ما كانت توصف القضية الفلسطينية بأنها قضية عربية إسلامية وقضية العرب الاولى والقضية المركزية للنظام الإقليمي العربي. وعلى الرغم من كونها مشتركاً يوحّد العرب إلا أنّها في نفس الوقت كانت عاملاً انقساميا يفرّقهم أو على الأقل يتم توظيفها لتبرير انقسامهم المصلحي.

التحولات التي شهدها العقد الأخير وتوّجت بأحداث عام 2020 تجلّت بها تأثيرات انعكست على كينونة القضية الفلسطينية وعمقها العربي، ومن المرجح أنها تعزز تراجع فكرة فلسطين كقضية عربية. فهل فعلا باتت فلسطين قضية الفلسطينيين وحدهم؟

التحولات جاءت بفعل موجتين كاسحتين:

الأولى هي موجة الثورات التي حدثت مطلع العام 2011 وتوابعها المتأزمة التي خلقت واقعاً جديداً. وللأسف بقدر الآمال التي بثتها تلك الثورات للقضية الفلسطينية بإعادة وهجها، بقدر الإهمال والإغفال الذي أصابها بحجج مختلفة كالفوضى والإسلام السياسي والحروب المفتعلة وتغير الأولويات والأهداف العربية حيث كل دولة تلملم نفسها وتحصّن أمنها. والأدهى أنّ هذا الواقع المتغير منح إسرائيل مساحة واسعة للحركة بحرية في الداخل الفلسطيني وفي الخارج الإقليمي لتعزيز نشوء هويات فرعية مستحدثة (دينية وعرقية) على حساب الهوية العربية التي تداعت بعض مكوناتها الجامعة للعرب كلهم مقابل بروز مكونات أخرى تفرقهم .

الموجة الثانية هي موجة التطبيع الناشئة عن تطورات الموجة الأولى والتي أتت في سياق غريب جدا متعدد الأوجه يتم الترويج له باعتباره خياراً شعبياً ووصفة سحرية لحل أزمات داخلية. وكأن القبول بمشروع “اسرائيل” هو الذكاء والاستباق لمرحلة مزدهرة مقبلة!

واللافت أن التطبيع الحالي إنما يُراد به أن يكون مختلفاً عن حالتيه السابقتين في مصر والأردن لأنه في الأخيرتين كان فاشلاً على الصعيد الشعبي حتى اللحظة. وكل شخص في هاتين الدولتين يجرؤ على الاقتراب من التابوهات التطبيعية يحاكم شعبيًا ونقابيًا. وهو أمر محمود ينبئ بوعي بديهي لخطورة الاختراق الاسرائيلي لمكنونات العروبة في مصر والاردن.

وما يعلمه كل عربي جيدا ويتغاضى عنه البعض بجهالة أو بقصد أن المشروع الاسرائيلي هو ذاته المشروع البريطاني والفرنسي والأمريكي وكل مشروع استعماري يهدف الى محو الهوية العربية وإبدالها بهويات فرعية ودمج الشخصية العربية في بنى مختلقة عديمة الترابط لتكتب الرواية التاريخية بعدها بأقلام المستعمر ويصاغ الوعي الثقافي المشوه بتكرار أكاذيب باطلة .

وباعتقادي أن فجيعة 2020 لم تكن التطبيع فقط ، وإنما رفض إدانته من قبل المؤسسة العربية الوحيدة الباقية “الجامعة العربية”.

وعلى الرغم من ذلك فإنه يمكن فهم الضعف الذي أصاب المكون العربي في الالتصاق بالقضية الفلسطينية على مدار السنوات السابقة، لكن في المقابل فلسطين لن تكون قضية الفلسطينيين وحدهم لأنه ببساطة شيء ينافي العقل والمنطق ولا يمكن التنازل عن عروبة القضية فالعلاقة بين الاثنتين وجودية ومتبادلة ودالّة على فهم التطور في منحى الحالة العربية والعكس صحيح.

* الكاتبة اكاديمية تقيم في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى