أقلام وأراء

د. أماني القِرِم تكتب – الصبر الاستراتيجي..!

د. أماني القِرِم – 2/12/2020

على الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها اغتيال عالم نووي إيراني ، بل هي الخامسة منذ العام 2010 إلا أن لعملية اغتيال محسن فخري زادة، رئيس مركز الابحاث والتطوير في وزارة الدفاع الايرانية والملقب “غربيا” بأنه العقل المدبر لبرنامج الاسلحة النووية في قلب العاصمة طهران، دلائل سياسية بالغة الرمزية تتعدى خسارة الشخص نفسه الذي تجاوز الستين من عمره، أبرزها الجرأة الوقحة التي اتسمت بها العملية وما تستدعيه من تصور لمدى الاختراق الامني الحاصل في أجهزة الاستخبارات الايرانية وما خلّفته من غضب شديد لدى الايرانيين نتيجة مرارة الشعور بإهانة الكرامة الوطنية لاستباحة البلاد، خاصة أن بنيامين نتنياهو الذي أشار تحديداً الى العالم الايراني “زادة” قبل عامين بقوله: “تذكروا هذا الاسم”، استعرض على غير عادته وضمن فيديو مسجل تزامنا مع حادثة الاغتيال انجازاته التي حققها خلال اسبوع و/ليس كلها/ حسب قوله في إشارة منه /أرجح أنها مقصودة/ إلى تفاخره بمسئوليته وبصمته المباشره عن مقتل العالم النووي.

ولم لا فنتنياهو هو نتنياهو حيث لا مانع من الاستفادة الشخصية داخليًا من هكذا انجاز بنظره!

إيران ومنذ التحالف العقيدي بين ترامب ونتنياهو تتلقى الضربات الموجعة الواحدة تلو الاخرى دون أدنى فرصة لالتقاط الأنفاس، فمن جهة حملة “الضغط الأقصى” التي شنتها إدارة ترامب على الاقتصاد الايراني من خلال عقوبات قاسية أصابته في مقتل، ومن جهة أخرى اغتيالات لشخصيات نافذة في النظام (قاسم سليماني) ، ومن جهة ثالثة قصف اسرائيلي جوي متتال لمعاقل قادة وجنود في الحرس الثوري ومخازن اسلحة ايرانية في أماكن عدة يطالها النفوذ الايراني في سوريا ولبنان ومياه الخليج العربي.

وفي أعقاب حادثة الاغتيال وجراء الارتباك والمأزق الذي أحدثته على الساحة الداخلية الايرانية مما يوحي بمحدودية الفرص أمام النظام، فقد انتشر مصطلح “الصبر الاستراتيجي” كخيار استراتيجي للدولة الإيرانية للرد على العملية ، رغم الصوت العالي لرموزها في إطلاق مجموعة الكليشيهات الثورية والانتقامية الخاصة بها.

لكن اللافت أن هذا الخيار هو استمرار لنهج متبع لدى الإيرانيين ضد الاعتداءات الامريكية الاسرائيلية المتلاحقة منذ عدة سنوات!

يشتهر الإيرانيون بالدهاء والنفس الطويل والأغلب أنهم ينتظرون انتهاء حقبة ترامب ، وتعلم اسرائيل أن النظام في طهران لن يوفر الفرصة في الرد لضمان عودة هيبته على الأقل، ولهذا فهي تأخذ التهديدات الايرانية على محمل الجد. لكن من الواضح أن إيران اليوم ليست إيران قبل عشرة اعوام، فالوضع الداخلي والأزمة الاقتصادية والعزلة الدولية المتزايدة ومظاهرات الشباب العاطل عن العمل لا يمكن إهمالها كعوامل تؤثر على قراراتها الخارجية من ناحية ، والأكيد أنها ستعزز من نفوذ المتشددين داخل النظام على حساب المعتدلين من ناحية أخرى.

ومع ذلك فقد ينتهي هذا الصبر الاستراتيجي في لحظة سوء تقدير لأي طرف تشعل حربا وتحول الصبر الى نشاط ناري… والله اعلم.

amaney1@yahoo.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى