أقلام وأراء

د. أسعد عبد الرحمن يكتب – اليمين المتشدد .. الحيثيات والموقف

د. أسعد عبد الرحمن *- 26/2/2021

لعل ما حدث من أعمال شغب في مبنى الكابيتول الأميركي، وقبله سلسلة أحداث أكثر دموية، حين قَتل قومي أبيض تسعة أشخاص سود في كنيسة إيمانويل الأسقفية التاريخية في ساوث كارولينا عام 2015، والهجوم الوحشي في أوسلو وجزيرة أوتويا يوليو 2011، ومجزرة المسجدين في نيوزيلندا في مارس 2019.. كل هذا وغيره يعكس نمو التهديد العالمي لليمين المتشدد، حيث تزداد لغة الانقسام والكراهية التي يعاد توزيعها بأشكال وأدوات جديدة.

صحيح أن الأيديولوجية اليمينية ليست جديدة في أوروبا، لكن نمو الهجرة من بلدان عالم الجنوب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وانتشار الأفكار الشعبوية لدى الأوروبيين كرد فعل على تلك الهجرة، كلها كانت عوامل أسهمت في صعود اليمين المتشدد. وقد خلُصت دراسة أعدتها، بطلب من وزارة الخارجية الألمانية، منظمة «مشروع مكافحة التطرف»، وشملت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة والسويد وفنلندا، إلى «صعود حركة جديدة لليمين المتشدد عابرة للحدود وتنحو إلى العنف».

وقد وصلت تأثيرات اليمين إلى السويد التي تعَد «رمزاً للديمقراطية الليبرالية» وللنجاح في دمج المهاجرين ضمن نسيجها الاجتماعي كمواطنين سويديين. وها هو اليمين المتشدد بات يمثل مشكلة عالمية، وهو يتمدد في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وأماكن أخرى داخل وخارج أوروبا. وتزداد خطورة نشطاء اليمين المتشدد في أوروبا والولايات المتحدة، مع سعيهم إلى بناء روابط عالمية واستغلال جائحة كورونا لاستمالة مناهضين للقاحات وأتباع نظريات المؤامرة. وبذلك، تتحول الجائحة إلى وسيلة يستغلها المتشددون من أجل «توسيع نطاق تعبئتهم لتشمل نظريات مؤامرة معادية للحكومات عبر انتقاد القيود المفروضة». وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الألماني «هايكو ماس» إن «التطرف اليميني هو أكبر خطر يتهدد أمننا في أوروبا»، محذراً من حركة «تزداد نشاطاً وترابطاً عالمياً»، وقائلاً إن «ألمانيا تسعى إلى التصدي للتهديد عبر تحرّك منسّق مع غيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».

ومن جهتها، كتبت الخبيرة الأميركية في شؤون الأمن القومي والسياسة الخارجية «هيذر أشبي» تقول: «خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث ركز المجتمع الدولي على تنظيمي (القاعدة) و(داعش) والجماعات التي تتبنى تفسيراً متطرفاً للإسلام، لتبرير إرهابها، نمت النزعات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء العالم. وقدّمت منصات وسائل التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة وسائل مهمة للأشخاص لتبادل الأفكار والتواصل والتعلم من بعضهم البعض بغض النظر عن الموقع الجغرافي، ما يسهّل إقامة الصِّلات التي كان من الصعب تكوينها من دون ذلك»، مع انتشار الأيديولوجيا اليمينية المتشددة وتغلغلها في الأحزاب السياسية الحاكمة في مجتمعات أوروبية وآسيوية وأميركية.

والحال كذلك، بات العالم بأمس الحاجة للتعامل مع التشدد اليميني كظاهرة عالمية دائمة التطور، ومن الضروري للمجتمع الدولي أن يتحد أمام هذه الظاهرة.

د. اسعد عبد الرحمنكاتب وباحث سياسي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى