أقلام وأراء

د. أحمد يوسف يكتب – الانتخابات الفلسطينية: أملٌ بانتظار أن يتحقق

بقلم د. أحمد يوسف – 24/11/2019

في ظل حمأة الحديث عن الانتخابات الفلسطينية القادمة تحدَّث كثيرون وأبدوا آرائهم بإسهاب، فمنهم من نتفق معه ومنهم من نختلف ونتحاور، وهذا أفضل للجميع، فالسياسة لا قيود عليها في سياق التنافس والسباق نحو صناديق الانتخابات.

وحيث إن الانتخابات حق للجميع؛ سواء أكانوا أفراداً وجماعات أو تيارات وأحزاب، فإننا – نحن الفلسطينيين – أحوج الناس لإجرائها، لغرض تغيير ملامح المشهد الذي أرهقنا على مدار أكثر من عشر سنوات، حيث تراجعت قضيتنا إقليمياً ودولياً، وعلى المستوى المحلي لا يلوح في الأفق ما يُبشر بخير ويؤذن بفرج قريب، كون واجهات الصراع ما تزال تتماحك وتضع العراقيل أمام حدوث أي تغيير حقيقي للوضع القائم، خشية أن لا تأتي نتائج الانتخابات بما يعزز حظوظها في الصدارة أو الثُلث المعطل، الذي يُمكِّنها من الإمساك بخطام السياسة والتحكم بمجريات الأمور.

كانت تصريحات حركة حماس – وما تزال – إيجابية، فهي مع الانتخابات التي أعلن عنها السيد الرئيس في 26 تشرين الاول الماضي من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقالت كلمتها على رأس قيادتها السياسية تحت عنوان “جاهزين للانتخابات”، بل واحتضنت اجتماعات الفصائل، التي تمثل الثقل الوطني في قطاع غزة، حيث أكد الجميع على وحدة الموقف من إجراء الانتخابات، وصدر بيان واضح من حركة حماس يؤكد على أكثر من ذلك وتضمن إشارات تأييد للحركة بأنها مع الانتخابات التشريعية والرئاسة متزامنة أو متتالية، وذلك بهدف قطع الشك باليقين، وسحب ذرائع كل من يحاول التلاعب أو الطعن بصدقية موقف الحركة و”الكل الفلسطيني” المتوافق معها حول الذهاب إلى الانتخابات.

لا شك أن هناك الكثير مما يسترعي الانتباه ولفت النظر، ولكن السياق العام الفاعل والمؤثر يدعم توجه الشارع إلى ضرورة إجراء الانتخابات، حتى يتسنى لشعبنا الفلسطيني أن يقول كلمته بقوة، وأن يحسم الموقف تجاه ما غدا مفروض عليه من سلطات الأمر الواقع؛ سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة.

إن الشارع الفلسطيني لن يطول صبره، ولن يقبل من أي جهة التلاعببتوجهاته، وحسبي أن ما يجري في الجوار الإقليمي والعربي من حِراكات شعبية تطالب بالتغيير لمشهد الحكم والسياسة، إنما يمثل درساً للجميع، وهو اليوم بمثابة القوة الدافعة وراء الرغبات الفلسطينية التي تنادي – بحميِّة وقوة – بضرورة الذهاب إلى الانتخابات، وذلك بأمل الخروج من عنق الزجاجة قبل حدوث الانفجار، حيث بلغت القلوب الحناجر وتعالت همهمات الغضب، وخرج جيل جديد يتطلع لأخذ حقه عبر المشاركة الفاعلة بالعملية السياسية والفعل المقاوم.

الانتخابات : جدلية العقل والإرادة

حتى اللحظة، ما زلت أعمل بفلسفة أنطونيو غرامشي، والتي مفادها: “إن تشاؤم العقل لا يقاومه إلا تفاؤل الإرادة”، وحيث إن الإرادة متوفرة لدى الغالبية الفلسطينية فإن تشاؤم الأقلية أو تشاؤلها؛ أي ترددها بين التفاؤل والتشاؤم، لن يكون حجر عثرة وعقبة كأداء أمام إجراء هذه الانتخابات، والتي أميل – لضمان نجاحها – أن تكون تشريعية أولاً، ثم بعد ذلك إذا كُللت بالنجاح، واستتبت الأمور باستقرار عمل المجلس التشريعي، فإن بالإمكان بعد ذلك أن نمضي قُدماً إلى انتخابات المجلس الوطني أو الرئاسة.

من الجدير ذكره، إن استمرار واقعنا السياسي والمأساوي لن يأتي بخير، فمرجل الصمت مثقل بالضغوط والتفاعلات، وهناك في كل لحظة مخاوف مما قد يحصل من انفجار لا تُحمد عقباه.

البرغوثي-دحلان في المشهد الوطني: وجهة نظر

لا شك أن المشهد الانتخابي سيغلب عليه منطق التحالفات، والاحتمال الأكبر أن تتكتل حركة فتح بين فسطاطين: الأول؛ يمثل السلطة أو رجالات حركة فتح داخل هذه السلطة بزعامة الرئيس أبو مازن. أما الثاني؛ فهو التحالف الذي سيضم مروان البرغوثي ومحمد دحلان، وهذا معناه أن حصة حركة فتح سيذهب الجزء الأكبر منها للتكتل الثاني برئاسة مروان البرغوثي.

في اللقاء الذي أجراه النائب محمد دحلان مع عمرو أديب على قناة (MBC) تحدَّث حول رؤيته للانتخابات، وقال كلمة في السياق الوطني تجمع ولا تُفرق، باعتباره على رأس قيادة التيار الإصلاحي لحركة فتح، والذي أشار فيها إلى عدة نقاط، وقد وجدت من المفيد أن نعرض بعضاً منها، وهي كالتالي:

– إذا جرت الانتخابات فإن من حقي الترشح في المكان الذي أريده، ولكنَّ ممارستي لهذا الحق مسألة أخرى.

– سأقاتل من أجل أن يكون هناك نظاماً فلسطينياً قائماً على الشراكة السياسية، وسأدفع بهذا الاتجاه باسم التيار الإصلاحي في فتح.

– نحن في التيار نرفض الخروج من حركة فتح؛ لأنها ليست حكراً لأحد؛ لا لفرد ولا لعضو لجنة مركزية ولا لرئيس ولا لحركة، فهذا الانتماء هو حق اكتسبناه بنضالاتنا، ولا أحد يملك انتزاع هذا الحق منا.

– نحن طرحنا فكرة وحدة حركة فتح من جديد على قاعدة الشراكة أولاً، وأن نُعطي الكوادر الشبابية الحق في اختيار من سيترشح من القادة في القوائم الانتخابية، وهذا سيكون شرط لنا حتى لا تتم مساواة “الحرامي والفدائي” بنفس المستوى.

– شخصياً؛ ليس لدي أي مطمح شخصي لا في قوائم ولا في انتخابات، ولكن هدفي أن تستعيد حركة فتح كرامتها.

– أنا اليوم جزء من تيار إصلاحي له جمهوره العريض، وله آلاف المشاركين في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان والخارج، وبالتالي لم يعد القرار خلاف بيني وبين الرئيس (أبو مازن)، الآن هناك تيار لديه مؤسسات هو سيأخذ القرار.

– أنا لا أريد أن أترشح، ولكن أريد أن أرى جسماً سياسياً متماسكاً له تأثيره في الحياة السياسية الفلسطينية، وأن يكون رافعة للنظام السياسي الفلسطيني وليس عبئاً عليه كما هو الواقع الآن، وبالتالي كل هذه الإجراءات والقرارات ستؤخذ مع قيادة هذا التيار، وبمساهمة من كل أعضائه، فلن يكون القرار فردياً، حيث عانينا من الفردية، وبالتالي لا أستطيع أن أكرر هذه الفردية في التيار.

هذه النقاط استدعى ذكرها أبعاد الحالة السياسية المترهلة، والتي تتطلب خطاباً وطنياً بامتياز، يتجاوز الفردية والفصيل إلى السياق الجامع الذي ينسجم مع فلسفة الثائر الجزائري الشيخ عبد الحميد بن باديس بتعبيره الخالد: “الحقُ فوقَ كلُّ أحدٍ، والوطنُ قبلَ كلُّ شيء”.

نعم؛ قد يتفق الشارع أو يختلف من النائب محمد دحلان لمواقف من الماضي شكلت لغة المدافعة والندية بين الخصوم السياسيين، والتي سمحت للبعض توجيه اتهامات للآخر بالعمل خارج السياق الوطني!! وحيث إننا لم نتعود المعارضة السياسية إلا بطعنات العمالة والخيانة، فإن التنافس السياسي تحول إلى عدوات ومفردات إقصائية جارحة “إما أنا أو أنت!!”. ولهذا تعكرت علاقاتنا السياسية بالتعبيرات الإعلامية التي لا تُبقي ولا تذر حتى فقد المشهد الفلسطيني علامات وطنية مسجلة؛ لأن التصنيفات التي تبادلناها أخذت طريقها لمشهدنا الفلسطيني والعربي والإسلامي، وهذا – للأسف – كان إساءة لحالة شعب الجبارين وتضحيات رموزه النضالية منذ أوسلو وتداعياتها الكارثية على الشعب والقضية.

الانتخابات ونداء صاحب الولاية: الشعب يريد!!

إن من حق شعبنا أن يُترك له قرار تكريم أو عقاب أي شخصية فلسطينية تتقدم للترشح للانتخابات، وألا تُترك ناصية القرار للخصوم المتنفذين في مشهد الحكم والسياسة.

إن من حقنا أن نطالب بإنعاش الحالة السياسية وفتح الباب أمام تأسيس الأحزاب وحرية التعبير، كي تصل مواقف وبرامج كل شخصية وكل حزب واتجاه لجماهير شعبنا الفلسطيني، والذي بيده عبر أصواته الانتخابية حق التعبير بأريحية عن خياراته السياسية.

اليوم، ليس مطلوباً أن نتحدث عن سلبيات الآخر، بل ما يمكننا أن نتقدم به لاستخراج الحالة الفلسطينية من كربتها المعيشية وأزماتها السياسية التي استشرت في كل اتجاه.

إن الانتخابات هي حجر الزاوية فيما عليه مشهدنا القادم، من حيث فرص ترتيب وإصلاح بيتنا الداخلي، وجبر وترميم ما تهدَّم من علاقاتنا الإقليمية، وكسب التعاطف العالمي مع الشعب الفلسطيني ومظلومية الإنسانية.

إن مشهد الخلاف والصراع الدائر بيننا كفلسطينيين لن يمنحنا – إذا ما استمر – طوق الخلاص، وستتعذر معه النجاة باتجاه شاطئ الأمان وبرِّ السلامة والوفاق.

لا شكَّ أن الانتخابات إذا تمَّ اجراؤها في سياق ما هو قائم من توازنات بين أهم فصيلين (فتح وحماس) لن تشكل مستقبلاً حالة صراعية تكثر فيها الاتهامات وسجالات التنابز بالألقاب؛ لأن الذي سيغلب على توجهات الجميع هو العمل بمنطق الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وهذا هو ما عليه موقف الشارع الفلسطيني ومطلبه بشكل عام، حيث إن ما عليه الإجماع الفلسطيني هو تبني وحدة الموقف ووحدة القرار ووحدة الدعم لمشروعنا الوطني، وإعادة هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية؛ باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا في الوطن والشتات.

ختاماً.. ونحن نتحرك ببطء باتجاه إجراء الانتخابات، فإن هناك مجموعة من النصائح أعرضها كتغريدات لجيل الشباب، والذي أعتقد جازماً أن الخير معقود بنواصيه، وهي:

– رغم القيل والقال، فإن روح التفاؤل بين الشباب ما تزال قائمة حول إمكانية إجراء الانتخابات. إن دعمنا للشباب هو للتعجيل بتنظيم صفوفهم، وحشد تكتلاتهم لليوم الموعود. إن فرصة هذا الجيل لإثبات حضوره السياسي كبيرة، وإمكانيات النجاح تتوقف على حركية هذا الجيل الشاب في تقديم رؤية سياسية وقيادة وطنية.

– ثقتي بالشباب كبيرة وبوطنيتهم أكثر. اليوم، تأتي لهم الفرصة لإظهار ما عجز عنه الآخرون. إن تنظيم الصفوف والبحث عن شركاء هي مهمة ليست صعبة، فعليكم أيها الشباب أن تبدوا بالنقابات والاتحادات الطلابية، وتحاولوا عبر التوافق على اختيار شخصيات من بينها يمكنها أن تقود جموعكم باستقلالية ورؤية وطنية.

– على القيادات الشابة أن تبدأ في حشد قواها وتعبئة صفوفها، وعدم الانتظار للحظة الصفر، حيث إن قهاقير التنظيمات لديها إطاراتها التي تتحرك من خلالها. فالأمر حقيقة يتطلب السرعة وعدم الانتظار.

– على الشباب أن يسارعوا بتأطير أنفسهم، واختيار قيادات لهم من بينهم، وألا ينتظروا للحظة الإعلان عن موعد الانتخابات. فرصتكم فلا تضيعوها.

– راهنوا على القيادات الوطنية والوجوه الشابة، ولا تركنوا إلى من أضاعوا الوطن وانتصروا لأحزابهم.

– إن كل ما يحتاجه الشباب اليوم هو التحرك لتنظيم صفوفهم واختيار من يمثلهم وإطلاق واجهة سياسية تعبر عنهم، والإعلان عن تطلعاتهم ورؤيتهم الفكرية من خلال مؤتمر شبابي يمنحهم الاعتراف والشرعية.

باختصار: الانتخابات محطة على طريق تحقيق أمل شعبنا في حياة حرة كريمة وقرار وطني صائب، ورؤية استراتيجية جامعة في إطار الشراكة السياسية والتوافق الوطني لمشهد لا يغيب عنه الشباب كصورة وطاقة وأثر.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى