أقلام وأراء

د. أحمد قنديل: ماذا بعد الهجوم العسكري الأمريكي على إيران؟

د. أحمد قنديل 23-6-2025: ماذا بعد الهجوم العسكري الأمريكي على إيران؟

في صباح 22 يونيو 2025، فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما أقسم أنه لن يفعله، وهو إقحام الولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة أصلاً بالأزمات. وفي منشور على موقع “تروث سوشيال”، وصف الرئيس ترامب الهجوم الذي أمر بشنه ضد ثلاثة مفاعلات نووية إيرانية بأنه “ناجح للغاية”، مشيراً إلى أن “حمولة كاملة من القنابل” أُسقطت على موقع فوردو النووي في إيران، وهو الموقع شديد التحصين الذي يُعتقد أن القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات هي وحدها القادرة على اختراقه. وذكرت قناة “فوكس نيوز” الأمريكية أن الولايات المتحدة استخدمت أيضاً 30 صاروخ توماهوك من غواصات ضد المرافق النووية الأخرى في أصفهان ونطنز، بينما ضربت قاذفات بي-2 الاستراتيجية محطة فوردو.

جاء هذا الهجوم الأمريكي فيما يبدو تلبية للضغوط الإسرائيلية على ترامب من أجل مساعدة تل أبيب على “الإجهاز الكامل على البرنامج النووي الإيراني”، نظراً لافتقار تل أبيب إلى القنابل الخارقة للتحصينات أو الطائرات القادرة على حملها. كما جاءت الضربات الأمريكية أيضاً بعد فشل محادثات 20 يونيو في جنيف بين مسئولين أوروبيين وإيرانيين في تحقيق اختراقات جوهرية تتعلق بتخلي طهران عن تخصيب اليورانيوم على أراضيها.

ورغم عدم توافر معلومات مؤكدة، حتى كتابة هذه السطور، عن حجم وطبيعة الأضرار المادية والبشرية التي لحقت بالمنشآت النووية الإيرانية، إلا أنه من المرجح أن يؤدي الهجوم الأمريكي على المواقع النووية الإيرانية إلى أمرين رئيسيين:

الأمر الأول هو “رد فعل انتقامي” من جانب إيران وحلفائها ضد المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، على اعتبار أن واشنطن قد تجاوزت “خطاً أحمر” وضعته طهران منذ التصعيد العسكري مع إسرائيل في 13 يونيو الجاري، وهو عدم مشاركة القوات الأمريكية في “العدوان الإسرائيلي” على إيران.

أما الأمر الثاني المتوقع جراء هذا الهجوم، فهو الضغط على إيران من أجل العودة إلى طاولة المفاوضات، درءاً لأية هجمات عسكرية أخرى من جانب الأمريكيين والإسرائيليين. ومما يدعم من هذا التوقع الضعف الشديد الذي أصاب القدرات العسكرية الإيرانية نتيجة الضربات المتوالية، خاصة على مواقع الدفاعات الجوية، وهو ما جعل “الأجواء الإيرانية مفتوحة”، وفق تعبير الرئيس ترامب.

نطاق الانتقام الإيراني

قبل الهجوم الأمريكي صباح اليوم، تعهدت إيران، وعدة مليشيات متحالفة معها في العراق واليمن، بالرد على الولايات المتحدة إذا وجهت ضربة عسكرية إليها؛ وسيكون رد فعلهم على الضربات خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة حاسماً. وفي هذا السياق، يشير المراقبون إلى أن خيارات إيران وحلفائها كثيرة للانتقام، بما في ذلك إطلاق طائرات مسيرة وصواريخ تستهدف الوجود العسكري الأمريكي في العراق أو الخليج أو في البحر. كما يمكن لإيران وحلفائها، أيضاً، استهداف البنية التحتية للنفط والغاز وناقلات النفط في المنطقة.

ومع ذلك، قد يكون “الانتقام” الإيراني أقل نطاقاً من هذه التوقعات، خاصة وأن الهجوم الأمريكي لم يصل إلى البنية التحتية لتصدير النفط الإيراني، كما أنه لم يُحاول اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي.

كذلك، قد تحرص القيادة الإيرانية على “التريث” و”التأني” بعض الشيء في الانتقام، لأنها لا ترغب في تصعيد المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة، وهي مواجهة أشد خطورة وفتكاً من مثيلتها مع إسرائيل، حسبما يحذر كثير من الخبراء الإيرانيين.

ومن جهة أخرى، ليس من المتوقع أيضاً أن تقبل إيران بالاستسلام التام لشروط ترامب في التفاوض، على غرار النموذج الياباني بعد ضرب اليابان بالقنابل النووية في الحرب العالمية الثانية. بل من المرجح أن تتبع طهران “النموذج الكوري الشمالي”، الذي أصر على تطوير برامجه النووية والصاروخية باعتبارها الرادع الأمثل لمنع الولايات المتحدة، وحلفائها في اليابان وكوريا الجنوبية، من توجيه ضربة عسكرية شاملة تطيح بالنظام الحاكم في بيونج يانج.

وبدلاً من إعلان التخلي عن برامجها النووية و”الإذعان” لمطالب الرئيس ترامب، من المتوقع أن تتخذ القيادة الإيرانية بدلاً من ذلك تدابير أكثر عدوانية وجرأة فيما يتصل ببرنامجها النووي، مثل الانسحاب من معاهدة منع الانتشار النووي، وطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فهذه التدابير، من شأنها حال اتخاذها، رفع شعبية النظام الإيراني من خلال تأجيج المشاعر القومية لدى الشعب الإيراني، وبالتالي الحفاظ على السلطة رغم الخسائر البشرية والعسكرية والمادية الهائلة الذي تسببت فيه الضربات الإسرائيلية والأمريكية الأخيرة.

الهجوم: جيد أم سيئ؟

من جهة أخرى، ربما يكون الهجوم العسكري الأمريكي على إيران “فكرة جيدة” من وجهة نظر عدد من المخططين الاستراتيجيين والعسكريين في الولايات المتحدة، خاصة إذا ما نجح في “إنهاء طموحات إيران النووية طويلة الأمد”، وإذا ما قاد إلى المزيد من الفوضى السياسية التي تهيئ الظروف لسقوط “نظام الملالي” في طهران.

ولكن بالتأكيد سيكون هذا الهجوم “فكرة سيئة”، بل وربما “سيئة للغاية”، إذا لم ينجح في تدمير الأسس الرئيسية للبرنامج النووي الإيراني بشكل كامل، وبالتالي حفز الإيرانيين على توظيف ما تبقى منه للإسراع من أجل امتلاك القنبلة النووية. ومن جهة ثانية، قد يصبح هذا الهجوم أيضاً “كابوساً” لترامب، إذا ما بدأت طهران في شن هجمات على أهداف أمريكية في المنطقة وأغلقت مضيق هرمز، الأمر الذي قد يقود إلى عودة الجنود والمواطنين الأمريكيين في “توابيت” إلى الولايات المتحدة وإلى ارتفاع صاروخي في أسعار الوقود في الولايات المتحدة. ولا شك أن مثل هذه المشاهد “الحزينة” و”الكئيبة” قد تدفع ترامب إلى حالة من الارتباك والغضب، وبالتالي، شن مزيد من الهجمات العسكرية ضد إيران، وهي البلد التي يزيد حجمه على ضعف حجم العراق.

على أية حال، سواء كان الهجوم الأمريكي على إيران “فكرة جيدة أم فكرة سيئة”، فإنه، على الأرجح، سيورط الولايات المتحدة في حرب جديدة في منطقة الشرق الأوسط، وهو أمر تعهد ترامب بعدم الانجرار إليه، مثلما حدث للرؤساء الأمريكيين السابقين، وهو ما كلّف الاقتصاد الأمريكي حوالي 4 تريليون دولار، حسب تقديرات ترامب نفسه في ديسمبر 2015، في إشارة إلى تكلفة الحروب الأمريكية في العراق وأفغانستان وليبيا والصومال.

ومن ناحية ثانية، ورغم ما ذكرته شبكة CNN، في أعقاب الهجوم الأمريكي على طهران من أن الرئيس ترامب لا يخطط حالياً لشن المزيد من الهجمات على إيران، إلا أن خطاب ترامب نفسه عقب الهجوم يشكك إلى حد كبير في هذا الأمر خلال الأيام القادمة. فعلى سبيل المثال، قال ترامب إن المواقع النووية الإيرانية الرئيسية “دُمّرت تماماً” لكن تقييم الأضرار “سيستغرق وقتاً”، مشيراً إلى أنه لا يزال هناك “العديد من الأهداف” المتبقية. كما قال الرئيس الأمريكي أيضاً إن إيران “قد تعاني أكثر في الأيام المقبلة”، في الوقت الذي أكد فيه البيت الأبيض لطهران عبر “قنوات خلفية” أن هذا الهجوم العسكري سوف يكون “الوحيد”، وأنه لن يكون هناك أية ضربات أمريكية أخرى في المستقبل.

صفعة قوية تقود إلى الفوضى

بالتأكيد، وجه الهجوم الأمريكي الأخير “صفعة قوية” للنظام الحاكم في طهران، ولكن هذه الصفعة لن تؤدى إلى سقوط هذا النظام وانهياره على الأرجح. كما أن هذا الهجوم قد يقود إلى “تعطيل” البرنامج النووي الإيراني، إلا أنه من المرجح أن يستمر هذا البرنامج. وبالتالي، سوف تصبح منطقة الشرق الأوسط أكثر اضطراباً وفوضى.

فإذا ما نجا النظام الإيراني واستمر، حتى في برنامج نووي محدود، فقد تشعر الدول العربية المجاورة بالإحباط و”الخطر المتفاقم” مما ستعتبره “خطة فاشلة” حُبكت في تل أبيب ونفذتها واشنطن. كذلك، قد ترى بعض هذه الدول الطائرات الأمريكية تُحلّق فوق إيران فتعتقد أن الكوريين الشماليين كانوا على صواب في تطوير برامجهم النووية والصاروخية لردع أي محاولات لإسقاط نظامهم.

وحتى لو “نجحت” الولايات المتحدة وإسرائيل في تحقيق أهدافهما في المدى القصير بتدمير البرنامج النووي الإيراني أو حتى الإطاحة بالجمهورية الإسلامية في إيران، فمن المرجح أن تكون هذه إنجازات “وهمية” وعابرة أو “انتصارات باهظة الثمن” في المديين المتوسط والبعيد. فالمعدات والمرافق النووية المدمرة قابلة لإعادة البناء، والقيادة الإيرانية الحالية قد يتم استبدالها بأخرى أكثر تطرفاً وعدوانية، خاصة أنه بعد عقود من القمع ضد المعارضة والمجتمع المدني في إيران، من المرجح أن تصل إلى السلطة قيادات متشددة من الجيش أو الأجهزة الأمنية، بعد أن فوض المرشد الأعلى صلاحياته إلى المجلس الأعلى للحرس الثوري في 17 يونيو الجاري.

وحتى بافتراض وصول قيادة جديدة إلى السلطة في طهران أكثر ميلاً للغرب أو الولايات المتحدة، فليس من المتوقع أن تتخلى بالضرورة جذرياً عن حق إيران المعلن في التخصيب النووي. فقد تشعر هذه القيادة بنفس الحاجة الملحة التي يشعر بها النظام الحالي لتطوير السلاح النووي.

وهناك احتمال آخر لا يقل خطورة بشأن التداعيات السلبية بالغة الخطورة للهجوم الأمريكي الأخير على مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة، ويتمثل في إمكانية انزلاق إيران إلى حالة من الفوضى، مع وجود فصائل متنافسة في أجزاء مختلفة من البلاد. وفي ظل هذا السيناريو “الكابوس”، سيكون وجود المواد المشعة في مثل هذه البيئة مثيراً للقلق، كما أن عدم الاستقرار المزمن في بلد بحجم إيران، يقع على طرق تجارية مهمة، سيُشكل أيضاً عدداً من التحديات الأمنية الصعبة أمام دول المنطقة والعالم.

وفي ضوء كل ذلك، يمكن القول إن قرار ترامب بشن الهجوم العسكري على منشآت إيران النووية “مخاطرة كبيرة” من شأنها أن تترك الأمن الإقليمي والأمريكي معتمداً على نتيجة “مقامرة متهورة” قد تجر الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط وتخلق كارثة أخرى في السياسة الخارجية تطارد الأمريكيين لعقود.

 

 

د. احمد قنديل رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيحية

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى