أقلام وأراء

د. أحمد سيد أحمد: عقيدة ترامب فى إدارة السياسة الخارجية

د. أحمد سيد أحمد 18-11-2024: عقيدة ترامب فى إدارة السياسة الخارجية

يرث الرئيس المنتخب ترامب تركة ثقيلة فى السياسة الخارجية عن سلفه الرئيس بايدن، فخلال السنوات الأربع الماضية والتى تفصل ما بين ولاية ترامب الأولى وولايته الثانية تغيرت أمور كثيرة ووقعت أحداث كبيرة، أبرزها اشتعال الحروب فى الكثير من مناطق العالم، وعلى رأسها الحرب الروسية الأوكرانية، والتوترات الحالية فى الشرق الأوسط مع استمرار حربى غزة ولبنان، ومخاطر التصعيد الإقليمى بين إسرائيل وإيران، إضافة إلى ارتفاع منسوب التوتر فى منطقة بحر الصين الجنوبى على خلفية التوترات بين أمريكا وتايوان من ناحية والصين من ناحية أخرى. اشتعال هذه البؤر فى مناطق العالم المختلفة كان نتيجة لعقيدة بايدن فى السياسة الخارجية والقائمة بشكل أساسى على عسكرة العلاقات الدولية، وبناء التحالفات العسكرية والإستراتيجية مع الحلفاء فى أوروبا وآسيا لمواجهة خصوم أمريكا فى النظام الدولى وتحديدا روسيا والصين وتوظيف الفزاعتين الروسية والصينية لتخويف الحلفاء وزيادة مبيعات الأسلحة الأمريكية.

هذه الاستراتيجية، التى تمثل انقلابا على توجهات الحزب الديمقراطى التقليدية فى الاعتماد على الأدوات الناعمة مثل الدبلوماسية والحوار فى إدارة ملفات السياسة الخارجية، على عكس الجمهوريين الذين يتبنون الأدوات الصلبة مثل العقوبات الاقتصادية والحروب، تسببت فى إشعال التوترات والحرائق واضطراب العلاقات الدولية، وهو ما يضع إرثا ثقيلا أمام ترامب للتعامل معه.

ارتكزت عقيدة ترامب فى السياسة الخارجية فى ولايته الأولى على مفهوم الصفقة، أى التعامل مع السياسة من منظور اقتصادى، وهذا لأنه رجل أعمال جاء من خلفية اقتصادية ومن خارج المؤسسات التقليدية، وانعكست فى رفع شعار أمريكا أولا وبيع الأمن للحلفاء، وهو ما تسبب فى توترات خاصة مع دول حلف الناتو، التى ضغط عليها لزيادة الانفاق العسكرى لأكثر من 2%، كما تبنى عقيدة الصفقة فى التعامل مع الخصوم مثل كوريا الشمالية والصين وإيران، عبر إبرام صفقات سياسية واقتصادية معهم، لكنها تعثرت فى ظل تناقض الرؤى والمصالح بين هذه الدول والرؤى الأمريكية.

ولاشك أن ترامب فى إدارته للسياسة الخارجية سيعتمد أيضا على عقيدة الصفقة، ولكن بشكل معدل، فترامب فى ولايته الثانية سيكون أكثر سياسة وأقل اقتصادا، حيث تعلم الكثير من الممارسة السياسية وتبنى منهج الواقعية والمواءمات على خلاف فترته الأولى التى اتسمت بالحدة والمفاجأة فى القرارات، إضافة إلى أنه يميل إلى استخدام الحروب الاقتصادية، من خلال العقوبات، فى التعامل مع الخصوم، أكثر من الاعتماد على الحروب العسكرية التى تكلف أمريكا الكثير، كما حدث فى الحرب الروسية الأوكرانية.

كما أن التشابكات والمصالح الأمريكية ستمثل أيضا قيدا عليه، فالمصالح ليست فقط وفقا لمنظور ترامب، الاقتصادية، ولكن هناك أيضا المصالح السياسية والاستراتيجية ومسئوليات أمريكا فى العالم كدولة عظمى تقف على رأس النظام الدولى، أضافة إلى أن الدولة الأمريكية العميقة، وعلى رأسها المؤسسات الأمنية والمجمع الصناعى العسكرى والبيروقراطية ستسعى إلى ترويض ترامب ووضع إطار للتحرك فيه، بما يضمن مصالح تلك القوى وبما يضمن استمرار التوجهات الأمريكية التقليدية، خاصة فى التعامل مع العالم والانخراط فى قضاياه وأزماته.

ورغم القيود المختلفة التى تمثل كوابح لترامب فى إدارة السياسة الخارجية، إلا أنه فى ولايته الثانية يمتلك هامشا كبيرا من حرية التحرك واتخاذ القرارات المهمة فى السياسة الخارجية وتنفيذ وعوده الانتخابية بشأن قضايا مثل حرب روسيا وأوكرانيا، أو حرب غزة ولبنان وغيرها، وذلك لعدة عوامل: أولها: التفويض الشعبى الكبير الذى حصل عليه بعد تفوقه واكتساحه فى الانتخابات، سواء فى التصويت الشعبى أو المجمع الانتخابى، والذى كان أحد أسبابه التداعيات الاقتصادية السلبية التى نجمت عن السياسة الخارجية فى عهد بايدن وهاريس والتى انعكست سلبا على المواطن الأمريكى فى ارتفاع تكاليف معيشته اليومية وارتفاع أسعار الغذاء والوقود نتيجة للإنفاق العسكرى الكبير فى دعم أوكرانيا وإسرائيل والذى تجاوز أكثر من 150 مليار دولار، ومن هنا يتطلع المواطن الأمريكى إلى تقليص الانفاق العسكرى الأمريكى الخارجى، خاصة فى دعم أوكرانيا والذى لم يحقق أهدافه فى انتصار أوكرانيا أو دفع روسيا للتراجع. وثانيها: الأغلبية التى حصل عليها الجمهوريون فى الكونجرس بمجلسيه النواب والشيوخ وهو ما يحقق التناغم المطلوب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بما يساعد فى تنفيذ أجندة ترامب فى السياسة الخارجية، خاصة أن أغلبية الديمقراطيين فى مجلس النواب أعاقت ترامب كثيرا فى ولايته الأولى وشكلت قيودا عليه، حيث تزايد دور الكونجرس فى إدارة السياسة الخارجية، مثلما حدث مع إصداره قانون قى 2017، وهو مواجهة خصوم أمريكا فى الخارج، وفرض بموجبها عقوبات على روسيا وألزم ترامب وقتها بعدم رفع تلك العقوبات إلا بالعودة إلى الكونجرس، وهو ما كبح توجه ترامب نحو التقارب مع روسيا والرئيس بوتين. وثالثها: تعامل ترامب مع السياسة الخارجية وفقا لمنطق السلام عبر القوة، أى زيادة القوة العسكرية الأمريكية وزيادة الميزانية العسكرية التى تقارب تريليون دولار لردع خصوم أمريكا. ورابعها: تشكيلة فريقه الجديد، وأغلبهم من الصقور والمؤيدين لتوجهاته فى السياسة الخارجية.

فى ظل التركة الثقيلة التى ورثها عن بايدن داخليا وخارجيا، فإن ترامب سيركز فى الشهور الأولى على الأقل فى معالجة القضايا الداخلية لتنفيذ وعوده الانتخابية، خاصة القضايا الاقتصادية والهجرة والتى جاءت به إلى السلطة، وهو ما يعنى عدم الانخراط بشكل أكبر فى السياسة الخارجية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى