د. أحمد سيد أحمد: سيناريوهات مفاوضات النووى الإيرانى

د. أحمد سيد أحمد 21/04/2025: سيناريوهات مفاوضات النووى الإيرانى
استؤنفت أول أمس السبت فى سلطنة عمان المفاوضات بين أمريكا وإيران, حول برنامجها النووى بعد تجمدها فى عهد بايدن فى أعقاب الرسالة التى وجهها ترامب للمرشد على خامنئى, والتى تضمنت التهديد إما بالتوصل إلى اتفاق نووى جديد خلال شهرين وإما الخيار العسكرى.
هناك عوامل عديدة دفعت الطرفين إلى الانخراط فى المفاوضات الحالية,. بالنسبة لإيران نجد.
أولا: أصبحت خياراتها محدودة فى مواجهة أمريكا خاصة بعد التغيرات الجيوسياسية فى المنطقة وتداعيات حرب غزة والتى كان من أبرزها تقلص النفوذ الإيرانى، وفقدانها لأذرعها، خاصة بعد الضربات الكبيرة التى تلقاها حزب الله اللبنانى وسقوط نظام بشار الأسد فى سوريا، والضربات الأخيرة التى تلقتها ميليشيا الحوثى فى اليمن، حيث كانت إيران تعتمد على تلك الأذرع فى الضغط على الجانب الامريكى خاصة فى أى سيناريو محتمل للحرب والتصعيد العسكرى مع أمريكا وإسرائيل.
وثانيا: الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تعيشها إيران نتيجة العقوبات الغربية والأمريكية ضمن إستراتيجية أقصى الضغوط التى اتبعها ترامب سابقا، إضافة إلى الاحتجاجات وحالة الغليان فى الشارع الإيرانى نتيجة ارتفاع تكاليف الأوضاع المعيشية وتزايد حدة القمع خاصة ضد المرأة والمعارضين، وهو ما قد يفجر الأوضاع داخليا وقد يهدد بسقوط النظام الإيرانى ذاته فى حالة اندلاع حرب مع أمريكا وإسرائيل.
وثالثا: وضع ترامب الإيرانيين هذه المرة بين خيارين صعبين، إما التفاوض والتوصل إلى اتفاق نووى جديد فى خلال شهرين، وإما الخيار العسكرى واستهداف المنشآت النووية الإيرانية، سواء عبر إسرائيل أو عبر أمريكا بالتعاون مع إسرائيل، وهو ما يمثل تطورا مهما وتحولا فى إستراتيجية ترامب فى التعامل مع الجانب الإيرانى حيث أصبح الخيار العسكرى أحد الخيارات الأساسية فى التعامل مع إيران, وهو ما دفع النظام الإيرانى إلى الانحناء أمام العاصفة وتفادى سيناريو المواجهة العسكرية التى لن تكون فى صالحه والانخراط فى المفاوضات. وبالنسبة لأمريكا، يريد ترامب تحقيق الهدف الأساسى وهو منع امتلاك إيران للسلاح النووى، باعتباره خطا أحمر له ولحليفته إسرائيل، عبر المفاوضات والحوار، وإذا نجحت فإنه قد يكون حقق الهدف، دون أن تنخرط أمريكا فى حرب أو دعم عسكرى لإسرائيل سيكون له تكلفة اقتصادية وعسكرية كبيرة لأمريكا، فى وقت يسعى فيه ترامب إلى تقليل الإنفاق العسكرى الخارجى كما حدث فى حرب أوكرانيا، كما أنه يريد الظهور أمام العالم بأنه رجل سلام، وأنه يميل إلى الحوار والمفاوضات مع إيران، أما إذا فشلت المفاوضات فإنه سيبرر الخيار العسكرى بأنه استنفد الدبلوماسية، والإيرنيون يتحملون نتيجة فشل تلك المفاوضات.
المفاوضات هذه المرة تختلف عن المفاوضات فى عهد إدارتى أوباما وبايدن, حيث يتبنى ترامب سياسة الحسم، ولذلك وضع جدولا زمنيا للمفاوضات بحيث ألا تكون مفتوحة وتأخذ وقتا طويلا كما حدث فى عهد الرئيس السابق أوباما والتى استغرقت سنوات حتى تم التوصل إلى اتفاق 2015، كما أنها استغرقت أكثر من عام ونصف فى عهد بايدن ولم تسفر عن شىء. هناك عدة سيناريوهات عديدة للمفاوضات بين أمريكا وإيران:
أولا: السيناريو التفاؤلى والتوصل إلى اتفاق شامل بينهما وهو أمر مستبعد، حيث توجد تحديات كثيرة تواجه إمكانية التوصل إلى اتفاق سريع أو شامل، نتيجة لتعارض المواقف والرؤى، فالإيرانيون يريدون العودة إلى تفعيل وتعديل اتفاق 2015 الذى ينتهى أجله هذا العام، وليس الدخول فى اتفاق جديد، كما يريدون رفع العقوبات الأمريكية والغربية أولا، وكذلك ضمانات بعدم انسحاب أمريكا مستقبلا من الاتفاق، كما حدث فى ولاية ترامب الأولى، وكذلك يطالبون بتعويضات أمريكية عن العقوبات التى فرضت على بلادهم، وهذه المطالب ترفضها أمريكا. فى المقابل يريد ترامب اتفاقا نوويا جديدا بديلا عن اتفاق 2015 الذى يرى فيه عيوبا كثيرة، كما يريد اتفاق الحزمة، أى اتفاقا يشمل تفكيك القدرات الإيرانية لمنع إمكانية امتلاك السلاح النووى مستقبلا عبر وضع قيود صارمة على عملية التخصيب وتفكيك أجهزة الطرد المركزى الحديثة، خاصة من نوع آى آر 6، وتشديد الرقابة على المنشآت النووية الإيرانية من قبل مفتشى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفك اشتباك إيران مع أذرعها خاصة ميليشيا الحوثى فى اليمن والميليشيات الحليفة لها فى العراق، وهذه المطالب الأمريكية يرفضها النظام الإيرانى، الذى سيسعى غالبا إلى استخدام المفاوضات كتكتيك لإضاعة الوقت وتفادى الخيار العسكرى.
ثانيا: سيناريو التوصل إلى اتفاق مؤقت يتضمن تعليق بعض العقوبات الأمريكية على إيران وتعليق طهران لتخصيب اليورانيوم، وتفعيل آلية الزناد الموجودة فى الاتفاق السابق، أى العودة لمجلس الأمن لفرض عقوبات على إيران إذا انتهكت الاتفاق، وهو أمر يواجه أيضا بتحديات كثيرة.
ثالثا: السيناريو التشاؤمى: أن تصل المفاوضات إلى طريق مسدود، وهو مرجح بسبب تعارض المواقف، خاصة أن المفاوضات لم تجر وفق صيغة خمسة زائد واحد، كما فى المرات السابقة، والتى كانت تتيح للوسطاء الأوروبيين وروسيا والصين دورا فى التوصل إلى تفاهمات وتوافقات بين الأمريكيين والإيرانيين، كما أن اعتماد ترامب على مبعوثه ستيف ويتكوف فى المفاوضات وليس وزير الخارجية، قد لا يسهم فى التوصل إلى اتفاق سريع فى ظل الملفات الكثيرة التى يتولاها ويتكوف ومنها ملفا حرب أوكرانيا وغزة، ولم يحقق فيهما نتائج حاسمة، وبالتالى تتزايد احتمال الخيار العسكرى ضد إيران، خاصة أن نيتانياهو حصل على ضمانات من ترامب بأنه إذا فشلت المفاوضات فسوف تدعم أمريكا الخيار العسكرى ضد المنشآت النووية الإيرانية.