أقلام وأراء

د.أحمد جميل عزم يكتب – واقعيّة السنوار المُقاوِمة ويديعوت أحرنوت

د.أحمد جميل عزم *- 9/10/2018

تابعتُ مرتين على الأقل عن كثب تفاصيل مقابلات مدّعاة في صحافة إسرائيلية مع عرب في دول عربية، لأخرج بنتيجة تدعم ما يقوله قائد حركة “حماس” في غزة، يحيى السنوار، بشأن “التحايل” الإسرائيلي، بشأن نشر صحيفة يديعوت أحرونوت مقابلة قالت إنها أجرتها معه. وهذا لا يلغي طبعاً أهمية مضمون المقابلة، التي لم ينفِها، وإن نفى ظروفها وأنها مع يديعوت، وأهم ما في حديثه الواقّعية المُقاوِمة التي عبّر عنها.

تاريخياً لم تكن مقابلات القيادات الفلسطينية مع وسائل الإعلام الصهيونية تثير أي رد فعل، مستغرب، ولطالما قابل التلفزيون الإسرائيلي قيادات الفصائل الفلسطينية، وأحدهم كان الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة “حماس”، على الأقل عندما كان في الأسر. ولكن الجديد هذه المرة ربما مسألة دخول صحفية إلى قطاع غزة.

من الحوادث التي قمت بمتابعتها يوما ادعاء صحيفة إسرائيلية مقابلة باحث سعودي معروف في دبي، وقد نفى معرفته أنها لصحيفة إسرائيلية، وبعد بحث متأن على شبكة الإنترنت، ظهر شيء شبيه بما قاله السنوار، فاتضح حينها أن الصحفية تعمل مستقلة، وتبيع مقابلاتها لمن يشتريها، وهذا دعم ما قاله الصحفي السعودي حينها. وفي حالة أخرى، نقلت صحيفة إسرائيلية رأيا لباحثة عربية مبتدئة عن موضوع له علاقة بإيران، ولكن الخبر الذي استقطب الاهتمام كان موافقة الفتاة العاملة في مركز أبحاث عربي مرموق على الحديث مع الصحيفة، ولكن عند سؤال الفتاة، قالت ما حدث أن زميل عمل سابقا استراليا اتصل بها بشكل ودي، يقول أنه يعد تقريرا عن الموضوع، وقالت لم أعرف أني أجري مقابلة صحفية أصلا، ولم يدر بخلدي أني أقابل صحفية إسرائيلية. والواقع أنّه في حالة السنوار، فإنّ الصحفية ذاتها كذّبت تقريبا يديعوت أحرونوت، فما نقلته مصادر مثل قناة “روسيا اليوم”، وصحيفة “العربي الجديد”، عن الصحفية، التي أجرت المقابلة، في فيديو بثته بالإيطالية، بأنّ ما حدث هو ترجمة الصحيفة الإسرائيلية لمقالها، من صحيفة إيطالية، كما يحدث عادة، وأنه جرى تحريف السؤال الأول، الذي يتضمن سؤالا عن سبب مقابلة السنوار صحفية إسرائيلية (كما كتبت يديعوت)، وقالت أن السؤال كان لماذا تقابل صحيفة غربية؟.

في الآونة الأخيرة لا يكاد يخلو أسبوع دون خبر من صحيفة إسرائيلية يتضح كذبه، ومن آخر ما قيل عرض  الخمسة مليارات للسلطة الفلسطينية للعودة للمفاوضات، وأخبار تسلح قيادات فتح للاحتراب بينهم، ووجود 3000 قطعة سلاح في مخيم قلنديا، وغير ذلك الكثير، وربما الأجدى أن يتفق الفلسطينيون بينهم، أنّ “الإعلام الإسرائيلي كاذب حتى يثبت العكس”. وأن يمتنع الحمساويون عن تصيد ما يكتب ضد فتح أو يمسها، في الإعلام الإسرائيلي، بعد أن ذاقوا من ذات الكأس، وأن يفعل الفتحاويون الأمر عينه.

لم ينفِ السنوار نص المقابلة، وما نفاه هو ما يتعلق بهوية الصحيفة وطريقة المقابلة، عدا ذلك فقد قال أمرين مهمين، الأول، أنّ أولويته الحالية هي فك الحصار عن قطاع غزة، “ما أريده هو فك الحصار، التزامي الأول هو خدمة مصالح شعبي. حمايتهم والدفاع عن حقهم في الحرية والاستقلال”. مثل هذا الخطاب منطقي ومتوقع من قائد “حماس” في غزة، وهو يقوله بالتوازي مع أمر آخر، هو “من يريد حقاً أن يواجه قوى عظمى نووية بمقلاع؟ الحرب لن تحقق شيئا”. ويوضح هذا: “لا يعني لا أريد أن أقاتل”. في الواقع أنّ ما يقوله السنوار في غزة، لا يختلف عما يقوله حسن نصرالله في لبنان، ولا يختلف عن الرأي الرسمي لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، وعن المنطق السليم أن المقاومة لا تعني بالضرورة الذهاب لمواجهة في الميدان الذي تتفوق فيه إسرائيل (الحرب النظامية)، دون أن يعني هذا وقف المقاومة.

بعيدا عن الجدل حول هوية الصحيفة التي نشرت المقابلة، وهو أمر أقل أهمية من مضمون المقابلة، فإنّ تطوير استراتيجية فلسطينية متكاملة من قبل حركة “حماس” بناء على هذا الفهم الواقعي أمر مهم، وهو أيضاً فرصة يمكن استغلالها من قبل مجمل القوى الفلسطينية لتطوير استراتيجية موحدة.

*عن الغد الاردنية

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى