د.أحمد جميل عزم يكتب – مخطط كوشنير وليس “صفقة القرن”
د.أحمد جميل عزم *- 9/8/2018
ربما يكون أجدى كثيرا استخدام تسميات من نوع خطة كوشنير، أو خطة “أديلسون- كوشنير”، بدل الوقوع في فخ مصطلح “الصفقة النهائية”، الذي اقترحه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في نيسان (إبريل) 2017، ولم يتبناه ويستخدمه ويدخله في خطابه أحد سوى العرب، والفلسطينيين، وفي مقدمتهم نخبهم السياسية، والإعلامية. والأجدى للإعلام العربي، وللسياسيين العرب البدء باستخدام تسميات مثل مخطط كوشنير- أديلسون بدلا من “الصفقة النهائية”، التي فكر بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وتجاوب معه العرب والفلسطينيون، ورفضها الإسرائيليون، والفريق الصهيوني الذي يقود السياسة الأميركية في الشرق الأوسط.
عندما تعلن المندوبة نيكي هيللي، رفضها لتعيين أي فلسطيني في أي موقع اعتباري دولي، حتى على شكل موظف أو مندوب بارز للأمم المتحدة، في أي قضية في العالم، فهي أولاً، لا تتحرك بتفكير ذاتي بل بما يشبه الإملاءات والتعليمات، التي جاءتها من الراعي الصهيوني. وثانياً تقوم بهذا لأنّ اسم فلسطين يجب أن يختفي، من وجهة نظر من يقدم لها الإملاءات. والحادثة الأكثر وضوحاً في هذا الصدد، وإن كانت ليست الوحيدة، هي عندما أعاقت هيللي تعيين سلام فياض مندوبا للأمم المتحدة في ليبيا، في شباط (فبراير) 2017. والواقع أن هذه الحادثة تلخص ما يحدث في الإدارة الأميركية بشأن فلسطين، وتلخص أيضاً قصة “الصفقة” الخيالية. فرغم أن فياض، يعين كشخص هناك، وليس كفلسطيني، فإنّ هيللي، التي أخبرت أمين عام الأمم المتحدة، موافقتها، أثناء المشاورات غير المعلنة، على التعيين، عادت وأعلنت رفضها وقالت “لا تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطين، ولا تدعم الرسالة التي يرسلها التعيين في الأمم المتحدة”. والحقيقة أنّ هيللي التي وافقت على التعيين، وظنت أنه أمر عادي، تراجعت، بعد اتصال شيلدون أديلسون، الملياردير الصهيوني الأميركي، مع إدارة ترامب رافضاً التعيين، من منطلق رفضه سماع اسم فلسطين، أو سماعه الاسم يتردد عالمياً، فضلا عن كراهيته فياض شخصياً.
هيللي بغض النظر عن مدى إيمانها بما تقوله عادة في تأييد إسرائيل، فإنّ الدعم السياسي من الدوائر الداعمة لإسرائيل، داخل الإدارة الأميركية، لها، يعتبر أمرا حاسما شخصياً، وهي ذات “قصّة” ترامب. فعندما اتصل ترامب بناء على طلب اللوبي الإسرائيلي (اللوبي الجديد بقيادة أديلسون والمجلس الإسرائيلي الأميركي IAC، وليس الإيباك (AIPAC))، لإجهاض قرار مجلس الأمن 2334، الذي يدين الاستيطان، في شهر كانون أول (ديسمبر) 2016، بالرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، وعده بمعالجة (صفقة) شاملة، ووافق الرئيس المصري على سحب مشروع القرار، لإعطاء فرصة لهذه الصفقة، التي وصفها، لاحقا عندما التقى ترامب في واشنطن، بأنها ستكون “صفقة القرن” لو تمت. وكما في حالة هيللي، كان ترامب يعتقد أن لا ضرر من الحديث عن صفقة، ولكن هذا أمر مختلف تماماً عما يفكر به بنيامين نتنياهو وشيلدون أديلسون وآخرون. وربما يكون جاريد كوشنير، صهر ترامب، الشخص الموكل له، من قبل أديلسون ونتنياهو ومن قبل آخرين، فضلا عن صهيونيته الذاتية، توجيه ترامب ومرافقته في سياسته الإسرائيلية الفلسطينية، لذلك تولى مهمة إفراغ الصفقة من معناها، أو تغيير معناها. ففكرة الصفقة تعني الجلوس والاتفاق على حل نهائي ما، ولكن السياسة الأديلسونية – الكوشنرية، تقوم على تفكيك القضية الفلسطينية، وشرائها “قطع”، فقطعة القدس كان يراد أن يقتنع الفلسطينيون بالصمت عليها مقابل أموال عرضت عليهم من وسطاء، ورفضوا. وقطعة اللاجئين (كما كشفت فورين بوليسي منذ أيام)، يراد شراؤها عبر تفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) مقابل دفع تمويل الوكالة للدولة المضيفة مباشرة لتتولى تقديم المساعدات للاجئين وبحيث تتلاشى الوكالة وسجلاتها ورمزيتها بالنسبة لقضية العودة، وهو ما رفضه الأردن، بحسب المجلة. وهي ذات الصفقة المطروحة على “حماس” في غزة لمقايضة الإنساني والحصار بالمقاومة والسياسي والأمني.
مقابلة كوشنير “الوقحة” في صحيفة القدس، في حزيران (يونيو) الفائت عن رفع أجور الفلسطينيين، بدلا من الحديث السياسي، هي مخططه الذي يتبجح أنه سيحققه. لذا الأجدى الابتعاد عن استخدام مصطلح “صفقة القرن” المضلل، إلى تسمية مثل مخطط كوشنير- أديلسون، أو ما شابه.