أقلام وأراء

د.أحمد جميل عزم يكتب – ماذا يريدون من “حماس” وماذا تريد؟

د.أحمد جميل عزم – 26/9/2018

تُجري حركة “حماس”، حالياً، مفاوضات غير مباشرة، بوساطة مصرية، باتجاهين مختلفين تماماً، الأول بشأن ما صار يعرف باسم “التهدئة” مع الإسرائيليين، وهناك انقلاب تام في موقف حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في هذا الملف، مقارنة بزمن ما قبل استلام الأولى السلطة، وقبل حصار غزة، وهناك تغير كذلك في مواقف ومطالب الإسرائيليين من “حماس” في هذا الملف. وأما الملف التفاوضي الثاني، فهو ملف المصالحة.

تراجع الجانب الإسرائيلي، والقوى الدولية، عن شروط الرباعية الدولية، عقب انتخابات العام 2006، بضرورة اعتراف “حماس”، بإسرائيل وباتفاقيات السلام والعملية السياسية، والواقع أنّ هذا التراجع منطقي، فحماس لم تعد حكومة، وكان منطقياً أصلاَ عدم طلب شيء منها، هو من اختصاص الحكومات، فلا يطلب من الحركة كحركة موقف رسمي، تماماً مثلما لا يطلب من حركة “فتح” الاعتراف بشيء، بل يطلب من الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية، ويطلب من حكومة السلطة الالتزام بما أقرته المنظمة، لأنّ هذه السلطة وأجهزتها، هي نتاج أمرين، هما قرار منظمة التحرير والاتفاقيات السياسية.

لكن الخطير أنّ الجانب الإسرائيلي يريد التعامل مع “حماس” كما لو كانت ممثل الشعب الفلسطيني، في موضوع التهدئة، فهذا الجانب لا يلتزم بتوقيعه السابق أنّ الممثل الشرعي للفلسطينيين والوحيد، هو منظمة التحرير. والواقع أنّ الإسرائيليين لم يوقعوا اتفاقاً مع المنظمة بسهولة، بل قاوموا ذلك طويلاً، وحاولوا إيجاد قيادات بديلة بشتى الطرق، بدءاً من قيادات محلية (بلديات وروابط قرى)، وصولاً إلى السعي للتفاوض مع دول عربية أخرى نيابة عن الفلسطينيين، وسرية مفاوضات أوسلو كان من أهم أسبابها أن الإسرائيليين لا يريدون أن يُسجل عليهم التفاوض مع منظمة التحرير، فلو لم يتوصلوا لاتفاق كانوا سيزعمون أن من تفاوضوا لا يمثلون إسرائيل رسمياً. والآن فإنّ لمساعي التوصل لاتفاق مع “حماس” سببين، أولهما أنّ الحركة هي من يملك، كأمر واقع، إلى حد كبير، قرار التهدئة والتصعيد في غزة، والسبب الثاني، هو محاولة العودة للسياسة القديمة؛ أي ضرب وحدانية تمثيل الفلسطينيين.

في مسار المصالحة، تريد القيادة الرسمية الفلسطينية، من “حماس”، أن تتصرف على أساس أنها “ليست حكومة”، أي أن تترك كل مهام الحكومة وصلاحياتها وسلطاتها، وذلك بما أنها غادرتها رسمياً، وألا تضع اشتراطات لتنفيذ هذا. وليس صحيحاً أنه يطلب من “حماس” نزع أو تسليم سلاح المقاومة، ولكن أن يكون هذا السلاح مقاومة فقط، لا يتدخل في الأمن العام والحياة اليومية.

أمّا “حماس” فلديها نوع مطالب يمكن تلخيصها بثلاثة أقسام، يجري التعبير عن أجزاء منها بوضوح أكثر من الأخرى. فأولاً “حماس” لديها أزمة “طاحنة” باعتبارها سلطة الأمر الواقع، وتريد الخروج منها سواء بهدنة مع الإسرائيليين، وهذا مخالف لموقفها السابق، زمن ياسر عرفات عندما كانت ترفض فكرة التهدئة، وكانت إذا قبلتها تعلن قبولها على مضض بناء على طلب القيادة الفلسطينية، أو عبر تحميل الحكومة عبء الوضع في غزة، بل وتحميلها، جزءاً من مسؤوليات وتكاليف حركة “حماس”. لكن الأمر الثاني الذي تريده حماس عدا حل الأزمة في غزة، أن تحتفظ بجزء من صلاحيات وسلطات وموارد الحكومة (الأمن والجباية)، أي تريد التخلي عن واجبات الحكومة، والإبقاء على جزء من مواردها وسلطاتها. والأمر الثالث، الذي تريده، هو الشراكة السياسية الكاملة، خصوصاً داخل منظمة التحرير الفلسطينية. والواقع أنّ هذه المطالب الثلاثة تبدو فيها المطالب العاجلة طاغية على مطالب ذات طابع سياسي تتعلق بالتحرير، وهكذا تصبح عملية انحسار الاحتلال مؤجلة حُكماً.

يبدو منطقياً مطالبة “حماس” أنّ تترجم تركها الحكومة، فلا توقع اتفاقيات، فتوقيع الاتفاقيات في كل العالم، من صلاحيات الحكومات والسلطات الرسمية، ومن المنطق مطالبتها ألا تجبي موارد، ولا تتدخل (كفصيل) في الأمن، حتى لو شكلت هي الحكومة. في المقابل من المنطقي جدا أن تطالب “حماس” بخطة متكاملة للشراكة السياسية، ولكن الأجدى من مطالبة الحركة بحماية “حقوق” موظفيها، أن تطالب بنظام إداري غير فصائلي، وأن تضع استراتيجية تحرير وعمل وطني تتعدى عملية إدارة الأزمة في غزة، التي تكاد تسيطر على كل نشاط حركة.  

   عن الغد الاردنية

3

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى