أقلام وأراء

د.أحمد جميل عزم يكتب – كريستينا ياسر كريستينا

د.أحمد جميل عزم – 19/10/2018

هو، يوسف، فدائي، أو بالأحرى متطوع، أو ربما يسمى “مجاهد” قاتل في فلسطين قبل 1948، والآن فدائي في غزة. هي، فتاة لها اسمان، وشخصيتان. قال لها في زقاق المخيم، وهو يكبرها بنصف سنوات عمرها، “كيفك يا كريستينا؟”، وردت مستخدمةً شخصيتها البريطانية، مرتبكة بخفقات قلب فتاة شابة، “واااااااااااو”. وانتهى أمل الفتيات الحالمات بالزواج من يوسف، فقد أخذته الفتاة وتزوجته وتزوجها. هذا مشهد من رواية عاطف أبو سيف، “الحاجة كريستينا”.

في روايات يحيى يخلف الأولى قصص حياة في مخيم، طازجة، من أمام نار مخبز المخيم، حيث الخبز والجوعى الذين يحلمون برغيف، والشاب الملاكم في مركز رياضي، والفتاة الجميلة الممشوقة تملأ الماء، والفقر والافتقار للملابس والطعام، ثم ظهور الفدائي. وفي رواية الطنطورية، لرضوى عاشور، كيف غيّر ظهور الفدائيين من الروح المعنوية وصار في الحياة “ثورة”، وهذه “الروح الثورة”، جعلت الناس، والشباب، حتى نهاية الثمانينيات يعتبرون المخيم هوية وطنية نضالية.

تقول الباحثة الكندية، نعومي كلاين، إحدى أشهر الرافضات للرأسمالية التي تحول حياتنا إلى سلع، إنّ من لديه تاريخ ويلجأ له يصعب تحويله لسلعة. ومن هنا ربما لاذ جزء من الروائيين الفلسطينيين، بعد اتفاقيات أوسلو، وتراجع الثورة في حياتنا اليومية، وفي ملابس الشباب والشابات، وفي كحل عيونهم، إلى التاريخ؛ فعاد إبراهيم نصرالله، وسحر خليفة، ويحيى يخلف، وغيرهم للتاريخ يكتبون القصة منذ، ما قبل، البداية.

في العام 2016، كتب يحيى يخلف رواية “راكب الريح”؛ نمطا مختلفا تماماً عن رواياته السابقة، حيث يوسف بطل القصة، شخصية أسطورية، في يافا، في بداية القرن التاسع عشر. رواية فيها جمال وحب وعشق وألوان وسجّاد ورسّام، ولكنها دخلت “الخيال العلمي”، أو “الأساطير”، مثلا بركوب يوسف بساط ريح حصل عليه في الهند ليعبر جبالا وسماواتٍ مدافعا عن يافا. وكأن يخلف أقام جسراً بين روايات تعتمد على التاريخ وأخرى على الخيال العلمي والأساطير. فهل هي صدفة أنّ عاطف سيف، في العام ذاته أصدر “الحاجة كريستينا” التي تبدأ بحدث ظهور وحش أو شبح ضخم من البحر في غزة، العام 2014؛ يضرب الماء في البحر ويبعثر النجوم في السماء، ليالي متتالية. هذا الشبح هو البداية لقصّة، بدأت أيضاً في يافا.

كتب عاطف أبو سيف، أكثر من 300 صفحة من قصص المخيم، عشرات القصص، منها مثلا قصة الصياد حسن، الذي كان أجداده منذ بدء الزمن، صيادين في بحر يافا، وكان في العائلة تقليدٌ أن يحمل الأب ابنه قبل مرور عام على ولادته ويرميه في البحر ويخرجه، ليبدأ به علاقته مع الماء. هكذا فعل أبوه معه، لكن النكبة أخرجتهم إلى غزة، ومع نقمة أبيه أنّ هذا البحر ليس كبحر يافا، عادوا للصيد، وصار لديهم مورد رزق، والقارب يوصلهم بورسعيد وقرب قبرص واليونان، وألقى حسن أبناءه في البحر واستعادهم. لكن الحياة واصلت التراجع، فصار الاحتلال يقيّد الصيد بثلاثة كيلومترات، فضاقت الحياة أكثر، ثم أغرقوا قارب حسن، في زمن جديد.

القصّة الأساسية في الرواية، قصة فتاة اسمها فضة، أرسلها والدها الصحفي عوني السعيد، العام 1947، للعلاج في لندن، فقطعوا إصبعها، ولكن حرب النكبة قطعت طريق العودة، وماتت العائلة في الحرب، وصارت بنتاً بريطانية تبناها صديق والدها الثري الإنجليزي، جورج، وصارت ابنته كريستينا. وبعد موته، وهي في أول سنة جامعية لدراسة الطب، تطردها أخواته، وتعود للمخيم العام 1958، وبعد استشهاد زوجها الفدائي بعد العام 1967، عقب انضمامه للتنظيم الفدائي الجديد، يكبر ابنهما ياسر، ويذهب للدراسة، وتختفي آثاره بعد حرب 1982 في بيروت؛ حيث تابع طريق “الفدائية”، وتكبر القصص في الرواية، وتصبح كريستينا حاجّة، قبل أخذها في ظروف غامضة إلى لندن، العام 2008. وتدور قصص كثيرة في عصر الإنترنت والمخيم، ولكن الثابت أنّ كل شيء ينتهي؛ لم يعد جمال المخيم قائماً، كما في الماضي؛ الشباب يريد الهجرة، هناك “ضجر”، لا حب ينجح، ولا عمل، ولا أمل، ولكن في المشهد الأخير، يعود شباب؛ عبر ظهور الشقراء “كريستينا ياسر”، حفيدة الحاجة كريستينا.

تحكي الرواية تطور روح المخيم، فللمخيم في الرواية ثلاث طبعات. ولهذه الفكرة وللرواية أيضاً تتمة، قد تأتي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى