أقلام وأراء

د.أحمد جميل عزم يكتب – قرارات المركزي.. رُبع الطريق

الغد – عمان – د.أحمد جميل عزم – 17/1/2018
انعقد المجلس المركزي الفلسطيني، في سياق رد الفعل على قرارات الإدارة الأميركية بشأن القدس، واتخذ مجموعة قرارات، يشكل بعضها، من الناحية النظرية، على الأقل، تطوراً في الموقف الفلسطيني من الاحتلال ودولته، ومن الإدارة الأميركية، وهذه القرارات، حتى مع الخشية من أنها لن تنفذ، شأنها شأن قرارات سابقة، فإنّها ستكون مؤثرة، وسيتغير بموجبها الخطاب الرسمي الفلسطيني، والمناخ الشعبي، وهذه القرارات ستطرح عدا عن مسألة تنفيذها فعلياً، سؤالاً ملحاً بشكل أكبر مما مضى، عن البدائل الفعلية الاستراتيجية للمفاوضات والعملية السياسية.
ربما لم تتسلط الأضواء على شق سلبي مهم في الموقف الأوروبي، تطور مؤخراً إزاء المسألة الفلسطينية، فرغم الرفض الأوروبي الكبير نسبياً للقرار الأميركي بشأن القدس، إلا أنّه جرى إبلاغ القيادة الفلسطينية، من قبل الدول الرئيسية أنّه لن يتم الاعتراف بدولة فلسطينية، وكانت هناك آمال فلسطينية رسمية، على سبيل المثال، في أنّ فرنسا تحديداً ستتخذ موقفا إيجابيا من مسألة الاعتراف، خصوصاً مع وجود مباحثات سابقة بهذا الشأن، كان لها فيها موقف أقرب للإيجابية، من مسألة الاعتراف إذا استمر التعنت الإسرائيلي. ولكن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، قال أثناء لقائه مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في 22 من الشهر الفائت، في باريس، أنّه لن يتم الاعتراف بدولة فلسطينية، باعتبار ذلك عملية أحادية الجانب، دون الالتفات أنّ هناك أسبابا قانونية دولية تبرر هذا الاعتراف، ودون التوقف عند وجوب التصدي للسياسات الإسرائيلية أحادية الجانب، وعلى رأسها الاحتلال ذاته. وشاطرت دول أوروبية أخرى فرنسا موقفها، وأهمية ذلك أنّ فكرة الراعي البديل، والأهم فكرة قيام العالم بموقف وإجراءات ضد الإسرائيليين باعتبار فلسطين دولة محتلة يجب تحريرها يبدو أمراً صعباً.
يمكن تلخيص قرارات المجلس المركزي التي تضمنت تكرار قرار سابق بوقف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين، بأنها قرارات بالتراجع عن الاتفاقات الموقعة مع الإسرائيليين بعد أن تراجع عنها الإسرائيليون بالفعل منذ سنوات، أي عدم الاستمرار بالالتزام من طرف واحد، ومن ذلك تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، بما سمي “تعليق الاعتراف” بإسرائيل لحين الاعتراف الإسرائيلي بدولة فلسطينية عاصمتها القدس، وعلى حدود العام 1967. وأيضاً تم تبني قرار لافت هو تأييد المقاطعة ضد إسرائيل باعتبار ذلك عقوبة، ولم تقتصر القرارات على الدعوة لمقاطعة المستوطنات كما كان عليه موقف القيادة الفلسطينية الرسمي في الماضي.
كذلك فإنّ الدعوة لقطع العلاقات العربية مع الولايات المتحدة الأميركية، رداّ على قرار القدس، والتزاماً بقرار القمة العربية العام 1980، الذي ينص على مقاطعة أي دولة تعترف بالقدس عاصمة إسرائيلية، فحتى وإن بدا مستبعداً الالتزام بها من قبل الدول العربية، فإنّها ترفع سقف الموقف الفلسطيني، وسقف التوقعات من الموقف العربي.
هذه القرارات توجه رسالة للقواعد الشعبية الفلسطينية أنّ مسألة المفاوضات لم تعد قائمة في المدى المنظور، وستزيد الميل الشعبي للمقاومة والرفض، ولكن هذا سيزيد من إلحاح الحاجة أن تطور منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل المختلفة، برامج عمل جديدة لقيادة الشارع وتعبئته داخل وخارج فلسطين. فما طرحه المركزي، هو في أحسن الأحوال رد على السياسات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة وليس استراتيجية جديدة متكاملة.
إنّ هذه القرارات أشبه بربع الطريق المطلوب فلسطينياً، فالربع الثاني هو تطبيق هذه القرارات فعلاً، ووضع خطط تنفيذية وتفصيلية بشأنها. والربع الثالث، تجديد منظمة التحرير الفلسطينية عبر تجديد عضويتها وضم الأجيال الجديدة، وتفعيل مؤسساتها داخل وخارج فلسطين. والربع الرابع وضع تصور وخطة جديدة للوصول للأهداف الفلسطينية، فما يطرح من أدوات ووسائل من قبل القيادة الفلسطينية، سيؤدي في أحسن الأحوال لتعزيز الحضور السياسي الفلسطيني دولياً، ويؤدي للرد على السياسات الإسرائيلية، ولكن تحول هذه القرارات لتكون عملية ضاغطة حقاً على الإسرائيليين حد التراجع عن الاحتلال، بحاجة للكثير من التغييرات في بنية العمل الفلسطيني، ولا سيما بالنسبة لمسألة استمرار عمل السلطة الفلسطينية بالطريقة الحالية، وسيكون بحاجة لتضحيات ومراجعات عميقة للعمل الفلسطيني وبناه داخل وخارج فلسطين، ما يستدعي ربما عقد مجلس وطني مُجدد، أو مؤتمر وطني كبير لبلورة الاستراتيجيات الجديدة ووضع خططها وتحقيق توافق بشأنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى