د.أحمد جميل عزم يكتب – بعد أن قزّم "الرئيس المغرّد" بلاده
الغد – عمان – د.أحمد جميل عزم – 4/1/2018
بتغريداته المتتالية وتصريحاته المتكررة يكون دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأميركية، قد قزّم قدرات بلاده وأدواته إلى موضوع المساعدات الاقتصادية التي هي أحد أضعف أوراق القوة الاميركية. وتغريداته المستمرة بالشأن الفلسطيني إعلان إفلاس، وعدم نضوج سياسي. يبقى أنّ هذا العبث والتقزيم الذي يمارسه ترامب بحق بلاده، يجب أن يلقى الرد المناسب عربياً، والبعد عن تصريحات من نوع البحث عن وسيط آخر للتفاوض.
في تغريدتين على تويتر، من تلك التي اعتاد ترامب أن يطلقها ربما بعد استيقاظه من النوم مباشرة، وبعد تغريدة توعّد فيها باكستان بوقف المساعدات بسبب عدم تناسب مواقفها في الحرب على الإرهاب مع توقعاته (رغم اتضاح مبالغته بحجم ووتيرة المساعدات المقدمة لباكستان كما لاحظت، على سبيل المثال، CNN)، صب غضبه على الفلسطينيين، بطريقة فيها تقزيم لبلاده مرتين.
الأولى، عندما ناقض التصريحات التي قالها هو، وقالتها مندوبته للأمم المتحدة نيكي هيللي، وقالها المسؤولون الآخرون، من أن قراره الشهر الفائت، بشأن القدس لا يخلّ بنتيجة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، فقد قال في تغريدة، ما بعد النوم، إنّه جرى “رفع القدس عن الطاولة”، أي لم تعد موضوعاً للتفاوض، وإنه يتوقع من الإسرائيليين أن يقدموا أكثر الآن، ولكن المشكلة أن الفلسطينيين يرفضون التفاوض “فلماذا نقوم بهذه الدفعات الضخمة لهم مستقبلا”. وكتب مستخدما أحرف كبيرة، دلالة الصراخ، الذي يحبه عندما يتحدث عن المال، إنّ بلاده “تقدم مئات ملايين الدولارات للفلسطينيين”، ولكن الفلسطينيين “لا يبدون تقديرا أو احتراما”. وجرى قبل هذا تهديد الفلسطينيين، من قبل هيللي، بوقف دعم وكالة غوث اللاجئين (الأونروا). وهكذا فإنّ ترامب أكد تناقض وكذب التصريحات السابقة عن المعنى الحقيقي لقرار القدس، وهذا يزيد من إضعاف مصداقية القوة العظمى. يستخدم ترامب ومندوبته التلويح بقطع المساعدات باستمرار، وكأن هذه هي ورقة القوة الأميركية الأهم، متناسين أنّ قوة بلادهما الحقيقية كانت في مجالات أخرى بدءا من القوة العسكرية حتى القوة الناعمة وصورة الولايات المتحدة بين شعوب العالم.
إذا استمر الانسحاب الأميركي من المؤسسات الدولية، مثل اليونسكو، والأجهزة القضائية الدولية، وربما الأمم المتحدة، فهو يعزل بلاده، وعملياً تكون الإدارة الأميركية، تقول إنّ الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال ولا يملكون قوة عسكرية أو اقتصادية، من أي نوع، قد أسهموا في تقليص الحضور الأميركي عالمياً. والأصح، أنّ الإصرار الأميركي على دعم إسرائيل بغض النظر عن أنها دولة مارقة بكل المقاييس، هو الذي يقزّم الولايات المتحدة. وسيكون هناك تقزيم حقيقي كالذي شهدته الأمم المتحدة مؤخراً، عندما أدارت دول العالم التي تعطيها الولايات المتحدة مساعدات ظهرها وصوتت ضد واشنطن، والآن إذا قدم العرب والعالم للفلسطينيين ما يعوّضهم عن المساعدات الأميركية، وإذا قرر الفلسطينيون “الصعود للجبل” ثانية، عبر المقاومة السياسية، والدبلوماسية، والشعبية، والميدانية، وحصلوا على تأييد لذلك فإنّ المساعدات التي يعتبرها ترامب سلاحه الفتّاك، سيتضح أنها نمر من ورق. والواقع أن الفصائل الفلسطينية ومنظمة التحرير نشأت واستمرت عشرات السنوات، وأثبتت وجودها دون أموال أميركية من أي نوع، وحصلت على اعتراف عالمي، أجبر واشنطن أن تُسلّم أن لا بديل سوى التعامل مع ممثل الفلسطينيين الشرعي والوحيد.
فليحقق الفلسطينيون انتصارات دبلوماسية وإعلامية، وليحققوا وليحتفلوا بوحدتهم الوطنية، بقدر ما يمكنهم الاحتفال بعيدا عن واشنطن، وليذهبوا للمنظمات الدولية كما قالوا، ولتنشط لجان التضامن العالمية والعربية، وتعلن كل الحكومات العربية، حتى لو كان ذلك عن خجل ودون رغبة، أنها لا تتراجع عن دعم الحق الفسلطيني، ولتمنع الحكومة الفلسطينية المنظمات غير الحكومية من تلقي مساعدات أميركية، وتمنع الشخصيات الفلسطينية المستقلة من لقاء رسميين أميركيين، ليتضح كم أنّ “الرئيس المُغرّد” خارج السرب، وأنّ هناك بدائل، وأن الفلسطينيين وممثلهم الشرعي الوحيد، بدعم عربي وعالمي، سيبقون الرقم الصعب إقليميا وفلسطينيا.
الحديث عن راع بديل للمفاوضات هو عبث، أما الحديث عن تدويل الصراع والمقاومة الشعبية والوحدة الوطنية والتضامن، والطلب من دول العالم والدول العربية، تأمين شبكة الأمان المالية، فهو ما يشكل بديلاً حقيقياً من رئيس القوة العظمى الذي قزّم بلاده لخدمة اللوبي الإسرائيلي المحيط به.