د.أحمد جميل عزم يكتب – الفلسطينيون واستبدال موسكو بباريس
الغد – عمان – د.أحمد جميل عزم – 14/2/2018
لدى الإٍسرائيليين أجندة أهم معالمها حالياً ترتيب جبهة سورية، و”التوسع السرطاني” قدر الإمكان في الضفة الغربية، على اعتبار أنّ “القدس رُفعت عن الطاولة”، أمّا الفلسطينيون فيراوحون مكانهم بأهداف واضحة ولكن دون أجندة عملية داخلياً أو خارجياً، وآخر معالم مراوحة المكان، استبدال موسكو بباريس بالبحث عن وسيط سلام، والسؤال هل فرص الروس أفضل من الفرنسيين؟
التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاثنين الفائت، في موسكو، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإذ أكد رفضه الوساطة الأميركية في عملية السلام، فإنّه أشار إلى أنّ “لا مانع لدى فلسطين لأن تكون الوساطة في عملية التسوية متعددة الأطراف كالرباعية ودول أخرى من قبيل الآلية التي تم استخدامها في المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي”.
يبدو الطرفان الأميركي والإسرائيلي، وقد وضعا جزءا لا يستهان من اعتمادهما على ترتيب الوضع في سورية، على الجانب الروسي، فاللقاءات والاتصالات الهاتفية الروسية الإسرائيلية، تتزايد، وتكاد تصل لمرحلة وجود خط ساخن، بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وبوتين، كما حدث السبت الفائت، عندما ساهم اتصال هاتفي في احتواء الموقف في سورية، ووقف الهجوم الإسرائيلي هناك. وهو ما يأتي على الأغلب ضمن وعود موسكو ترتيب الوضع، المقبل، والعمل على تقديم ضمانات يريدها الإسرائيليون بشأن الوجود الإيراني، وحزب الله، في سورية.
يوجِد هذا التنسيق الروسي- الإسرائيلي في سورية، وضعا جديدا في معادلة السياسات الإسرائيلية. فموسكو، ليست واشنطن. فبالنسبة للأميركيين والإدارات الأميركية، هناك وحدة عضوية مع الإسرائيليين، يتعلق في جزء منها بتصورات دينية ومذهبية وثقافية، وفي جزء آخر بحسابات قوة اللوبي الإسرائيلي في الانتخابات الأميركية، وكلا الأمرين غير موجودين في الحالة الروسية. وبالتالي تنسق موسكو مع الإسرائيليين مقابل مكاسب معينة.
وحتى الآن كانت أهم المكاسب الروسية عدم الاعتراض الإسرائيلي وعدم تأليب واشنطن ضد العمل الروسي في سورية، مقابل ضمانات روسية للإسرائيليين، بشأن ضبط ولجم الوجود الإيراني في سورية، ولأنّ الجانب الإسرائيلي غير معني بسقوط الحكم في سورية، دون معرفة البديل القادم. ولكن مع المرحلة الجديدة في سورية، يبدو أن الإسرائيليون يطالبون موسكو بالوفاء بالتزاماتها حتى النهاية، بضبط خريطة الأوضاع الجديدة في سورية بالتشارك مع الإسرائيليين، الذين يفضلون النفوذ الروسي في سورية، على أي نفوذ آخر. بالمقابل فإنّ الروس، بعد أن حققوا أغلب مطالبهم في سورية باتوا أقل حاجة للموافقات الأميركية والإسرائيلية، خصوصاً أن الهدف الأميركي في سورية محدود هو عودة اللاجئين وإخماد الفوضى هناك قدر الإمكان، خوفاً من استمرار سورية قاعدة لقوى مناوئة لها. وهذا يعني أنّ موسكو لو أرادت قد تستخدم الورقة السورية للضغط على الجانب الإسرائيلي في الملف الفلسطيني، سواء لتحريك التسوية أو لجم الاستيطان.
لكن السؤال لماذا تحتاج روسيا لفعل ذلك؟
يحرص الجانب الإسرائيلي دائماً على فصل أي ملف إقليمي عن ملف التسوية، بل يقوم دائماً باستخدام أوراق إيران وحزب الله، لحرف الانتباه عن الموضوع الفلسطيني.
في ضوء عدم إبرام المصالحة الفلسطينية وعدم تجديد أطر العمل الفلسطينية وعدم تفعيل حملات التضامن عالمياً وعربياً، وعدم تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني، في اجتماعيه اللذين جريا في الأعوام الأخيرة، وفي ضوء الفتور العربي لتحريك الملف الفلسطيني، لا يوجد لدى القوى الدولية المختلفة دافع حقيقي، أو شعور بقلق أو مصلحة للتحرك واستثمار جهد وأوراق قوة تذكر في فرض عملية تسوية سلمية.
الأجندة الفلسطينية الحقيقية هي ذاتية بالدرجة الأولى، تبدأ بإعادة تفعيل “القبيلة الفلسطينية” العالمية، والتنسيق مع الشركاء العرب جدياً خصوصاً مع الأردن ومصر، حيث لا تبدو وجهات النظر موحدة تماماً بشأن ملفات، منها الوساطة الأميركية. والتحرك على هذه الأصعدة لا يبدو فاعلاً.
في ضوء عدم تجديد الذات فلسطينياً، وعربياً، لا تبدو أوراق القوة الفلسطينية كافية، لجعل موسكو أو أي قوة عالمية، تقوم بدور حقيقي، وهذا ما حدث مع باريس التي تولت لسنوات زعم أنها ستوجد آلية دولية، وتدعو لمؤتمرات دولية، وانتهى الأمر لمؤتمر مضى عليه الآن، أكثر من عام، بلا أي مضمون عملي، دون أفكار للتسوية، ودون اعتراف فرنسي بالدولة الفلسطينية، كما كانت الوعود.