ديلي بيست: هذه هي خطط أردوغان للقاعدة في سوريا
احمد يايلا *، ديلي بيست ١٠-١٠-٢٠١٨
توصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الشهر الماضي إلى اتفاق مع الروس، لمنع وقوع مذبحة محققة من النظام السوري، بمعاونة الطيران الروسي في شمال سوريا. و تم توقيع الاتفاقية، التي أطلق عليها اسم “مذكرة تفاهم لإرساء الاستقرار في منطقة خفض التصعيد في محافظة إدلب”، في تاريخ 17 أيلول/ سبتمبر، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واحتوت على عدة نقاط، بينها منطقة منزوعة السلاح حول مدينة إدلب، مستدركا بأن أهم ما فيها هو التزام أردوغان بسحب “المجموعات الإرهابية المتطرفة” الموجودة هناك كلها، بما في ذلك 10آلاف مقاتل كانوا مرتبطين سابقا بتنظيم القاعدة، وغيروا اسم تنظيمهم إلى هيئة تحرير الشام.
الموعد الأقصى لفعل ذلك هو 15 تشرين الأول/ أكتوبر، أي أقل من أسبوع من الآن، وبالنسبة لثلاثة ملايين شخص محاصرين في مدينة إدلب وما حولها، فأي شيء يوقف هجوما شاملا وقصف، فهو بالتأكيد فرج كبير، أما بالنسبة لأردوغان فهي ضربة معلم”.
وعندما يعد بتجريد 10 آلاف مقاتل مرتبطين بتنظيم القاعدة من السلاح ويمنحهم خروجا آمنا من المنطقة، فأين يفكر في إرسالهم؟”.
الدلائل كلها تشير إلى أن أردوغان يخطط لاستخدامهم لخدمة مصالحه، وفي النهاية وضعهم في مقابل المقاتلين الأكراد الذين تدعمهم أمريكا، القوات التي عرفت باسم لجان حماية الشعب والمرتبطة بحزب العمال الكردستاني داخل تركيا، لكن الأمريكيين اختاروا أن يقللوا من شأن تلك العلاقة مع الإرهابيين الأكراد عندما أصبحوا يعتمدون على مقاتلي وحدات حماية الشعب لحربهم البرية على ما يمسى تنظيم الدولة، الذي تمت هزيمته إلى حد كبير.
الخطط، بحسب التقارير، تقتضي أن يقوم أردوغان بنقل مقاتلي هيئة تحرير الشام إلى منطقة قريبة من الحدود التركية ثم لمدينة عفرين السورية، التي تحتلها تركيا، (والتي أرادها الأكراد تحت سيطرتهم)، والخطوة التالية، بحسب وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، هي إنهاء سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على منبج، مخاطرين بمواجهة مع القوات الأمريكية المتمركزة هناك”.
والأهم هو أن هيئة تحرير الشام تسيطر على 60% من إدلب، ولا تزال لم توافق على الخطة، وقد يتساءل الشخص ما الذي يجعل أردوغان يظن أن التنظيم سيوافق على ذلك؟.
أردوغان ليس ساذجا لأن يأخذ على عاتقه مهمة كهذه دون حساب دقيق، وفي الحقيقة فإن مخابراته لها سجل طويل في العمل مع الجهاديين في سوريا، بمن فيهم معظم المتطرفين.
ومن ناحية القوة، فإن تركيا تملك قوات ودورعا في المنطقة، وتحالف الثوار الجديد الذي يطلق على نفسه اسم الجبهة الوطنية لتحرير سوريا، بالإضافة إلى الجيش السوري الحر، وترفض هيئة تحرير الشام التوقيع على الاتفاق، لكن 12 مجموعة أخرى، بينها جماعة أحرار الشام ونور الدين الزنكي وبعض المجموعات المرتبطة بالإخوان المسلمين، انضوت تحت المظلة التركية، وهذه معا قوامها 100 ألف مقاتل”.
ويبين الكاتب أن “تركيا تسيطر على مدينتين كبيرتين على الحدود السورية التركية، عفرين والباب، وتحتفظ بوجود عسكري هناك، وتدعم الجيش السوري الحر الذي تنفق عليه الحكومة التركية، فيبدو أن لدى تركيا قوة عسكرية كافية، مقارنة مع 10 آلاف مقاتل تابعين لهيئة تحرير الشام، لتطبقه.
ومع أن هيئة تحرير الشام انتقدت مذكرة التفاهم، أي (أنها لن تلتزم بالخطة التركية الروسية)، إلا أن النتيجة قد تكون أكثر تعقيدا، فزعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني ورئيس مجلسها الشوري أبو جابر شيخ يكافحان لإبقاء التنظيم متحدا بعد الانفصال عن تنظيم القاعدة، حيث كان العديد من كبار المقاتلين الموالين لتنظيم القاعدة غير راضين عن هذا الانفصال، في الوقت الذي يميل فيه البعض الآخر لتركيا، خاصة أنها دعمتهم في الماضي، وكثير منهم لم ينس المساعدات العسكرية والإنسانية التي وصلتهم من تركيا، بما في ذلك الشاحنات التابعة للمخابرات التركية، التي كانت تنقل الأسلحة لهم على طريق أضنة.
حتى هيئة الإغاثة الإنسانية التركية عملت مع المجموعات المرتبطة بتنظيم القاعدة، وكان يمر أعضاء تنظيم القاعدة بحرية عبر الحدود التركية دون إيقافهم، ولم تقم تركيا بمحاربة تنظيم القاعدة منذ عام 2014“.
ويعتقد يايلا أن “هذا كله جعل من الصعب على هيئة تحرير الشام مهاجمة تركيا بشكل علني، حتى عندما صنفتها تركيا في 31 آب / أغسطس 2018 منظمة إرهابية، فيما سماه كثير من أعضاء الهيئة تحركا تكتيكيا.
إن تعاطف قيادة هيئة تحرير الشام مع أردوغان واضح في دعاية تنظيم القاعدة، فمثلا كتب محمد المقدسي، المربي الروحي لأبي مصعب الزرقاوي، قائلا: (المسلمون تحت حكم أردوغان أقل شرا)، مشجعا أعضاء تنظيم القاعدة للاستفادة من الحريات المتوفرة في تركيا، وعدم القيام بأعمال ضارة وعشوائية.
هذه المقاربة الإيجابية تجاه أردوغان لوحظت في انتخابات 2018، حيث خرقت المنظمات السلفية والجهادية قواعدها بدعم أردوغان، بالرعم من موقفها المعروف من الانتخابات باعتبارها ممارسة الكفار، حتى أن بعضهم حمل لافتات تقول: (لا نؤمن بالديمقراطية لكن أصواتنا لأردوغان).
والأقل وضوحا هو دور المخابرات التركية، وتعاونها مع تلك المجموعات، بالإضافة إلى منظمة شبه عسكرية خاصة، يقودها مستشار أردوغان للشؤون العسكرية الجنرال عدنان تانريفيردي، التي تقوم بتقديم الاستشارات والتدريب لعدة مجموعات جهادية في سوريا؛ لتقوية نفوذ وسيطرة تركيا في المنطقة.
ولذلك من الخطأ الظن بأن الوفاء بعملية نقل هيئة تحرير الشام سيكون نوعا من الصراع لنزع سلاح عدو، بل سيكون حوارا مع حلفاء عنيدين ولهم مكان جيد في خطة أردوغان.
وأن هدف تركيا على المدى الطويل هو السيطرة على الحدود مع سوريا لمنع تمدد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذراع السياسي لوحدات حماية الشعب الكردية.
وصفقة إدلب توفر ما يريده أردوغان لضمان أهدافه البعيدة، في عدم السماح لحزب العمال الكردستاني بالارتباط عسكريا في المنطقة، ويتوقع أن تقوم الخطة التركية على نشر القوات الموالية لتركيا ضد قوات حماية الشعب الكردية بمجرد مغادرة الأمريكيين للمنطقة.
وكثيرا من السنة العرب يدعمون أردوغان ويبغضون أيديولوجية وحدات حماية الشعب الكردية الشيوعية؛ لأنها ضد الإسلام، ولأن قوات سوريا الديمقراطية، التي ساعدتها أمريكا للسيطرة على مناطق كانت تابعة للعرب السنة من قبل، غالبيتها من الأكراد، وإحدى تلك المناطق هي تل أبيض، حيث قامت تركيا مؤخرا بحشد قواتها بالقرب من مواقع قوات سوريا الديمقراطية.
وينقل الموقع عن نائب رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي صالح مسلم، قوله إن نقل الجهاديين إلى عفرين قد يؤثر على ديمغرافية المنطقة، بحيث لا يستطيع الأكراد المحليون بالعودة إلى بلداتهم في المنطقة.
ويختم يايلا مقاله بالقول إن أردوغان يقدر بأنه من خلال إنقاذه لسكان إدلب يضمن قيادته بين السنة العرب، بمن فيهم معظم السوريين العرب ومؤيدي حركة حماس والإخوان المسلمين، ومع ذلك فلا ضمان لنجاح الخطة، لكن إن فشلت فإن بإمكان أردوغان القول بأنه فعل كل ما كان بوسعه لحماية الناس في إدلب من العدوان السوري الروسي، وسيستخدم قواته والقوات الوكيلة لمطاردة مقاتلي هيئة تحرير الشام، ويبدأ بعمليات ضد التنظيمات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
* احد يايلا، المتخصص في الأمن القومي في جامعة دي سيلز