ترجمات عبرية

دوف حنين ​- روح الكابوس للاشتراكية

هآرتس – مقال – 27/1/2019

بقلم: دوف حنين

روح الكابوس تحوم فوق رأس نحاميا شترسلر، روح كابوس “الاشتراكية الجديدة”، حسب تعبيره. بعد أن هاجمني لأنني أنتقد غلاء المعيشة في اسرائيل (“هآرتس”، 18/1)، هو متفاجيء من الردود. “المشاعر اصبحت تغلي، الشتائم نمت، وكانت لاذعة بشكل خاص”، كتب في 22/1. ولكن ما العمل أن الناس يشعرون من خلال تجاربهم الحياتية أن شترسلر مخطيء، وأن استخدامه للاحصاء يذكر بالنكتة القديمة عن الشخص الذي غرق في نهر عمقه بالمتوسط 1 سم.

أولا، شترسلر مخطيء في أنه يتعامل مع غلاء المعيشة فقط من الجانب الاستهلاكي. قبل أن نخرج المال من المحفظة نحن نحتاج أولا أن يدخل اليها. بكلمات اخرى، الاسعار المرتفعة هي وجه واحد للمعادلة. الوجه الآخر هو الأجور المنخفضة في اسرائيل، بالنسبة لما هو مقبول في الدول المتقدمة. حسب تقرير الـ OECD فان نسبة الحاصلين على أجر منخفض في اسرائيل هي 26.4 في المئة، مقابل 15.7 في المئة هو المتوسط في الـ OECD. صحيح، بنضال عام وبرلماني نجحنا، بواسطة مبادرة “حد أدنى 30″، في رفع أجر الحد الادنى الى 5300 شيكل شهريا. الأجر الادنى ارتفع، لكنه لم يرتفع بما فيه الكفاية وهو ما زال منخفضا مقارنة مع الدول المتقدمة الاخرى. لذلك، شعور اسرائيليين كثيرين أنهم غير قادرين على انهاء الشهر هو شعور دقيق.

هناك معطى آخر يجب أخذه في الحسبان هو اسعار السكن. في 2011 ازمة السكن كانت عاملا رئيسيا للاحتجاج الشعبي. لكن منذ ذلك الحين، مؤشر اسعار السكن قفز بـ 44 في المئة اخرى. في هذه السنين حدثت زيادة ملموسة ليس فقط في اسعار الشقق للشراء، بل ايضا في ارتفاع أجرة الشقة. ولأن السكن هو مركب رئيسي في نفقات العائلة في اسرائيل، عندما لا يستطيع الاشخاص أن يمولوا لانفسهم مكان سكن، هم يشعرون أنه حقا لا يمكنهم اكمال الشهر.

لذلك يجب أن نضيف التآكل المستمر للخدمات الاجتماعية الذي يؤدي الى أن العائلات تنفق الآن مبالغ أخذة في الازدياد على الصحة والتعليم والتمريض، بدلا من أن تقدم هذه كخدمات عامة من قبل الدولة.

أقترح على شترسلر أن يتحدث مع كل شخص يضطر الآن الى الانتظار ساعات طويلة في غرفة الطواريء المكتظة – المكان الذي فيه عدد قليل جدا من الاطباء والممرضات، الذين جميعهم يحصلون على رواتب متدنية جدا، ويضطرون الى علاج عدد كبير جدا من المرضى. أو التحدث مع مرضى يستلقون على الأسرة في أروقة المستشفيات بسبب نقص الأسرة. الحكومة تقوم بتجفيف الجهاز العام، وتبث لهؤلاء الاشخاص أنه الآن لا يمكن الاعتماد على الصحة العامة لذلك يجب الذهاب وشراء بوالص تأمين صحي خاصة مرتفعة الثمن. إن مواجهة ازمة ارتفاع غلاء المعيشة في اسرائيل تمر ايضا عبر تقليص النفقات الصحية للعائلات.

ايضا “التعليم المجاني” في اسرائيل لم يعد منذ زمن بالمجان. الآباء الشباب ينفقون كل شهر آلاف الشواقل على عائلات خاصة تعتني بأولادهم لأن الدولة لا تدير تعليم بالمجان عند بداية عطلة المدارس. ايضا عندما يكبر الاطفال ما زال يطلب من الآباء الدفع عن النشاطات في رياض الاطفال والمدارس العامة وعن التعليم العالي. إن مواجهة ازمة غلاء المعيشة في اسرائيل تمر ايضا عبر تحويل التعليم العام الى تعليم عام بالفعل. هذا ربما يحبط شترسلر، لكن عندما يعرضون على الاسرائيليين تعليم بالمجان، علاج مجاني، حلول اجتماعية للسكن ورفع الأجور – سيستقبلون ذلك بحفاوة، حتى عندما يصرخون في وجوههم بأن هذه “اشتراكية جديدة”.

شترسلر يخطيء مرة اخرى عندما ينسب لي حماسة من نشاطات عنيفة على شاكلة “الستر الصفراء” في فرنسا، خلافا لما يظهر من اقوالي، أنا غير متحمس أبدا للعنف، الى جانب الانتقاد القيمي، أنا ادرك أن الاحتجاج العنيف يجر قمع عنيف. وهذه طريقة آمنة بالتحديد لاسكات المقاومة وكم الافواه. من ماذا حقا أنا أتحمس؟ من استعداد الناس للخروج الى الخارج واسماع صوتهم، استعداد الناس لكسر دائرة اللامبالاة واختراق الادمان على اليأس. هذه امور تحدث في اماكن اخرى، وأقل بكثير تحدث لدينا.

أنا أكثر من التجول في البلاد والالتقاء مع الناس. مرة تلو الاخرى أرى أنه يوجد لدينا ايضا في اسرائيل امكانية كامنة حقيقية للتغيير. متى يمكن أن تتحقق؟ اذا اقتنع الناس بوجود مغزى لها، وأننا غير محكومين بواقع غياب الحلول. اذا حرر الناس خيالهم الاجتماعي والسياسي وتجرأوا على الانفصال عن الجمود أحادي الجانب الذي يغلف مجتمعنا، سيكون بالامكان خلق تغيير حقيقي. بهذا أنا أنوي العمل عليه في السنوات القريبة. هذا هو السبب في أنني قررت انهاء وظيفتي في الكنيست. ليس بسبب “تعب المادة” وليس بسبب الاستخفاف بأهمية هذه المؤسسة، بل من اجل القيام بعمل عميق في الجمهور الاسرائيلي وخلق تغيير كبير من المكان الوحيد الذي فيه يمكن أن ينمو من الأسفل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى