دمتري شومسكي يكتب: غباي، لا ترتكب الخطأ الذي ارتكبه حاييم رامون
هآرتس – بقلم دمتري شومسكي – 11/6/2018
الوزير السابق حاييم رامون كان قبل نحو عقد شريك اساسي في محاولة التوصل الى اختراقة في العملية السلمية في الشرق الاوسط. بكونه نائب رئيس الحكومة والمقرب منه ومحل ثقة اهود اولمرت اثناء مؤتمر انابوليس، كان رامون احد قنوات الاتصال الرئيسية مع القيادة الفلسطينية، وقام ببلورة عدد من التفاهمات الثورية خلال محادثات سرية مع رؤساء السلطة الفلسطينية، بما في ذلك في موضوع تقسيم القدس (ايلول 2007). اضافة الى ذلك كان لرامون اسهام رئيسي في حقيقة أنه خلافا لمحادثات كامب ديفيد وخلافا للادعاءات الممنهجة والمثيرة للشفقة لنظرية “لا يوجد شريك” – حدث في المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين في انابوليس تقدم جوهري في عدد كبير من المسائل الرئيسية للنزاع.
من الناحية الاخرى، كما ذكرت مؤخرا عميره هاس، (“لسان رامون”، “هآرتس”، 3/6)، رامون اثناء ولايته كوزير داخلية في منتصف التسعينيات، كان مسؤول عن تحريك سياسة الترانسفير الهادئة للفلسطينيين سكان شرقي القدس من خلال الغاء، التهديد بالغاء، الاقامة الخاصة بهم على اساس معايير وحشية وشريرة.
اجل، شخصية من الشخصيات الاساسية في عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية عندما كانت على قيد الحياة، هي ايضا من المحاربين البارزين في الجبهة اليهودية – الديمغرافية من اجل تقليص عدد السكان العرب – الفلسطينيين الذين يوجدون تحت السيطرة الاسرائيلية – كل ذلك بواسطة طرد الفلسطينيين من شرقي القدس والفصل احادي الجاني الذي كان رامون أول من أيده.
إن ربط من هذا النوع بين الاستعداد لتقسيم البلاد الى دولتين وبين الحفاظ على الاكثرية اليهودية، الذي يظهر بوضوح في مقاربة رامون للمسألة الاسرائيلية الفلسطينية، هو ظاهرة نموذجية جدا في اوساط رجال الوسط ويسار – وسط وحتى لدى اجزاء لا بأس بها ممن يتبنون مواقف يسارية واضحة. إنهاء سيطرة اسرائيل على الفلسطينيين، يدعي انصار الدولتين، هو المصلحة الاسرائيلية العليا لأن استمرار الاحتلال سيؤدي في يوم ما – بعد مطالبة الفلسطينيين بحقوق المواطنة الكاملة في اسرائيل – الى فقدان الاغلبية اليهودية في الدولة وتصفية المشروع الصهيوني.
اضافة الى ذلك، من يؤيدون تقسيم البلاد بسبب دوافع ديمغرافية، يعتقدون بلا أدنى شك أن لديهم الادعاء الرابح الذي بمساعدته يمكنهم أخيرا اقناع معظم الجمهور الاسرائيلي بسهولة الذي يخاف على مستقبل الاغلبية اليهودية، بأن يدعم حل الدولتين.
لقد احسن رامون طرح هذا الموقف في مقال له بعنوان “المعارضة المخلصة” (هآرتس، 8/6). عبر فيه رامون عن دهشته من أن المعارضة وهي تأتي لطرح بديل سياسي لليمين لا تستخدم ورقة الديمغرافيا، حيث أنه حسب رأيه يوجد لهذه الورقة ما يكفي ليقودها بصورة مضمونة الى قلب الناخب الاسرائيلي. حسب رامون، يبدو أنه يكفي آفي غباي أن يعرض امام الجمهور الاسرائيلي السيناريو المرعب لـ “الدولة ثنائية القومية” الذي يتوقع تحققه تحت حكم اليمين، بداية القدس (اذا قرر السكان الفلسطينيون تجسيد حقهم في التصويت لرئاسة البلدية) وبعد ذلك في كل الفضاء بين الاردن والبحر (اذا سعى الفلسطينيون الى الحصول على الجنسية الاسرائيلية) من اجل أن يفعل كل اسرائيلي واسرائيلية الذين يعز عليهم الطابع اليهودي للدولة، كل ما في استطاعتهم من اجل ارسال نتنياهو الى البيت.
ولكن موقف رامون هذا خاطيء من الاساس. التبرير الديمغرافي لصالح تقسيم البلاد والذي هدف الى منع تحول اسرائيل الى دولة مع اغلبية عربية، يستند كله على زيادة الشعور بالخوف من “الآخر”، حيث أن الخوف من الآخر هو الاساس الذي يستند اليه اليمين. الاسرائيليون سيصغون باهتمام كبير الى التنبؤات الديمغرافية المرعبة للمعارضة – في يوم الانتخابات سيضعون ورقة “ماحل” في صندوق الاقتراع، حيث أنه من الذي سيعالج التهديد الديمغرافي الفلسطيني بصورة ناجعة اكثر من نتنياهو؟ من الذي يعرف اكثر من حكومة اليمين تنغيص حياة الفلسطينيين وأن يبين لهم من هو صاحب البيت وربما اقناع بعضهم بأنه من الافضل لهم الهجرة من هنا – وبهذا يساهمون في حل المسألة الديمغرافية دون الخروج كأغبياء والتنازل عن اجزاء من الوطن.
اجل، طالما أن الفلسطينيين يعتبرون في نظر الاسرائيليين ارقام مهددة وليس بشر عاديين، فان احتمال تحريك الجمهور اليهودي الاسرائيلي ليتقاسم معهم الوطن الصغير قريب من الصفر. في المقابل، اذا كان هناك رغم الصراع الدامي والضحايا العبثيين ما زالت هناك طريقة لاقناع الاسرائيليين بالموافقة على اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة الى جانب اسرائيل – هذه الطريق يجب أن تكون مختلفة في مضمونها. في الاساس: جعل الاسرائيليين يرون انسانية الفلسطينيين، والانكشاف على المعاناة والألم التي يسببها الاحتلال والاعتراف بأن الفلسطينيين كونهم بشر مثل الاسرائيليين يستحقون بالضبط مثلهم دولة خاصة بهم.
الاسرائيليون ليسوا افضل من الشعوب الاخرى، لكنهم ايضا ليسوا اسوأ. لذلك، لو أنهم بدلا من قمامة برامج الواقع التي تذهب العقل كانوا يتعرفون في اوقات ذروة البث على تدمير مصادر الرزق ونسيج الحياة للتجمعات البدوية في غور الاردن بسبب مشروع الاستيطان، والرغبة الطبيعية لدى البرجوازية الفلسطينية في رام الله في العيش مثل كل طبقة متوسطة حديثة في التاريخ، في دولة قومية خاصة بهم، دون حواجز وجدران اقامتها قوى غريبة، أو على اعترافات الجنود من “نحطم الصمت” من المظالم المهينة والزائدة التي تسببوا بها للسكان الفلسطينيين – ربما كان المزيد منهم يظهرون تعاطف مع الجانب الفلسطيني المضطهد وكانوا يقفون خلف تطلع الفلسطينيين للحرية الوطنية.
البروفيسور شلومو افينري تأسف ذات مرة (“بين حركتين قوميتين”، هآرتس، 27/9/2015) على أن محمود عباس يرفض القدوم الى القدس والقاء “خطاب سادات” في الكنيست. ولكن يفضل أن يلقي خطاب سادات رئيس المعارضة الاسرائيلي. فقط علينا تصور آفي غباي يلتقي مع محمود عباس على خلفية الخليل العربية السجينة والمسحوقة تحت نير الاستيطان اليهودي العنيف في قلب الخليل أو أمام الجرافات الاسرائيلية التي تشق طريقها لتنفيذ مهمة اجرامية لتدمير بيوت البدو في الخان الاحمر، ويدعو مواطني اسرائيل “اخوتي واخواتي، نحن نسينا ماذا يعني أن نكون يهود. نحن بنات وابناء الشعب المضطهد يجب علينا تحرير الشعب الجار من الاضطهاد”. بقدر ما يبدو هذا الخطاب خيالي ومثالي فان من شأنه أن يقنع الاسرائيليين بمعارضة استعباد شعب آخر اكثر من خطاب التخويف الديمقراطي المكرر، الذي فقط يعزز بصورة اشد شيطنة الفلسطينيين، ومعها الروح اليمينية في اوساط الجمهور. من الجيد أن آفي غباي لا يستخدم هذا الخطاب. يمكن الأمل بأن غباي الذي وصل الى رئاسة حزب العمل خلافا لكل التوقعات واثبت القدرة النادرة لدى سياسيين على الاعتراف بالخطأ، أن يوفر على نفسه ارتكاب خطأ رامون، ويجد في النهاية طريق أصيلة وناجعة اكثر لاقناع الجمهور الاسرائيلي بدعم تقسيم البلاد.