ترجمات عبرية

دمتري شومسكي يكتب / حزب “بلد” الصهيوني

هآرتس – بقلم  دمتري شومسكي – 29/6/2018

يصعب على من يقرأ مقال عضوة الكنيست حنين زعبي “أن تشعر مع وأن تسير ضد” (هآرتس، 15/6) التحرر من الشعور بالسخرية التاريخية. زعبي التي ترفع بفخر علم “دولة كل مواطنيها” تطرح هذه الفكرة نقيض تام لـ “الدولة الصهيونية” – كما تعتبر دولة اسرائيل الحالية. ولكن في حقيقة الامر اذا كانت أسس الرؤية القوية – المدنية لـ “بلد” بشأن الشكل المطلوب للدولة الاسرائيلية سيمكن تحقيقها ذات يوم، فان ذلك سيكون، وبشكل متناقض، هو تنفيذ عدد من المستويات المدنية العميقة للمشروع الصهيوني.

سيتم القول على الفور إن التناقض الاساسي الذي تشير اليه الزعبي بين قيم المساواة والديمقراطية حسب “بلد” وبين اسس المشروع الصهيوني، يسري بالتأكيد على كل ما يتعلق بالطريق التاريخي للصهيونية لتحقيق اهدافها السياسية. اجل، منذ حل الامبراطورية العثمانية واطلاق تصريح بلفور، فان تحقيق الهدف القومي العادل بحد ذاته للحركة الصهيونية – تحقيق تقرير مصير قومي لشعب مضطهد ليس له وطن، في الارض الوحيدة في العالم التي تعتبر في نظر العديدين منه وما حوله كوطنه التاريخي – كان مقترنا بخرق فاضح للحقوق الاساسية الديمقراطية للعرب الفلسطينيين. حسب النظام الدولي غير المساوي بصورة واضحة والذي فرض على العرب الفلسطينيين/ ارض اسرائيل مع المصادقة على الانتداب البريطاني على البلاد، فان الشعب اليهودي، رغم كونه أقلية من اجمالي السكان، حصل على اعتراف بحقوقه الوطنية، في حين أنه كان على الشعب الفلسطيني الذي شكل الاغلبية المطلقة من سكان البلاد، فرض عليه التسليم بتحويله التدريجي من اغلبية الى اقلية في وطنه.

ولكن طالما ان الامر يتعلق بموضوع الطابع القومي المدني للدولة اليهودية في ارض اسرائيل بعد تحقيق الاغلبية اليهودية فيها، فان الرؤيا السياسية التي كان يتبناها زعماء الحركة الصهيونية قبل اقامة الدولة في معظم سنواتها كانت متقاربة جدا، واحيانا كانت متشابهة، مع حلم دولة كل مواطنيها للزعبي واصدقاءها. هكذا فان الكيان الذي تخيله في نفسه مؤسس الصهيونية السياسية ثيودور هرتسل في رواية “ارض قديمة – جديدة”، وهو نص عبر كما زعم بصدق البروفيسور شلومو افينري، عن خطة عمل حقيقية وليس مجرد اسطورة – شابهت بصورة مدهشة نموذج الدولة المدنية المتساوية.

بروح القومية المدنية على صيغة الولايات المتحدة – الدولة التي مجدها البطل الاهم في الرواية السيد كينغسكورت – فان المواطنين اليهود والمسلمين والمسيحيين هم شركاء متساوين وكاملين في الحكم الذاتي في مجتمع الارض القديمة – الجديدة. كذلك فان حقيقة أن اسم الطائفة الهرتسلية – “ارض قديمة – جديدة” – كان حياديا من ناحية عرقية – قومية، ويشهد بوضوح أن هرتسل – بالضبط مثل اعضاء “بلد” – رفض تماما فكرة أن اليهود سيحظون بفوائد قومية – جماعية على حساب السكان الاصليين في البلاد.

الزعيم الروحي لحركة العمل الصهيونية، بيرل كتسنلسون، في الوقت الذي تخيل فيه المستقبل السياسي لارض اسرائيل، تحفظ بشكل واضح من نظرية الدولة القومية العرقية: “ليس لي دور في مفاهيم الذين يرون تجسد الصهيونية على شكل دولة بولندا الجديدة، ولكن بتغيير، بحيث يكون العرب في وضع اليهود، واليهود في وضع البولنديين” قال في محاضرته السياسية في مجلس مباي في 1931. بدل نموذج الدولة البولندية في ايامنا – التي تنكرت بتصميم اعمى للطابع متعدد القوميات للسكان، فقد اقترح تبني رؤيا دولة متعددة القوميات كرؤيا الاشتراكييين الديمقراطيين في النمسا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. لقد رفض تماما فكرة “الدولة القومية” وتبنى نموذج دولة القوميات – وهي رؤيا سياسية قانونية قريبة من رؤية بلد، حيث أن “دولة كل مواطنيها” لبلد هي ايضا دولة كل شعوبها (وان كان هذا المفهوم يؤيده في المقام الاول عضو الكنيست احمد الطيبي).

زئيف جابوتنسكي قال في 1937، ليس مناسبا “أن يحتوي دستور أي دولة بنود خاصة تضمن طابعها القومي” وأن “علامة جيدة للدستور هي أنه قل ان تجد فيه بنود كهذه” . اجل من ناحية جابوتنسكي كان هذا مفهوم بحد ذاته أن الدولة اليهودية العتيدة ستبنى من ناحية قانونية كدولة “ثنائية القومية”، لذلك من وجهة نظره “كل دولة توجد فيها اقلية عرقية يجب أن تلائم نظامها مع هذه الحقيقة وأن تتحول الى دولة ثنائية – ثلاثية القومية أو ذات اربع قوميات” (عن ارض اسرائيل ثنائية القومية، 1926) – ايضا ليس صحيحا وشبيها جدا بموقف بلد بشأن حلم المواطنة متعددة القوميات.

من المهم التأكيد على أنه خلافا لما ربما يغري بالافتراض، أن رؤيا دولة كل مواطنيها و”دولة كل قومياتها” التي طرحها زعماء صهاينة اساسيين فيما يتعلق بالمستقبل القومي – المدنية للدولة الصهيونية، لم تكن تعتبر عملية تكتيكية استهدفت كما يبدو هزيمة آراء العرب الفلسطينيين وجعلهم يوافقون على الصهيونية بفرح. الصهاينة فهموا وادركوا أنه ليس مسألة صورة النظام السياسي باغلبية يهودية هي التي اقلقت العرب الفلسطينيين، بل مجرد التوق الديمغرافي للصهيونية لتحويلهم من اغلبية الى اقلية.

البدائل الصهيونية للدولة القومية اليهودية نبعت من مجمل دوافع واعتبارات اساسية – استراتيجية، التي أحد الدوافع الرئيسية فيها كان الاعتراف بأنه في البلاد التي تعيش فيها عدة مجموعات قومية فان نموذج الدولة القومية العرقية محكوم عليه بالفشل. اجل، رؤساء الصهيونية قبل قيام الدولة ادركوا جيدا كون مجرد ظهور الصهيونية في شرق ووسط اوروبا كان وليد فشل القوميات العرقية في اماكن مختلفة، مثل بولندا بين الحروب التي تحفظ منها كتسنلسون – التي لم تستطيع استيعاب الآخر اليهودي في الواقع المدني السياسي؛ حيث أنه خلافا لاتباع “دولة القومية للشعب اليهودي” الاغبياء في هذه الايام

هم لم يتشجعوا لاستنساخ نموذج احادي القومية الفاشل لاراضي بلاد اسرائيل ثنائية القومية.

وبهذا اذا حكمنا من خلال النظر العميق للمزايا السياسية المدنية للصهيونية التاريخية فان نموذج دولة كل مواطنيها للزعبي جدير بأن يسمى “دولة صهيونية” أكثر من دولة المستوطنين القومية – الدينية، مركزية العرقية لنتنياهو وامثاله. هل سيكون من المعقول أن نتخيل في وقت ما اعضاء بلد يشجعون فكرة دولة كل مواطنيها والتطرق الى الرؤيا الصهيونية ما بعد الدولة التي تعبر بوضوح عن نماذج ديمقراطية مدنية ديمقراطية أو ديمقراطية تسووية؟.

من جهة اخرى من الصعب تخيل سيناريو مدحوض اكثر: احفاد الضحايا الصهاينة يعتمدون على اقوال زعمائها من الماضي من اجل الدفع بحلم المساواة المدنية والقومية للاقلية الفلسطينية، في دولة قامت على خرائب القومية الفلسطينية. ولكن من جهة اخرى سيكون في هذا نوع من السعي الى عدالة تاريخية. في النهاية الخطط المتساوية لانشاء دولة مدنية أو متعددة القوميات في ارض اسرائيل والتي طرحها رؤساء الصهيونية علنا على مدى سنوات قيام الصهيونية كحركة قومية، تعتبر تعهدات سابقة لم تتحقق. اليوم حان الوقت للمطالبة بشدة بتحقيقها، ومن عدا احفاد ضحايا الصهيونية يمكنهم القيام بذلك؟.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى