ترجمات عبرية

دمتري شومسكي / تنازل فلسطيني فقط من شأنه أن يبعد السلام

هآرتس – بقلم  دمتري شومسكي  – 24/5/2018

احد التفسيرات الشائعة في اسرائيل للفشل المتواصل لمسيرة السلام بين اسرائيل والفلسطينيين هو أن الحركة الوطنية الفلسطينية لم تهزم بعد بصورة نهائية. حسب هذا التفسير – المقبول جدا على جزء كبير من الطيف السياسي في اسرائيل، من اليمين المعتدل وحتى اليسار – وسط – فان الفلسطينيين غير  متسرعين للتحرر من الاحتلال والتوقيع على اتفاق دائم مع اسرائيل، لأنهم ما زالوا يؤمنون بأنهم في يوم ما سينجحون في هزيمة اسرائيل من الناحية الديمغرافية: سيفرضون عليها اقامة دولة واحدة بين البحر والنهر، سيغرقون اسرائيل باللاجئين الفلسطينيين وبالتالي سيمحونها عن الخارطة، وبدلا منها سيتم الاعلان عن دولة فلسطين الحرة. حسب هذه النظرية، لو أن الفلسطينيين فقط تنازلوا عن هذا الحلم الهذياني، أو على الأقل حيدوا تأثيره على اعتباراتهم السياسية، لكان يمكن بسهولة التوصل الى التسوية الموعودة.

تعالوا نتخيل أن محمود عباس المعارض للسلام، جاء الى القدس وألقى خطاب السادات في الكنيست. وكان يحظى بدعم مطلق من كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها حماس والجهاد الاسلامي. عباس يتخلى نهائيا عن اقواله المحرجة الاخيرة في المجلس الوطني الفلسطيني فيما يتعلق بانكار القومية اليهودية. تخيلوا أنه يعلن حسب السورة الخامسة في القرآن، الآية 20 – 21، أن ارض اسرائيل تعود لشعب اسرائيل، لذلك فان الشعب الفلسطيني بما فيه جمهور اللاجئين، مستعد للاكتفاء بأقل من 20 في المئة من ارض فلسطين التاريخية من اجل أن يقيم فيها دولته.

تلك ستكون دولة منزوعة السلاح، تعطى فيها للجيش الاسرائيلي حرية حركة مطلقة، سواء من اجل الحفاظ على أمن اسرائيل أو من اجل الدفاع عن الشعب الفلسطيني من متطرفي داعش على اشكالهم. وكذلك بالطبع، خطابه هذا لن ينسى عباس أن ينهيه بالاعلان أن دولة اسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي العالمي.

هل بعد أن تقبل القيادة الفلسطينية بهذه الصورة أو تلك انتصار الصهيونية يتوقع أن تقوم اسرائيل بتقديم أي تنازل فيما يتعلق بحجم مشروع الاستيطان في الضفة الغربية الذي يشكل كما هو معروف ايضا أحد العقبات التي لا بأس بها في طريق تقسيم البلاد؟ أشك في ذلك. لأنه حتى لو كان للارهاب الفلسطيني هنا أو هناك دور مسرع بخصوص توسيع الاستيطان واقامة البؤر الاستيطانية غير القانونية، فانه لم يكن في يوم من الايام هو السبب في اقامة مشروع الاستيطان وازدهاره. هذا السبب أصله ديني – سياسي، يكمن في عدم الاستعداد المتواصل للقومية الصهيونية في عهد الدولة أن ترى في الحدود الدولية لاسرائيل نهاية تجسيد الصهيونية.

هذه الظاهرة ميزت وتميز ليس فقط ايديولوجيا غوش ايمونيم وموقف الليكود، بل ايضا رؤية وسياسة حزب العمل. حزب العمل هو الذي وضع الأسس لمشروع الاستيطان، وحسب دلائل مكتوبة فان رئيس الحكومة الاخير من قبله في محادثات كامب ديفيد في 2000 أصيب اكثر من مرة بقلق يسبب الشلل ازاء امكانية أن يضطر الى التنازل عن اجزاء من الوطن.

اضافة الى ذلك، اذا أردنا فحص تأثير المعارضة الفلسطينية للصهيونية بصورة موضوعية على مشروع الاستيطان، فانه يجب الاعتراف بأنه في اساس الامر كان لذلك تأثير مجمد وكابح. يجب الافتراض أنه بدون المعارضة الفلسطينية المشروع الكولونيالي الاسرائيلي في المناطق المحتلة كان سيزدهر ويصل الى أبعاد أكثر مما هو عليه الآن. وكانوا سيضمون ايضا قطاع غزة. من المعقول الافتراض أنه اذا رفعت الحركة الوطنية الفلسطينية اليوم معارضتها للصهيونية، فان هذا الامر سيعتبر من قبل اليمين الاستيطاني، الذي يسيطر الآن بدون كوابح على دولة اسرائيل، بوادر ضعف تدعو الى مواصلة مسرعة للتوسع الاستيطاني.

الاستنتاج المطلوب هو أنه طالما أن الرغبة السياسية المسيحانية تواصل الوجود في الوعي السياسي الاسرائيلي وفي تحديد رؤيتها بشأن الحجم المشروع للحق الوطني لليهود في ارض اسرائيل، فان تليين الموقف الفلسطيني بشأن هذا الحق لا يتوقع أن يشجع المصالحة بين الشعبين، بل العكس، من شأنه حتى تشجيع الرغبة الاستيطانية.

لذلك، اذا كانوا في الوسط – يسار في اسرائيل يريدون بجدية تقسيم البلاد بين الشعبين، يفضل أن يتوقف المتحدثون باسمهم عن تقديم المواعظ الاخلاقية للفلسطينيين في شؤون حق العودة وفي اعطائهم دروس تعليمية في مواضيع الكارثة والبعث. يحسنون العمل اذا ركزوا اساس جهودهم في اصلاح الوجه القومي للصهيونية. كل هذا بهدف اقناع الجمهور الاسرائيلي برؤية حدود الدولة كما هي معروفة في قانون الشعوب ليس كعائق في طريق تحقيق الفكرة الصهيونية، بل كاطار شرعي وحيد لتطبيق تقرير المصير لدولة اسرائيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى