ترجمات عبرية

دمتري شومسكي : اسلام أبو حميد ليس مخربا بل مقاتلا

هارتس – بقلم  دمتري شومسكي  – 19/6/2018

خلافا لاقوال وزير الدفاع ليبرمان فان اسلام يوسف ابو حميد الذي اعتقل في الاسبوع الماضي بتهمة القاء بلاطة من الرخام تسببت بقتل جندي من “دفدفان” في الشهر الماضي، ليس مخربا بل مقاتلا، بالضبط مثل جندي جيش الدفاع الاسرائيلي الذي قتل.

صحيح أن ابو حميد الذي يعيش في مخيم الامعري للاجئين لم يكن يرتدي زي جيش الدفاع عن فلسطين لأن هذا الجيش غير موجود، مثلما هي دولة فلسطين غير موجودة. كما أنه لم يكن مسلح بسلاح، بل استخدم بلاطة كسلاح وبواسطتها قتل المقاتل الاسرائيلي. ولكن مثلما أنه في نظر معظم الاسرائيليين الجندي سقط اثناء تأدية واجبه في الدفاع عن الوطن، ايضا ابو حميد قتل (حسب التهمة) الجندي اثناء الدفاع عما تبقى من وطنه غير المعترف به لشعبه، في وجه جندي جيش الاحتلال.

أن ترى في اسلام ابو حميد مقاتل وليس مخرب لا يعني بالضرورة التعبير عن موقف يساري. صحيح أن من اعتدنا على تصنيفهم لدينا كـ “يسار متطرف”، هؤلاء هم الذين يعتقدون أن الشعب الفلسطيني يخوض اليوم نضال عادل لتحقيق حقوقه الوطنية الشرعية في وطنه، ربما هم قادرون اكثر من الآخرين على رؤية الفلسطينيين الذين يهاجمون الجيش الاسرائيلي في المناطق المحتلة كمقاتلي حرية. ولكن ليس هناك ما يمنع أن يقوم الاسرائيليون المقتنعون بأن ارض اسرائيل الكاملة تعود لشعب اسرائيل، وأنه لا يوجد للفلسطينيين أي حقوق وطنية بين البحر والنهر، أن يتعاملوا مع الفلسطينيين امثال ابو حميد كمقاتلين. صحيح أن هؤلاء يقاتلون قوات معادية تسعى حسب رأيهم الى أن يسرقوا من شعب اسرائيل ارضه، لكنهم ما زالوا – مقاتلين وليسوا مخربين.

زئيف جابوتنسكي توقع بالضبط قوة المعارضة العنيفة لعرب اسرائيل للصهيونية، لكنه امتنع عن نزع الشرعية الاخلاقية عن هذه المعارضة التي تكمن في مفهوم “مخربين”. بالعكس، لقد وصف معارضتهم تعبير طبيعي ومفهوم بحد ذاته للقومية وحب الوطن مهما كان. ومثلما كتب في مقاله الاساسي في هذا الموضوع “على الحائط الحديدي” (1923). “كل شعب اصيل يعتبر بلاده وطنه القومي، الذي يريد فيه أن يكون صاحب البيت المطلق وأن يبقى كذلك الى الأبد… هذه الاقوال سارية المفعول ايضا فيما يتعلق بالعرب… هم ينظرون لارض اسرائيل على الاقل بنفس المحبة التلقائية وبنفس التعصب العضوي الذي نظر فيه الازتيك الى المكسيك خاصتهم… كل شعب يقاتل ضد الكولونياليين طالما أن لديه بصيص أمل للتخلص من خطر الكولونيالية. هكذا يعمل الآن وهكذا سيعمل في المستقبل عرب اسرائيل”.

ولأن جابوتنسكي لم يعتبر في أي يوم القومية العربية – الفلسطينية تجسيد للشر على الارض، فانه في مقاله “على الحائط الحديدي” كان بامكان جابوتنسكي أن يتخيل أنه في يوم ما يمكن التوصل الى السلام المأمول معهم. في الوقت الذي فيه يعترف عرب ارض اسرائيل بأن الانتصار السياسي للصهيونية هو امر لا رجعة عنه، سيظهر، هكذا افترض، زعماء فلسطينيون معتدلون “سيحضرون الينا مع اقتراحات للتنازلات المتبادلة ويبدأون بالمساومة معنا بنزاهة بخصوص الضمانات ضد طرد العرب أو بشأن المساواة في الحقوق أو بخصوص الاستقلال القومي”.

خلافا لجابوتنسكي، فان مسؤولي اسرائيل المحتلة والمستوطنة في ايامنا يخلقون شيطنة ممنهجة وجارفة للقومية الفلسطينية. دوافعهم واضحة: رغم أنه ظهر اكثر من مرة في الطرف الفلسطيني زعماء معتدلون مستعدون للحديث مع اسرائيل عن “تنازلات متبادلة” وحتى أنهم يتعاونون معها في مجال التنسيق الامني ضد الزعماء الاكثر تطرفا، فان حكومة اليمين العنصرية الاستيطانية الاسرائيلية غير معنية للاستجابة حتى للحد الادنى من طلباتهم مثل تجميد الاستيطان، ولا نريد التحدث عن “المساواة في الحقوق” أو “الاستقلال الوطني”. هي تسعى لاجبار الفلسطينيين على الموافقة على شروط مهينة، على ارض تحت رعاية شبه حكم ذاتي، الذي سيأخذ بالتقلص باستمرار مع التوسع “الطبيعي” للمستوطنات. ولأن الفلسطينيين لا يستطيعون ولا يريدون الموافقة على ذلك فان اسرائيل تفضل شن حرب لا تتوقف ضد القومية الفلسطينية بكل اقسامها.

لا يوجد مفهوم مناسب اكثر من مخربين – الذي فيه يتم وصف ليس فقط قتلة المدنيين ومهاجمي الجنود، بل مؤخرا ايضا اولئك الفلسطينيين الذين يريدون استخدام ضغط دولي على اسرائيل من اجل تبرير وضع القتال المتواصل ضد الفلسطينيين. في نهاية المطاف “مخربون” هو مفهوم اخلاقي – جنائي في اساسه، الذي يشير الى كل من يعتبر المس الخبيث بحياة الانسان هدف وجوده. لذلك يجب ملاحقته حتى النهاية.

إن التوق المسيحاني – العقاري لاسرائيل للسيطرة على المزيد من الارض الفلسطينية لا يمكن اجتثاثه في المستقبل القريب، لكن يمكن الاحتجاج على التلاعب بالخطاب الذي يخدم الاحتلال، الاستيطان والابرتهايد من اجل وصف اقصاء الفلسطينيين عن وطنهم كحرب أبناء النور ضد أبناء الظلام.

الخطوة الحيوية الاولى لذلك هي التوقف عن الاستخدام المضلل لكلمة “مخربين” بخصوص كل الفلسطينيين الذين يقاتلون جنود الجيش الاسرائيلي في المناطق المحتلة. فقط عندما يتم اعتبار اسلام يوسف ابو حميد وامثاله مقاتلون في جيش العدو وليس “ارهابيين” سيكون بالامكان البدء بتخيل احتمالية سلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى